تتباين السياسات الأميركية في منطقة غرب آسيا، وتبرز فجوات عدة ما بين الخطاب والواقع وما بين القرار والإجراءات، وتأخذ الحركة الأميركية طابع الغموض، تارة مع غياب السياسات الواضحة، وطابع الوضوح تارة أخرى، كما في محاولات احتواء توسّع نفوذ محور المقاومة مع القوى الكبرى. وإذ تكثر التحليلات في محاولة فهم الحركة الأميركية وقراءتها من منظار واقعي، تبرز أسئلة عدة محورها التغيّر المحتمل أو المتوقّع في تلك الحركة. من هنا، تحاول هذه الورقة استقراء المواقف والإجراءات الجزئية في بعض الساحات وصولاً إلى المشهد العام الكلّي، بما يساهم في عملية تفسير الحركة الأميركية، الأمر الذي توفّره مؤشرات «الانكفاء» في مختلف ساحات دول محور المقاومة.

مفهوم الانكفاء
يفيد الانكفاء لغويّاً معاني الميل والانصراف والرجوع والتغيّر والانهزام. أمّا اصطلاحاً، فإن التداول الحالي يرتبط بشكل أساسي بالإجراءات الأميركية الواقعية في دول محور المقاومة في منطقة غرب آسيا. ويعني مفهوم الانكفاء التغيّر في استجابات الأميركي وردود فعل واشنطن تجاه سياسات محور المقاومة وإجراءاته، والرجوع عن إجراءات التدخّل العسكري والانخراط العسكري المباشر في ساحات المحور، والانصراف عن تدابير وقرارات في التدخّل والمواجهة، لطالما دأب البيت الأبيض على اتخاذها من ضمن الرؤية الأميركية لقيادة العالم. ويترافق تخلّي الأميركي عن هذه السياسات مع الميل نحو اتجاهات تغلب فيها السياسات غير المباشرة والطويلة الأمد لكن الحازمة والحذرة في آن، أي أنّها تتخذ من استراتيجية الاحتواء مرتكزاً محوريّاً. واستناداً إلى هذه التعريفات، يعدّ الانكفاء سياسة التخلّص من أعباء التدخّل في المنطقة، وتراجعها في سلّم أولويات الولايات المتحدة، لكن من دون أن يعني الخروج من ميدان المنافسة أو الصراع البتة، أو يستلزم الانسحاب من المنطقة، بشكل كليّ أو جزئي.

عوامل واستجابات
يتمّ الانكفاء الأميركي من المنطقة تدريجيّاً على مراحل ووفق خطوات لا تعني بالضرورة أن تكون محسومة من قبل الأميركي على مستوى اتخاذ القرار أو التوقيت، كالانسحاب من أفغانستان والعراق مثلاً. لقد جاءت لحظة الانسحاب نتيجة مسار طويل من الفشل الأميركي والهزائم في المنطقة، بحيث أنه اضطر إلى الخروج نتيجة التكاليف المادية المرتفعة التي أرهقت الخزانة الأميركية على مدى عشرين سنة، فضلاً عن الكلفة البشرية. وتالياً، ما كانت عملية الانسحاب من أفغانستان، على سبيل المثال، خطوة اتّخذها الأميركي عن سابق تخطيط وعمد ليجعل المنطقة مستنقعاً من عدم الاستقرار، تغرق فيه كل من إيران وروسيا، وهو ما حاول البعض الترويج له من باب تخفيف وطأة الفعل الأميركي على وكلائه وحلفائه في المنطقة. نعم، قد يكون الأمر من تداعيات الانسحاب، وهو ما قد أخِذ في الحسبان، لكنه ما كان الدافع الأساس، حتماً.
لقد أرغِمت القوات الأميركية على الاندحار والانسحاب، وقد شكّلت الخسائر التي منيت بها واشنطن في العراق وسوريا ولبنان، وفشل مشاريعها واستنفاد أدواتها الدافع الرئيس في تبلور معالم الانكفاء من المنطقة. لقد مثّل التدخّل الأميركي في المنطقة منذ احتلال العراق (2003) بتكاليفه المرتفعة وتداعياته السلبية النفوذ الأميركي نقطة انعطاف في مسار سياسة واشنطن الخارجية باتجاه الانكفاء، لا سيما وأنها رزحت تحت ضغوط عوامل أخرى، أهمّها تحوّل الرأي العام الأميركي، وتزايد الإنتاج المحلي الأميركي للنفط والغاز، وحاجة البيت الأبيض إلى تحويل الموارد والتركيز على أوروبا وآسيا لمكافحة المنافسة الروسية وتنامي النفوذ الصيني.

معالم تبلور الانكفاء
إن استراتيجية الانكفاء في تخفيف التركيز على منطقة غرب آسيا تبرز في عدم إيلاء المنطقة أهمية كبرى، والإحجام عن التدخل العسكري فيها، والخروج من الحروب التي «لا نهاية لها». أمّا الهدف، فهو تخفيف الأعباء والكلفة وحماية القوات الموجودة، مع الحفاظ على نتائج مقبولة بالحد الأدنى. يظهر البعد السياسي في تغيّر السياسات الأميركية الصادرة من مراكز القرار العليا مباشرة، كتجميد بعض الملفات الحساسة أو التخلي عنها، ولو على حساب الوكلاء أنفسهم. ويترجَم البعد العسكري في الانصراف الأميركي عن الانخراط في الميدان وعدم الانجرار إلى الحرب وكبح الحليف الإسرائيلي عن استدراجه إلى ما هو مرتفع التكلفة، أو حتى ذي تكلفة غير مقبولة. من هذا المنظور، يمكن فهم ما تبنّته دراسة مركز «راند»، لكل من دافنا راند وأندرو ميللر، وعنوانها «إعادة تصوّر استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط». إذ توصي الدراسة بضرورة تأكيد واشنطن لحلفائها بأن ما تقوم به من تقليل البصمة العسكرية عبر نقل المقرات الأمامية إلى الوطن وتخفيض موظفي المقرات الرئيسة في غرب آسيا والحفاظ على عدد كاف لتأمين إمكانية الوصول العسكري الأميركي بحسب بيئة التهديدات هو تصويب للحجم، وليس انكفاء. فالانسحاب أو إعادة التموضع والانتشار لا يتعارض مع مفهوم الانكفاء، بل الأوّل قد يكون من تداعيات الانكفاء.
إن معالم الانكفاء الأميركي ظهرت في سياسة إدارة ترامب التي أدركت جيّداً أن واشنطن لم تعد القوة المهيمنة الوحيدة في المنطقة، وأنها مضطرة للتعامل مع قوى دولية ومحلية صاعدة باتت شريكاً في تحديد قواعد السلوك السياسي والأمني. وكذلك، تستمر سياسة الانكفاء مع إدارة بايدن التي تعمل حاليّاً على تعزيز الاستراتيجية، لكن مع تغيير بعض السياسات الإجرائية بما يتناسب مع خطاب الإدارة من جهة، ومع الاضطرار إلى التكيّف مع المتغيّرات الإقليمية من جهة أخرى، وتكثيف اللجوء إلى نقاط المرونة المختلفة كنوع من الاستجابات تجاه سياسات المحور والهادفة إلى منع تفلّت زمام المبادرة من سطوتها مع الحفاظ على الطابة في مرمى محور المقاومة.
لقد اضطر البيت الأبيض إلى اتخاذ سياسات والقيام بخطوات لا تفسرها إلا استراتيجية الانكفاء التي توضح السياسات التي تخلّى عنها الأميركي في المنطقة. إنّ الحرب العالمية التي قادتها الولايات المتحدة لدخول غرب آسيا بذريعة «الحرب على الإرهاب» فقدت بريقها، تماماً كما أفِلت جاذبية الخيار الأميركي في حشد إرهابيي العالم لإسقاط النظام السوري. تؤيّد هذه اللمحة من المسارات الموضوعية القول بالانكفاء الأميركي من منطقة غرب آسيا، فالتهديد المتنامي لمحور المقاومة على الأمن القومي الإسرائيلي، وعلى المصالح الأميركية ونفوذ واشنطن في المنطقة، لم يعد يشكّل دافعاً للإدارات الأميركية باتخاذ قرار الحرب مجدداً أو إرسال المزيد من العديد إلى المنطقة، فضلاً عن الاستجابة بطريقة تعيد لصورة القيادة الأميركية بعضاً من الهيبة المفقودة.

محطات وشواهد
عديدة هي الشواهد الميدانية التي تؤكد حالة الانكفاء الأميركي من منطقة غرب آسيا. وتجدر الإشارة إلى أن الساحات التي تسجّل مؤشرات الانكفاء على قدر من الحساسية والسخونة الاستراتيجية، والقادرة على تحديد موازين القوى وفقاً للنتائج فيها. وعلى رغم ما يشير إليه الانكفاء فيها من هزيمة للمحور الأميركي - الإسرائيلي يقابلها مردود إيجابي واستراتيجي لصالح محور المقاومة، إلا أن واشنطن تلجأ إلى سياسات تنمّ عن ضعف وتراجع في النهج القيادي الأميركي، وتعتمد الالتفاف على خسارة القدرة على الحسم العسكري والتدخل المباشر عبر محاولة إعادة هندسة الإقليم وتشكيل النظام فيه.
إن ما تمثّله سوريا من مركزية عربية في محور الممانعة وثقل الردع في محور المقاومة، لم يدفع واشنطن إلى خيار الحسم في استهداف قدرات قوى المقاومة المتزايدِ تهديدُها للأمن القومي الإسرائيلي أو الحضور العسكري الأميركي. بقي الرئيس أوباما على مدى ثمانية أعوام يواجه الانتقادات الداخلية لقراره بعدم القيام بتدخّل عسكري في سوريا، سواء في بداية الصراع أو عند اتهام البيت الأبيض النظام باستخدام الأسلحة الكيميائية، الأمر الذي وصفه كثيرون بأنه يمثّل أفدح أخطاء أوباما. كما أنّ التدخّل لم يتمّ رغم ما قام به وزير الخارجية الأميركي آنذاك، جون كيري، من تحفيز للإدارة للقيام بعمليات عسكرية ضد سوريا، حتى عرِف قوله: «إذا لم تتخذ الولايات المتحدة الإجراء اللازم فإن التاريخ سيصدر حكمه النهائي علينا بقسوة».
لقد بات البيت الأبيض مضطراً للتعاون مع الكرملين في الملفات السورية، كما أنه عاجز عن منع قيام مبادرات خارج المظلة الأميركية؛ تسعى إلى حل الأزمة السورية أو تدعم النظام السوري في إفشال المشروع الأميركي الذي جمع إرهابيي العالم لإسقاط نظام الأسد، حتى اضطر إلى تغيير الهدف باتجاه تعديل سلوك النظام. في 2019، اتخذت إدارة ترامب منحى متطرّفاً في الانكفاء عندما تخلّت عن الوكيل الكردي نتيجة العجز عن التحكّم بمفاتيح السيطرة على النظام على مدى ثمانية أعوام خلت. عملت الإدارة الجديدة على تجميد الملف السوري لأشهر عدة عند بداية العهد. وإن كانت العودة لاحتضان الكردي لها حسابات أخرى لدى واشنطن، لكنها لا تلغي حقيقة الانكفاء الأميركي، وهو ما ظهرت معالمه مجدداً عندما عجزت إدارة بايدن عن طمأنة الحليف ذاته من هاجس انسحاب مشهد كابول على مناطق الإدارة الذاتية. فسارعت «قسد» بمجلسها السياسي «مسد» إلى استجداء حلول وتسويات مع روسيا لاستعادة الحوار مع النظام السوري.
وقد شكّلت أولويات إدارة بايدن في سوريا، والتي أعلنها حديثاً منسّق الرئيس في مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط، بريت ماكغورك، صدمة وخيبة أمل، للحليف الإسرائيلي على وجه التحديد. فالمراجعة السياسية التي طال انتظارها، وكشِفت في المنتدى الـ17 للأمن الإقليمي «حوار المنامة»، في 21 تشرين الثاني الماضي، لم تلبِّ الطموحات الإسرائيلية على مدى سنين من وجود نهج أكثر شمولاً يراعي أولوياتها ويحقّق الهدف الإسرائيلي في ما يسمّونه تراجعاً تامّاً للأسلحة الاستراتيجية الإيرانية والوجود العسكري الإيراني في سوريا.
وتكشف الميادين الانكفاء الأميركي؛ فقد استنكف الأميركي عن الرد في الميدان السوري كما العراقي على استهداف القواعد العسكرية الأميركية الاستراتيجية سواء التنف أو عين الأسد أو الحرير، والاكتفاء بإجراءات هجومية موضعية، غالباً ما تكون استعراضية. ورغم أنّ الاستهداف المدمّر لقاعدتي الأسد والحرير يعدّ سابقة تاريخية، فإنه لم يقابل بردّ، بل على العكس عمل على الانتشار وإعادة التموضع باتجاه الأردن وقطر والكويت بما يؤمّن له حماية القوات وتخفيف الأعباء.
وعلى رغم ما يعنيه انتصار حركة «أنصار الله» ميدانيّاً وسياسيّاً من ثقل استراتيجي لصالح محور المقاومة، وزيادة التهديدات مع ما تعايشه الإدارة الأميركية من هاجس تحوّل «أنصار الله» إلى «حزب الله ثانٍ» في اليمن، فإن الخيار الأميركي ما كان انتشاراً عسكريّاً في اليمن على غرار ما حدث في عراق 2003. ورغم العمليات النوعية التي تستهدف منشآت «آرامكو» وتكثيف الأهداف العسكرية والحيوية في السعودية، فإنّ رفض التدخّل في اليمن بقي الحاكم على الموقف الأميركي. حتى اعتقال موظفي السفارة الأميركية أخيراً في صنعاء لم يغيّر المشهد، علماً أنه لو قدِّر اجتماع الأحداث ذاتها في 2002 أو 2005 كان من الممكن أن يؤدي ذلك إلى رد فعل قوي وشرس قد يكون منه نشر آلاف الجنود الأميركيين في اليمن. بيد أنّ لحظة تغيّر الظرف التاريخي مع انتصارات محور المقاومة ما بعد عام 2000، قضت على عهد القرارات الحاسمة مع بدء أفول زمن الهيمنة الأميركية وبداية مسار الانكفاء من غرب آسيا. وهو ما أعلنه الرئيس بايدن رسميّاً منذ اللحظة الأولى لتوليه الرئاسة بالامتناع عن التدخّل لصالح السعودية في اليمن. كما ترجم موقف الإدارة الأميركية الانكفاء في معركة «حارس الأسوار» عندما أصرّ الرئيس بايدن على وقف العملية وعدم إعطاء ضوء أخضر مفتوحاً، منعاً لتوسّع محاور المعركة إقليميّاً، واستدراج تل أبيب لواشنطن في حرب لا تريدها الأخيرة ولا تسعى إليها، أو قد يكون أخطر تداعياتها، في المقلب الآخر، استنكاف البيت الأبيض عن دعمها.

وضعية الانكفاء في إعادة تشكيل النظام الإقليمي
لقد فرضت وضعية الانكفاء النسبي والتدريجي على واشنطن إعادة صياغة النظام الإقليمي أو تشكيله بما يمكّن صناع القرار الأميركي من إعادة ترتيب اللاعبين وضبط حركتهم والتأثير بها، وإدارة المخاطر وتقليل الخسائر، والحفاظ على دور مؤثر في ظل التعددية القطبية. وتهدف إعادة تشكيل النظام إلى حفظ المصالح الأميركية والتوازن ضمن لعبة الصراع الاستراتيجي على النفوذ، ناهيك عن محاولة التحكّم بعملية ملء الفراغ القيادي، وذلك بالاستفادة من الفرص والتحولات والمنعطفات في زيادة الربح والمكاسب. وبناء عليه، تسعى الولايات المتحدة، أثناء عملية الانكفاء، عبر إعادة تشكيل اللاعبين والساحات ومحاولة التحكّم بتوزّع القوى، في احتواء الهزائم الأميركية في المنطقة وتخفيف تداعيات الانكفاء ومخاطره، ومنع المحور من توظيف انتصاراته وإنجازاته، وهو ما يتمّ بشكل عام عبر استراتيجية الاحتواء لمحور المقاومة من خلال استنزاف قوى المقاومة بأزماتها الداخلية وإبقاء المحور في حالة دفاعية، واستثمار أوراق إقليمية وخليجية في تقويض نفوذ المحور وتأمين الأمن الإسرائيلي.

خلاصة
إن الانكفاء الأميركي من المنطقة استراتيجية للحدّ من الأعباء المباشرة على الحضور الأميركي في المنطقة يفرضه الواقع الانهزامي النسبي للمحور الأميركي - الإسرائيلي في مواجهة محور المقاومة. وهي استراتيجية التغيّر التي تلحق بالقرارات العليا والإجراءات التنفيذية التي ما كانت لتتخذ لو كانت الظروف الموضوعية المحيطة الحالية بها هي ذاتها منذ عشرين سنة. إن انتصارات محور المقاومة من العراق إلى اليمن هي التي فرضت معادلة الانكفاء الأميركي. لقد فرض المحور نفسه كفاعل إقليمي قوي قادر على رسم المعادلات الجديدة وتغيير القائمة، وشكّلت سلسلة الانتصارات في العراق ولبنان وسوريا واليمن على مدى العشرين سنة الماضية انعطافاً في المسار الأميركي، وقبله في غرف القرار لجهة ضرورة الانكفاء. وقد ساهم تتالي الانتصارات في دول المحور وتلاحم الجبهات في تقويض الحضور الأميركي وتغيّر شكل نفوذه من مباشر إلى غير مباشر عبر الوكلاء والحلفاء والشركاء. وعلى رغم التهديدات الناجمة عن استمرار انتشار القوات العراقية والأفغانية وحزب الله في سوريا، وإنجازات قوات «أنصار الله» الاستراتيجية في اليمن، فإن ردود الفعل الأميركية المخيبة للحلفاء والصادمة فرضتها لحظة التغيّر في الظرف التاريخي الذي يعايشه الأميركي في المنطقة، وهي لحظة الانكفاء مع خسارة الحربين العراقية والسورية، والإشراف على خسارة الحرب اليمنية.
والمفهوم لا يتعارض البتة مع عدم الخروج الأميركي من المنطقة كلّيّاً أو مع إعادة تموضعه في قواعد جديدة في قطر أو الأردن، بمقدار ما يعنيه من تراجع عن سياسات مكلفة وأهداف غير واقعية. من هنا، فإن الانكفاء من دون معنى الخروج الجغرافي في ظل إصرار السياسة الأميركية على استراتيجية احتواء محور المقاومة يفرض إعادة تقييم المصلحة الأميركية ما بين الانسحاب أو إدارة غرف العمليات في مختلف ساحات صراع المنطقة. هذا، وقد يكون من المفيد الإشارة إلى أنّ مصطلح «الاحتواء المموّه» - الذي أطلق سابقاً في توصيف استراتيجية إدارة بايدن في الاحتواء ضمن دراسة التطور المفاهيمي للمصطلح بما يتناسب مع استراتيجية الإدارات المختلفة وسياساتها الخارجية - يتوافق مع عملية الانكفاء الأميركي، بل ويخدم أغراضها عبر التحرّك بطريقة غير مباشرة، وبأوجه متعددة، وبآليات خفيّة وخلفيّة تتكلّف مجموعة الوكلاء والشركاء والحلفاء الأعباء الناجمة، بينما لا يظهر من الأميركي إلا الوجه «الديبلوماسي» والملمس «المخملي».

* باحثة لبنانية