بعد مرور أقل من عام على الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، عاد المصريون إلى مكاتب الاقتراع لانتخاب رئيس جديد للبلاد واختيار ما بين وزير الدفاع السابق المشير عبد الفتاح السيسي والمرشح الناصري حمدين صباحي.وإذا كان ثمة شيء خلت منه هذه الانتخابات فهو قطعاً عنصر المفاجأة. إذ كانت نتيجتها محسومة سلفاً لصالح المشير الذي سطع نجمه منذ خروج عشرات الآلاف من المصريين مطالبة الرئيس مرسي بالتنحي، وبتدخّل الجيش لإنهاء حكم الرئيس الإسلامي.

لكن إذا كانت النتيجة محسومة، فإن نسبة المشاركة لم تكن كذلك على ما يبدو. ولم يخطر ببال القائمين على الانتخابات، ولا ببال المرشّح الفائز، أن يصبح الإقبال على هذا الاستحقاق، هو التحدّي الأكبر والامتحان الصعب لمن قاد مرحلة ما بعد الثلاثين من يونيو.
أمام ضعف المشاركة إذاً، لم تجد اللجنة العليا للانتخابات بُدّاً من إقرار يوم إضافي للتصويت بعد أن كانت العملية الانتخابية محددة بيوْمَين فقط. وهي خطوة أثارت كثيراً من الاستهجان بل وذهب بعض إلى وصفها بالباطلة وغير القانونية، وبأن النظام يستجدي الجماهير حتى يتوجه لصناديق الاقتراع.
فمن هم الذين عزفوا عن التصويت يا تُرى ولماذا؟ 
إن أول من رفض المشاركة في هذه الانتخابات، هم طبعاً أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي. لكن لا يمكن الادّعاء بأي حال من الأحوال، أن المقاطعين هم فقط من الشريحة السالف ذكرها حتى لو حاولت جماعة الإخوان المسلمين أن تنسب لنفسها هذا الإنجاز وأن توحي بأن الشعب وقف فقط مع الشرعية التي يمثلها الرئيس الاسلامي.
إن الناخبين المصريين الذين لم تطأ أقدامهم مكاتب الاقتراع، ليسوا كلهم إخواناً، بل فيهم من هم ضد الإخوان المسلمين (حركة 6 أبريل كمثال)، وعارضوا سياسة الرئيس المعزول محمد مرسي وتقدّموا الصفوف في التظاهرات التي طالبت بتنحيه عن كرسي الرئاسة. لكنهم في الوقت نفسه، يرفضون تدخل الجيش في السياسة، ولا يريدون أن يصل رجل عسكري إلى الحكم كدأب كل من سبقوه قبل الخامس والعشرين من يناير. وكأن تلك الثورة المجيدة لم تقم. 
المقاطعون للانتخابات ومنهم الشباب على وجه الخصوص، أقدموا على هذه الخطوة تعبيراً عن عدم رضاهم عمّا جرى منذ عزل مرسي من تنكيل بالمعارضة وملاحقات أمنية وقضائية. لقد أخافتهم قرارات الاعدام بالجملة التي وزعت على مئات الأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين وقرارات السجن التي صدرت بحق نشطاء حركة السادس من أبريل، التي جرى حظرها ومحاولات تكميم الأفواه كلّما عنّ لها أن تنتقد الوضع القائم. إن غريم المشير في الانتخابات لم يكن حمدين صباحي وإنما كان كل هذه الملايين التي أحجمت عن أداء واجبٍ هو في الوقت نفسه حقٌّ لها. لأن الفائز الأول في حقيقة الأمر هم المقاطعون او لِنَقُلْ، الزاهدون في صناديق الاقتراع لأن النسبة الأكبر عادت لهم (56% ممن يحقّ لهم التصويت).
المفارقة أن السيد عبد الفتاح السيسي قد يكون أيضاً وقع ضحية التطبيل والتزمير وحالة الهستيريا التي استبدّت ببعض وسائل الإعلام في تمجيد المشير بل إن أحد الأساتذة الأزهريين شبّهه بالأنبياء!
فقد كان المشهد مؤسفاً ونحن نرى مستوى الخطاب الإعلامي لدى بعض الذين كانوا يشتكون من قلة الإقبال على التصويت، بل حتى ان أحدهم هدّد بنزع ثيابه على الملأ!
كلّ هذا خلق لدى الناخبين، ردّ فعل معاكس تماماً لما كان يأمله هؤلاء المطبّلون الذين أعادونا بمواقفهم إلى العهد البائد. خصوصاً أن منهم من كان يدافع باستماتة عن نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك قبل وأثناء الثورة ولم يمنعه الحياء بعد ذلك أن يظهر على شاشات التلفزيون وهو يبكي ويولول، بل ويتحدث باسم الثورة وكأنه هو من فجّرها.
وقد زاد في تفاقم حالة الاحتقان واليأس من عملية انتخابية نتائجُها معروفةٌ سلفاً، عدمُ وجود أي برنامج للمرشح عبد الفتاح السيسي يعرضه على الناس، وعدمُ قيامه بأية دعاية انتخابية لإقناع الجمهور بأنه هو رجل المرحلة. خصوصاً أن ما تحقق منذ سنة يكاد لا يذكر، بل على العكس، ازدادت الأمور سوءاً ابتداء من الوضع الأمني والاجتماعي ووصولاً إلى الحريات. 
المصيبة أن هناك من المؤيدين لترشّح المشير من قال إن السيسي ليس بحاجة إلى دعاية ولا لبرنامج وأن الشعب المصري يحتاج رجلاً. ما ذكرني بالعبارة المعتادة التي درج المصريون على النطق بها إذا ما طرق بابَهم شابّ لخطبة ابنتهم وسألهم عن شروطهم، فيقولون «إحنا بنشتري راجل» أي أن الماديات لا تهمّ. 
لكن في حالة مصر هذه، فإن مجرد الإعجاب برجل لا يكفي لأن يشفع له. الشعب بحاجة إلى أن يعرف كيف سيقود الرئيس المقبل واحدة من أخطر المراحل التي تمرّ بها أرض الكنانة عبر تاريخها، وبأي وسائل وكيف؟   
الآن وبعد أن انتهت الهستيريا التي واكبت العملية الانتخابية، وبغض النظر عن الظروف التي سبقت وواكبت وصول رئيس مصر الجديد إلى السلطة، أصبح السؤال المُلِحّ هو التالي: ما الذي يتعيّن على الفائز عملُه؟   
على رئيس مصر الجديد الحاصلِ على أكثر من 93% من الأصوات، والخاسرِ في الوقت نفسه، رهانه على مشاركة 40 مليون ناخب في التصويت، عليه أن يتفكّر في مغزى المشاركة المتواضعة إذا كان فعلاً يريد أن يكون رئيساً لكل المصريين لا أن يستعدي أكثر من نصف الشعب.
عليه أن يعي أنه لا يحظى بالحد الأدنى من الإجماع وبالتالي يجب أن يستفيد من أخطاء العام الماضي فيعتمد سياسة جديدة توحّد ولا تفرّق. وهو النداء الذي وجهه في المناسبة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حين دعا الرئيس الفائز إلى لمّ شمل المصريين.

لا تفويض إلا من الشعب ولا تعويل إلا عليه

يجب أن يراهن على شعبه أولاً وآخراً، لأن الدعم الخارجي، مالياًَ أو سياسياً أو كليهما، على أهميته ومهما كان حجمه، لن يجعل منه قائداً محبوباً لدى شعبه. خصوصاً أن هذا الدعم لمْ ولن يكون أبداً لوجه الله ولا يمكن التعويل عليه على المدى الطويل. وأظن أنّ تجربة مصر مع المعونات الأميركية كفيلة بأن تجعل الرئيس الجديد يعيد حساباته.
ومنذ متى تحظى الحرية والديمقراطية بتأييد قوى لم تعرف على مدى تاريخ قيامها لا ديمقراطية ولا انتخابات؟ 
لا ينبغي أن يحجب بريق المال الخليجي الرؤية عن حكّام مصر الجدد. تلك الرؤية التي لا تتضح إلا في كنف حد أدنى من الإجماع الوطني. وبما أن البعض يرى في الرئيس الجديد خليفة جمال عبد الناصر، أو هكذا يعتقدون، فإن الأخير رغم هفواته، كان زعيماً لدى شعبه والأمة بأسرها.
زعامة عبد الناصر، اكتسبها من حب الجماهير لا من النظام الرسمي العربي. والتاريخ يشهد على توتر العلاقة بينه وبين السعودية مثلاً خصوصاً في عهد الملك الراحل سعود بن عبد العزيز. فهل منعه هذا العداء من أن يصبح زعيماً؟
إنّ قَدَر مصر في أن تقود لا أن تُقاد، والمال على وفرته، لا يصنع أبداً منّا زعماء. الزعامة يصنعها التاريخ الزاخر بالمآثر والانحياز للشعب، كلِّ الشعب، والانتصار للحق وللأمة.
* صحافية جزائرية ــ فرنسا