«إن ترشح الفريق السيسي للرئاسة هو أمر ضروري وحتمي»(المجلس العسكري المصري)

تفشل النظم الديمقراطية في تقديم الصورة الأفضل عن نفسها. فهي تظهر أسوأ ما فيها للعلن، على قنوات التلفزة وعلى صفحات الجرائد والمجلات: فضيحة مونيكا لوينسكي والرئيس الأميركي بيل كلينتون، أزمات الرئيس الفرنسي ساركوزي المالية، أو الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني مثلاً. تبدو الديمقراطية عاريةً تماماً، ضعيفة للغاية، وهشةً أكثر مما ينبغي.

على الجانب الآخر تظهر الأنظمة الأكثر قسوة (لنفترض الدكتاتوريات مثلاً)، قويةً صلبةً صامدةً وفوق كل ذلك تمظهر أبطالها على أنّهم «مخلّصون» آتون من كوكب آخر. فلاديمير بوتين مثلاً، يبدو الرجل أقرب إلى كائن خارق أكثر من رجل عادي، في ليلة وضحاها استطاع الرجل انتشال بلاده من وحل الأزمات الاقتصادية وجعلها قوةً عالمية. هذا ما يراه الجميع. الديمقراطية لا تعرف أن تبيع نفسها، الديكتاتوريات تستطيع!
لنفترض الآتي: السيسي رئيساً لمصر خلال العقد المقبل، ماذا سيحصل؟ الرجل الآتي من رحم الجيش، الذي لا يعرف منطقاً إلا «الطاعة» سيحاول قدر الإمكان تطبيق الأنظمة التي اعتادها. هل سيمثّل أمام الجمهور أنه ديمقراطي؟ بالتأكيد. هل سيطبق الديمقراطية؟ الإجابة نعم ولا. «نعم» سيطبق الديمقراطية التي اعتادها في الجيش، وعبّدها له نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك خلال سنين طوال، و«لا» لأنه لن يطبّق الديمقراطية التي تشرّع وجود أحزاب فاعلة ووسائل إعلام نقدية، وقضاء نزيه. لماذا؟ لأنه – وبحسب الظاهر - قوي للغاية، فمن يمتلك الجيش في مصر، يسود. فالجيش المصري يسيطر فعلياً على كثير من جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية اليومية في مصر (ناهيك عن الجوانب العسكرية/ الأمنية بالطبع). يكفي مثلاً أن نعلم أن كثيراً من المناصب «المدنية» مشغولة بضباط سابقين: نواب، وزراء، محافظون، مدراء شركات كبرى. فضلاً عن إشراك «الجيش» بشكل مباشر في الحياة «الرياضية» المصرية من خلال نواد عدة: طلائع الجيش، حرس الحدود، الإنتاج الحربي وغيرها؛ لما للرياضة – وتحديداً كرة القدم - من سلطة على الطبقات الشعبية «المؤثرة أمنياً» (خصوصاً مع ظاهرة «ألتراس» الأندية). وتشير دراسة لمجلة «بلومبيرغ» الأميركية إلى أنّ الجيش المصري يسيطر تقريباً على ما قيمته قرابة 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد المصري. فهذا الجيش ينتج تقريباً «كل شيء»، بدءاً من المصنوعات الغذائية وصولاً حتى البرادات والغسالات المنزلية.

«الإخوان» يعملون
في الخفاء وأكثر ما
يخيف الأنظمة الخليجية
هو هذا الإضمار
كل هذا سيستغله السيسي بالطبع، ولكنه قد لا يكفي. فالشعب المصري أثبت خلال تجربة حكم الإخوان المسلمين الفاشلة، أنه غير قابل للإخضاع بسهولة، فثنائية سلطة الدين/ الجيش الشهيرة قد لا تنجح ههنا. فالدين جرّب ولم ينجح، والجيش يجرّب هذه المرة، إذاً ما الجديد؟ الجديد هو السعودية والإمارات. فالنظامان الخليجيان القويان (حتى هذه اللحظة) يعرفان بحنكة الحاوي العتيق والخبير كيف تدار اللعبة. الربيع العربي كان يهدد بطرق بوابات الخليج، والأنظمة الخليجية لن تحتمل سقوط أحدها أبداً (لربما هذا ما دفع السعودية إلى التدخل بسفور في البحرين مثلاً). إن لعبة حجارة الدومينو وسقوطها المدوي قد يبدو قريباً. ما الحل خليجياً؟ ندعم السيسي. فالأمراء الخليجيون، وهو أمرٌ لا يتنبه إليه كثيرون ممن يتابعون السياسة العربية، ليسوا بالغباء الذي يحاول الغرب إظهارهم عليه، فهم وخلال عقود من الزمن حافظوا على عروشهم وكراسيهم، ليس بالغلبة والقوة وحدها، بل بالحكمة والدهاء والمرونة في معظم الأحيان. فنظام آل سعود مثلاً في السعودية، لا يحمل العصا أغلب الوقت، بل بالعكس: إنه يمد «صرة الريال» في كل حين. كما أن لأغلب هذه الأنظمة مستشارين «حقيقيين» و«فاعلين» يعرفون كيف تدار الأمور، وكيف هي «ألعاب» الدول والسياسة. ذلك لا يمنع الخطأ بالتأكيد، لكنه – ولغاية اللحظة - يحافظ على تلك العروش مصانةً لتلك «العائلات».
السيسي المنقذ
لا يقدّم السيسي نفسه منقذاً للشعب المصري فحسب، بل للخليج العربي بكامله. فالخليج مكتظٌ بالعمالة المصرية. هل أخاف تنظيم «الإخوان» الخليجيين؟ نعم، بالتأكيد. ولم تكن تصريحات رئيس شرطة دبي السابق ضاحي خلفان (امتدت فترة رئاسته لشرطتها من 1980-2013) وتغريداته إلا دليل واضح على الأمر. «الإخوان» يعملون في الخفاء، وأكثر ما يخيف الأنظمة الخليجية هو هذا الإضمار. يستطيع السيسي تخليصهم من الأمر، هكذا يراهنون؛ بماذا سيكافئونه؟ بالمال: الكثير منه بالتأكيد. هم يعرفون بشكل مباشر أنه إذا لم يدعموه بما يكفي من الأموال سيسقط عند زاوية السنة الأولى أو الثانية، مهما كانت حملاته الإعلامية قويةً ومهما كان «مطبلوه» وسدنته وحتى قبضته العسكرية - الأمنية قوية. فالوضع الاقتصادي المصري سيء للغاية، رؤوس الأموال تلقت ضربتين موجعتين في أقل من خمس سنوات، الأولى تمثّلت برحيل نصف رؤوس تلك الأموال و«تجمدها» خوفاً إلى الخارج كونها كانت تؤيد نظام مبارك وتدعمه، والثانية برحيل النصف الآخر لتأييده نظام الإخوان عند سقوطه. ومهما كانت محاولات السيسي ووعوده حثيثة فإن أصحاب الأموال لن يعودوا لبلاد لا يفهمون في سياستها شيئاً، فقد يعدهم السيسي بكل شيء، ثم يستيقظون في صباح اليوم التالي ليجدوا أنَّ ثورة جديدة قامت وأموالهم صودرت (وهو ما حدث مرتين في السابق). إذاً لا رؤوس أموال محلّية، بخلاف المؤسسات التي يشغّلها الجيش والتي بطبيعة الأحوال ومهما كانت قدرة استيعابها لن تتحمل متطلبات الشعب المصري والسوق المحلّية. إذا لابد من دعم خارجي. الإمارات والسعودية (والكويت) ستمدان الرجل بإكسير حياة يحتاجه (قرابة 15 مليار دولار أميركي بحسب مجلة «بلومبيرغ»)، وستستمران بالأمر حتى بعد السنة الأولى من حكمه، لأنهما تعرفان أن تكرار تجربة حكم الإخوان السريعة وسقوطها الأسرع قابل للتحقق مرة أخرى. ففي لقاء مع مجلة «المال» أشار اللواء طاهر عبدالله مدير مصلحة الهندسة في القوات المسلحة المصرية، إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة قدمت مساعدات لمصر وطلبت من القوات المسلحة إنشاء 50 ألف وحدة سكنية، 78 عيادة طبية، و25 مخزناً ضخماً لأن الجيش المصري «ينفذ ويسلم بالسرعة المطلوبة، وبأقل من أي من الأسعار المنافسة».
في المقابل يعد الرجل بالكثير: سيلقي القبض على قادة الإخوان وعقولهم المفكّرة ويزجهم في السجون (وهو ما طبقه فعلياً)، وسيحاول التفاهم معهم وابعادهم عن أية نشاطات «خطرة» (وهو الأمر الذي لا يبدو متحققاً حتى الآن)، وسيحاول إظهار «الثوريين» و«المناضلين» على أنّهم مثيرو شغب ومحبو فساد وإفساد وبالتالي سيلقي القبض عليهم ويودعهم سجونه، لكسر معادلة «الثورة» و«الربيع العربي» وبالتالي تفريغ الفكرة من مضمونها من أساسه (لاحظ مثلاً اعتقال الناشطة والمحامية ماهينور المصري من الاشتراكيين الثوريين والحكم عليها بسنتي سجن بتهمة التظاهر من دون إذن). من جهة أخرى، سيحاول بشكل فاعل تحييد المصريين في الخارج (خصوصاً في الخليج) عن أي نشاط سياسي من أي نوع، تحت خطر إعادتهم إلى مصر (أو إلى سجونها بشكلٍ أدق، بتهمٍ من نوع: تخريب العلاقات الأخوية بين الدول الشقيقة وما شاكل). وفي الختام سيضبط تماماً حركة حماس المسيطرة على قطاع غزّة وبالتالي سيمنع مرور أي «ناشط» أو «فاعل» ترفضه دول الخليج «أمنياً». اذا يبدو طريق الرجل ممهداً بشكلٍ كبير، واضحاً أكثر مما ينبغي. لكن ما لا يبدو كذلك هو المنطقة بكاملها وهو ما لا ينفك المفكرون يشيرون إليه: هيبة الأنظمة الحاكمة في دول خلف المتوسط باتت هشةً واهنة، المواطن بات سهلاً عليه أن يثور ويرفض وحتى يعتدي على ضابط الشرطة (أو الجيش) من دون أي رادع أو خوف حتى من الموت. فهل يستطيع السيسي تخطي هذه النقطة في أرض تغلي تحت كل خطوة يخطوها؟
* كاتب فلسطيني