ببساطة، هذه حكومة ديفيد هيل. لبنان لم يتغيَّر عبر السنوات. بلد خضع للسيطرة الخارجيّة منذ التأسيس (عند البعض بدء تكوين الكيان في سفر التكوين). في معظم تاريخه المعاصر، كان لبنان واقعاً تحت السيطرة الغربيّة المباشرة. كل ما قيلَ عن العهد الناصري وعند تدخّلات السفارة المصريّة، كان محاولة لستر واقع السيطرة الغربيّة. الدولة كانت بيد السفارة الأميركية، كما كان معظم الإعلام (الدعم المصري لبعض الصحف اقتصر في أكثره على مواعين الورق). صحيح، كانت الحالة الشعبيّة عند معظم المسلمين وعند بعض المسيحيّين واليسار والقوميّين متعاطفة مع جمال عبد الناصر الذي مثَّل مشروعاً مناهضاً لمشروع السلطة اللبنانيّة الراضخة لأوامر الغرب.
ملصق السيتكوم الأميركي الشهير «ذي مانسترز» لجو كونلي وبوب موشر الذي عرض بين 1964 و 1966 على شبكة CBS

جمال عبد الناصر لم يكن يريد أن يدفع بالصراع الداخلي إلى أوجه وكانت حساباته تكمن في احترام واقع السيطرة الغربيّة على لبنان (وكان هذا خطأ منه لأن بيروت كانت عاصمة التآمر الصهيوني على القضايا القوميّة، وخصوصاً ضد منظمة التحرير الفلسطينيّة بعد انطلاقتها). عبد الناصر لم يعترف بحساسية الوضع اللبناني (كما كان بيار الجميّل وغيره يردّدون مشيدين بموقفه من لبنان عبر السنوات) بل سلَّمَ بالسيطرة الغربيّة على مقدّرات الحكم في لبنان، من دون منافسة تذكر. علمَ عبد الناصر أن الغرب الصهيوني كان يعتبر لبنان في صفِّه ولم يكن في وارد أن يسلّم البلد لعدوّ الغرب جمال عبد الناصر. أدرك عبد الناصر منذ حرب 1958 أن ثمن الدفع بالصراع في لبنان مكلفٌ كثيراً لمصر وللمشروع القومي بصورة عامّة، خصوصاً وأن المؤامرات الغربيّة ضد نظام عبد الناصر لم تتوقّف منذ عام 1956. والذي يخفى عن تحليلات اتفاق القاهرة أن عبد الناصر رعى الاتفاق ليس فقط من باب دعم منظمة التحرير (وهو كان يتعامل بريبة مع قيادة ياسر عرفات) بل أيضاً لأنه أراد تجنيب لبنان حرباً أهليّة. عبد الناصر أجّلَ حرب لبنان، التي كانت أميركا وإسرائيل تعدّان لها عبر أدواتها في القوى الانعزالية في لبنان. الحرب الأهليّة نشبت بعد موت عبد الناصر بخمس سنوات فقط، وكان هو ــ لو بقي على قيد الحياة ــ قد تدخَّل على الأرجح لمنع الحرب من الامتداد والتوسّع لكن رحيل عبد الناصر قسّم العالم العربي أكثر وسمحَ لمصر بالانضمام إلى معسكر العدوّ.
في حقبة الاستعمار الغربي للبنان بعد الاستقلال مباشرةً، كان للسفارة البريطانية الغلبة في شؤون لبنان. وهناك اليوم وثائق بريطانية عن علاقة تبعيّة لكميل شمعون للمخابرات البريطانيّة (راجع كتاب مئير زامير، «الحرب الأنجلو - فرنسية السريّة في سوريا ولبنان، ١٩٤٠-١٩٤٨»). والدور البريطاني كان نافذاً في لبنان (المستشار الشرقي للسفارة، مارون عرب، كان الحاكم بأمره). لكن فشل العدوان الثلاثي على مصر ونجاح عبد الناصر في إدارة الأزمة أسقط الدور البريطاني المُسيطِر في المنطقة إلى الأبد، وصعدت على حساب هذا الدور الهيمنة الأميركيّة المباشرة التي تجلّت في حرب 1958 الأهليّة في لبنان. تلك الحرب كانت الإعلان عن مُسيطِر («لستُ عليهم بمُسيطِر») جديد (ينافس الألوهة) في كل منطقة الشرق الأوسط. ومنذ عام 1958 حتى عهد إلياس الهراوي كانت أميركا هي حاكمة لبنان الفعليّة. كانت هي مفصليّة في كل قرارات لبنان وكان رؤساء لبنان ينسّقون معها في الشاردة والواردة. والعلاقة بين الحكم وبين أميركا كان وطيداً وحيويّاً إلى درجة أن كل رئيس جمهوريّة (نعرف عن عهد الحلو وعن عهد فرنجيّة وحتى اليوم عن عهد ميشال عون) كان يعيّن مستشاراً خاصّاً له لتولّي العلاقة المباشرة والسريّة بين الرئيس وبين السفارة الأميركيّة، وخارج الأقنية الدبلوماسيّة. أي أن المداولات بين الرئيس وبين السفير الأميركي تدور في قناة لا يعلم بها وزير الخارجيّة (قد يكون عهد الياس سركيس هو الاستثناء الوحيد لأن فؤاد بطرس ــ الشريك الرئاسي ــ ما كان ليسمح بفتح قناة دبلوماسية لا تمرّ عبره، مع أهم دولة بالنسبة للعهد). سليم جريصاتي يتولّى اليوم التواصل مع السفيرة الأميركيّة في عهد ميشال عون، وهو كان قد قدّم الاعتذار الرسمي المشين لها لأن قاضياً لبنانياً اعترض على خرق السفيرة الأميركيّة للأصول والأعراف والبروتوكولات الدبلوماسيّة.
التشكيلات الحكوميّة كانت في حقبة السيطرة الأميركية تخضع للمشيئة الأميركيّة. ولم يتولَّ وزارة الخارجيّة في لبنان مَن لم يكن مزكياً مباشرة من قبل السفارة الأميركيّة (وكانت السفارة الأميركيّة صريحة آنذاك في انحيازها الطائفي إذ لم تثق بتولّي مسلم لوزارة الخارجيّة: لم يتولَّ الوزارة مسلم قبل رئيس كرامي في 1984 إلا حسين العويني لسنتيْن في عام 1958 وناظم عكّاري لأيّام في 1952 وعلي محمود عرب لثمانية أيّام في عام 1968). والوزارات الحسّاسة كانت أيضاً خاضعة للمشيئة الأميركيّة في زمن كانت أميركا تقرّر فيه مصائر الانتخابات والزعامات: ليس هناك ما يُفصح أكثر عن طبيعة السيطرة الأميركيّة على لبنان أكثر من محاضر الاجتماعات بين سفراء ودبلوماسيّي أميركا وبين زعماء لبنان، ومن كل الطوائف. كان الزعماء المسلمون يتحدّثون مع السفير الأميركي بغير ما كانوا يتحدثون في العلن، ونشر أطروحة الباحث، نيت جورج، في كتاب عمّا قريب سيكشف الكثير من الحجب عن نظرتنا إلى تاريخ لبنان المعاصر والتآمر على المقاومة الفلسطينيّة.
لم تنتهِ السيطرة الأميركيّة كليّاً عن النظام اللبناني في عهد سيطرة النظام السوري. ينسى البعض أن سيطرة النظام السوري وإقصاء عون عن قصر بعبدا تمَّ بتسوية وتغطية من أميركا في صفقة كانت مدمِّرة للعالم العربي، إذ شهدت مشاركة من الجيش السوري والمصري وجيوش خليجيّة في حرب العدوان الأميركي على العراق بحجّة طرده من الكويت. كان النظام السوري في حينه بحاجة لتببيض صفحته مع الإدارات الأميركيّة خصوصاً وأن ذلك تزامن مع المفاوضات السوريّة ــ الإسرائيليّة. وينسى البعض أن تعاوناً أمنيّاً كان سمة من سمات التعاون السوري - السعودي - الأميركي. صحيح أنه كان للنظام السوري اليد الطولى في إدارة البلاد وفي تشكيل الحكومات، لكن حصة النفوذ الأميركي كانت دوماً محفوظة وغالباً من نوّاب منتقين من قبل رفيق الحريري أو وليد جنبلاط أو نبيه برّي. وكان وجود الجيش السوري في لبنان لا يشكّل مصدر إزعاج للإدارات الأميركية المتعاقبة إلا بعد استبدال إدارة كلينتون بإدارة بوش وحدوث ١١ أيلول التي فتحت شهيّة أميركا لجعل كل الأنظمة العربيّة مطيعة وموالية لها بالكامل، تماماً على شاكلة أنظمة التطبيع الخليجي.
الحكومة اللبنانية الجديدة صنعت في أميركا، وبموافقة من كل الفرقاء، بمن فهيم الفريق الذي هو هدف المؤامرة الصهيونية العالميّة


نجيب ميقاتي حالة مألوفة في الحياة السياسيّة اللبنانيّة. رجل لم يدخل الحلبة السياسية إلا بواسطة المال الوفير. لا يمكن أن تتصوّر ميقاتي في السياسة لو لم يكن ثرياً. رجل لا يتمتع بحس جماهيري ويبدو الاحتكاك مع الناس مصدر عذاب شخصي له. وهو احتاج إلى رافعة نظام خارجي لاحتلال موقعه الرسمي. وكم من الناس فرضهم النظام السوري علينا، ومعظمهم اليوم من أصدح الأصوات في ذمّ النظام السوري. نجيب ميقاتي فريد في أنه استفاد من نفوذ مكّنه من تحقيق ثروات في نظامين. تشارك مع «الحلقة المالية» للنظام السوري في قطاع الاتصالات كما أنه استفاد من الدولة اللبنانيّة لتحقيق المزيد من الثروات الطائلة. شخصيّة مثل ميقاتي لا يمكن لها في الأيام العاديّة، وبالوسائل العاديّة، أن تدخل الحقل العام. النظام السوري كان يستحسن الاستفادة منه ومن غيره من أثرياء السنة لمنافسة رفيق الحريري للحفاظ على توازن ما في العلاقة. هناك حالات أخرى مثله: محمد الصفدي مثلاً. هذا الذي كان يسأل مساعديه عن معنى 17 أيار عندما خاض أول انتخابات نيابيّة.
لكن اغتيال الحريري كان مفصليّاً. غاب الراعي السوري واحتلّ الراعي الأميركي مكانه. لكن الراعي الأميركي ــ خلافاً لغازي كنعان وخصوصاً رستم غزالي ــ يتحرّك في الخفاء أكثر مما يتحرّك في العلن، مع أن ديفيد شنكر ودورتي شي قلّدا أسلوب غزالي وكنعان في الأشهر الماضية. فيلتمان كان يتحرّك وراء الستار ويتدخّل بنفس درجة تدخّل غازي كنعان، لكن بلباقة أكثر وخُبث أكبر. لو لم يتوفّر لنا وثائق «ويكليكس» لما عرفنا مدى تدخّل الدبلوماسيّة الأميركيّة في كل شؤوننا. وزراء يعطون أسرار الحكومة للسفير الأميركي (راجعوا مثلاً محضر لقاءات طارق متري ومروان حمادة وشارل رزق). ليس هناك جانب في السياسة العامّة للبنان لم تكن السفارة تتدخّل فيه وكان الوزراء يتطوّعون لمدّ السفير أو مساعده بالمعلومات التي لم تكن بحوزة الشعب. اغتيال الحريري أرجع لبنان إلى ما كان عليه قبل الحرب الأهليّة: بلداً مُستعمراً من الحكومة الأميركيّة. لكن البروباغندا الأميركيّة لم ترد أن تتحوَّل الهيمنة الأميركيّة إلى تقليد أو تكرار ــ في نظر الرأي العام ــ لتجربة النظام السوري. لهذا كانت هناك حاجة لإطلاق بروباغندا تقلّل من الضرر الناتج عن السيطرة الأميركية المباشرة وشبه الكلية، والتي فاقت سيطرة النظام السوري. النظام السوري لم يكن يهتم إلا بالأمن والجيش والسرقات التي يجنيها فاسدوه في المخابرات وفي النظام في دمشق. الحكومة الأميركيّة تخترق الدولة والمجتمع بصورة شاملة. والاختراق للدولة والمجتمع لم يبدأ بعد انسحاب قوات النظام السوري، بل قبله. كانت الحكومة الأميركيّة تسيطر على مصرف لبنان وعلى المصارف قبل خروج الجيش السوري من لبنان. الدعاية السياسيّة احتاجت إلى الترويج لفكرة أن إيران تحتلّ لبنان. وينسى البعض أن جهاز الاحتلال الأميركي في العراق أطلق فكرة أن إيران تحتلّ العراق فيما كانت القوات الأميركيّة تحتلّ العراق نفسه. هذا أسلوب أميركي تقليدي. كانت أميركا تتدخّل في كل انتخابات أوروبا الغربيّة فيما كانت في حينه تثور وتعترض على ما تسمّيه التدخل السوفياتي في شؤون أوروبا الغربيّة. والإعلام اللبناني (بحكم السيطرة السعوديّة والإماراتيّة والإنفاق الأميركي الذي يزداد سخاءً بسبب الحرب ضد المقاومة) مطواع ويردّد ما يرده من مطبخ البروباغندا الإسرائيلي - الأميركي - السعودي - الإماراتي. وقيم هذا الإعلام تتردّد صداها في الإعلام الغربي. وكلّما ازداد التدخّل الأميركي ردّدت أدوات أميركا صيحاتها عن التدخّل الإيراني في لبنان، من دون الإشارة إلى مكامن هذا التدخّل الإيراني الذي يتحدّثون عنه، إلا كان العداء لإسرائيل هو من نتائج التدخّل الإيراني (وهذا إهانة لتاريخ عريق من العداء الشعبي اللبناني ضد إسرائيل قبل انتصار الثورة في إيران في 1979).
والأدوات الطموحة التي كانت منفّذة للإرادة السوريّة انتقلت بسرعة وسهولة إلى الحضن الأميركي (من يتذكّر أن نجيب ميقاتي كان في «لقاء عين التينة» أو أن الشيخ محمد علي الجوزو كان في «خليّة حمد»؟). لا بل أن أميركا أكثر قدرة على التأثير عند أصحاب الأموال لأن ثروات بالملايين تتبخّر بقرار أميركي واحد عن وزارة الخزانة. ولهذا فإن مواقف داعمة للمقاومة لا يمكن أن تستمرّ عند أصحاب الملايين والميليشيات لأن لأميركا وسائل إقناع سريعة (تنقل وثيقة من «ويكيليكس» تعبير ميقاتي عن أسفه لأنه ساهم تمويليّاً في جريدة «الأخبار»، وكان ندمه بعد تلقّيه لتوبيخ أميركي). والدبلوماسيّون الأميركيّون الذين لديهم خبرة في لبنان، مثل ديفيد هيل، يشرفون على الملف اللبناني وينسّقون مع اللوبي الإسرائيلي عبر خبراء «مؤسّسة واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» ــ وديفيد شينكر خرّيج هذه المؤسّسة التي تربّى فيها، وقد أعلنت المؤسّسة قبل أيام منحها شهادة رجل الدولة لمحمد بن زايد. وهيل بات المُشرف العام على الملفّ اللبناني بعد تقاعد جيفري فيلتمان الذي يُعتبر أنه كان ماهراً في توليد ١٤ آذار والإشراف عليها. وتزامن سقوط هذه الحركة الرجعيّة المتصالحة مع العدوّ مع رحيل فيلتمان عن الملف اللبناني.
إن هذه الحكومة الجديدة صنعت في أميركا وبموافقة من كل فرقاء لبنان، بما فيهم الفريق الذي هو هدف المؤامرة الصهيونية العالميّة. فريق ١٤ آذار ليس إلا أداة منذ ولادته بيد السياسة الأميركيّة. وعهد ميشال عون يحاول قدر المستطاع أن يسهّل مهمّة فرنسا أو أميركا من أجل أن يستمرّ العهد إلى آخر ولايته وبآخر ضرر ممكن، مع أن فرنسا وأميركا أضلاع في مخطط المؤامرة ضد المقاومة (ومن بقي من حلفائها بعد هطول المال الإماراتي على لبنان لكتب أصوات الاعتراض على التطبيع). أما الثنائي الشيعي فهو أيضاً لم يرفض التدخل الفرنسي، لا بل أن الحزب حاول تسهيل مهمة ماكرون ولم يرفضها في المبدأ. باسيل كان أكثر عناداً في تشكيل الحكومة لأسباب تتعلّق بطموحاته الشخصيّة التي تبدو واهمة يوماً بعد يوم. الحزب سلَّم أمره إلى حليفه الشيعي الأقرب، مع أن نبيه برّي بات أسير سيف التهديد الأميركي الذي طال أقرب المقرّبين له. والثنائي يتحمّل مسؤوليّة تكليف رياض سلامة، وللمرّة الأولى، بتولّي وزارة الماليّة على أن تكون، طائفيّاً، بيد الشيعة. هذه هي مضار الطائفيّة: أنها يمكن أن تجعل خصماً أو عدواً لك أقرب إليك من حليف لك إذا كان الخصم من طائفتك. الطائفيّة ليست إلا حلفاً وهمياً لأنها تستر الخلافات والاختلافات ولا تُظهر إلى رابط الطائفة دون غيره. الطائفيّة هي الحجاب الذي من خلاله تنظر إلى الواقع اللبناني. وحزب الله ينجرّ في مسار يُسهِل المؤامرة الخارجية التي تستهدفه.
أعلن إبراهيم الموسوي أن الحكومة هذه هي انتصار، ونصر الله هنأ اللبنانيّين على هذه الحكومة. هذه حكومة أميركية المصدر والإخراج والتلحين والإنتاج. وقد شوهد في الأيّام التي سبقت التأليف ديفيد هيل في شوارع محلّة جورجتاون الجميلة في العاصمة الأميركيّة برفقة عبد الله بو حبيب وبرفقة ميشال معوّض (كل على حدة). وليس صدفة أن رجلاً في مجلس إدارة مؤسّسة معوّض أصبح وزيراً للاقتصاد وصفحته على تويتر تزخر بالتهليل لترامب وأولاده. والرجل، من خلال صفحته التي أغلقها بمجرّد ما تلقّى خبر تعيينه وزيراً، يمثّل الجناح اليميني في الحزب الجمهوري. أمين سلام يزهو بصورة له (كمعجب) مع الفاشي الإسلاموفوبي الليكودي، رودي جولياني، الذي بات أضحوكة يخجل منها اليمين قبل اليسار في أميركا. والرجل أقرب إلى الترمبيّة منه إلى أي شيء آخر. والحكومة تعكس ما تريد فرنسا وأميركا لنا في حكوماتنا: مصرفي أو ملياردير (مثل رئيس الحكومة المغربي المُعيّن) كرئيس للحكومة مطواع بيد أميركا، مع فريق من التكنوقراط يعيشون في دول الغرب ويريدون العودة إليه بعد إنهاء مهماتهم المرسومة من الخارج. والتكنوقراط هم مثل أشرف غاني، ولهذا كان جنرال أميركي يشيد بـ«المجتمع المدني» في أفغانستان. هذا نموذج أميركا: رجل مثل غاني ترك بلاده لعقود طويلة وعمل في البنك الدولي بعد حصوله على شهادة عالية في جامعة كولومبيا (وكان من طلاب حنا بطاطو المفضّلين في الجامعة الأميركيّة في بيروت عندما كان ماركسيّاً). أشرف غاني نُصِّب بتزوير مفضوح رئيساً لأفغانستان مرتيْن، لأن الأداة قبله، حميد كرزاي، صعّد من شكواه من قتل المدنيين بالقنابل الأميركيّة ومن اقتحامات المنازل في الليل من قبل قوّات خاصّة أميركيّة. وغاني كان أوّل الهاربين بعد سقوط كابول، وتسنّى له سرقة الملايين قبل أن يستقرّ به المقام في دبي ــ الملاذ المفضل للطغاة والسارقين والمطرودين من بلادهم بعد تغيير أنظمة الحكم. والتكنوقراط هؤلاء يحملون جنسيّات أجنبيّة تعرّضهم للمساءلة في حال انتهاجهم لسياسات حكوميّة محليّة تتعارض مع سياسات البلد الأجنبي الذي يحملون جواز سفره.
يظنّ الحزب المُستهدف من قبل المؤامرة الصهيونيّة العالميّة (ربما بسبب تقليله من حجم الأزمة الاقتصاديّة منذ الانهيار الكبير) أن مراعاته للدور الفرنسي في المبادرة المعروفة أو للتدخّل الأميركي المباشر في تشكيل هذه الحكومة يمكن أن يعيد لبنان إلى ما كان عليه من اقتصاد ظالم وفاسد. يظن الحزب أن ذلك من شأنه أن يعيد الأمور إلى ما كانت عليه وأن ذلك كان مؤاتياً لعمل المقاومة. الحزب يخشى من الفوضى، مع أن «النظام» الفاسد والظالم أشدّ ضرراً على المقاومة من الفوضى. لكن أميركا والمعسكر السعودي ــ الإسرائيلي ــ الإماراتي يضعون أزلامهم في هذه الحكومة المشبوهة، والتهاون مع فساد النظام (الذي يضم الحلفاء) هو منفذ عمليّات التخريب ضد المقاومة نفسها. اقتصاد ما قبل الأزمة لن يعود، لكن أميركا تريد أن تسطو على ما تبقّى من لبنان لوضع البلد تحت اليد الأميركية مباشرة. وأميركا منذ اندلاع الأزمة تزيد من حجم سيطرتها على الدولة والمجتمع (حتى الأجهزة في الدولة ووسائل الإعلام التي لم تكن موالية لها باتت صادحة بدعايتها السياسيّة. نجيب ميقاتي هو المدير الفعلي التنفيذي للمؤامرة الأميركيّة في لبنان وهو يأمل أن دوره يمكن أن يحظى برعاية أميركيّة، كما أن نبيه بري هو المدير التنفيذي الفعلي للنظام والراضخ للتهديدات الأميركيّة. لكن النائب إبراهيم الموسوي يهلّل للانتصار ــ انتصار نجيب ميقاتي في تشكيل حكومة ديفيد هيل. كيف نهلِّل؟ لن أهلِّل.
* كاتب عربي ــ حسابه على تويتر
asadabukhalil@