ينعقد في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، مؤتمر أممي في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك باسم «دوربان 4» ضد العنصرية والتمييز العرقي، وأعلنت الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني وبريطانيا وفرنسا وأستراليا وعدد من الدول الغربية مقاطعة هذا المؤتمر اعتراضاً على «النبرة العالية» التي تتضمنها كلمات العديد من الوفود المشاركة باعتبار الصهيونية حركة عنصرية وبالتضامن مع الشعب الفلسطيني واعتبارها كلها كلمات «معادية للسامية».والخوف الأميركي والصهيوني و«الأصدقاء» من مؤتمر دوربان بدأ منذ المؤتمر الأول الذي انعقد في المدينة الجنوب إفريقية في 31/08/2001، وانسحبت منه الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني بسبب إدانة العديد من الوفود للصهيونية وإقرار مؤتمر المنظمات غير الحكومية الموازي للمؤتمر الرسمي أن «الصهيونية حركة عنصرية» في إحياءٍ لقرار سابق اتخذته هيئة الأمم المتحدة عام 1975، هو القرار 3379 الذي يعتبر «الصهيونية حركة عنصرية» والذي عادت الأمم المتحدة وألغته عام 1991 استجابة لشرط إسرائيلي للمشاركة في مؤتمر مدريد من العام نفسه.
الموقف ذاته تكرر في مؤتمر «دوربان 2» الذي انعقد في جنيف عام 2009، وشهد انسحاب الوفود الصديقة للكيان الصهيوني خلال إلقاء الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد كلمته التي هاجم فيها الصهيونية بعنف، كما تكرّر الانسحاب نفسه من «دوربان 3» الذي انعقد في مدينة نيويورك عام 2011.
كان واضحاً أن مؤتمر دوربان هو إحدى الساحات الدولية التي يخوض فيها أصدقاء فلسطين معركتهم ضد الصهيونية والعنصرية، وهي المعركة التي تزداد ضراوة في كل عام مع تصاعد التوحش العنصري الإرهابي الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، ولاسيّما خلال المواجهات الأخيرة في القدس وأحيائها، وفي معركة سيف القدس، وانتفاضة الداخل الفلسطيني، حيث شهدت مدن العالم عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً والعواصم الصديقة للكيان الغاصب، تظاهرات مليونية مندّدة بالإجرام الصهيوني، هو تنديد وصل إلى الجامعات الأميركية، حيث أقرّ مجلس النواب في ولاية كاليفورنيا تشريعاً يقضي بتدريس القضية الفلسطينية من وجهة نظر الفلسطينيّين في جامعات الولاية، واعتبار الكيان الصهيوني دولة فصل عنصري ونظام أبارتيد.
ولعل من المؤشرات الهامة لمدى حصول تحوّل في الرأي العام العالمي لصالح الحقّ الفلسطيني، هو إعلان مجلة «تايمز» الأميركية أن التوأم منى ومحمد كرد، من سكان حي الشيخ الجراح في القدس كانا من ضمن قائمة المئة شخصية الأكثر تأثيراً في العالم.
وفي ضوء هذه التطورات والتحوّلات يمكن لنا أن نفهم سبب الهلع الأميركي والصهيوني والغربي من مؤتمر «دوربان 4»، ومحاولة تعطيله كي لا تتوّج كلمات الوفود ومقررات المجتمعين، هذه الحملة العالمية المناهضة للعنصرية الصهيونية والتي تشكّل ضرباً لواحدة من أبرز ركائز الكيان الصهيوني ذاته.
وفي إطار المعركة المستمرة على الصعيد الدولي والمتكاملة مع المقاومة المتصاعدة في فلسطين، وآخرها عملية «انتزاع الحرية»، التي هزّت منظومة الأمن الصهيوني وأطلقت ما يمكن تسميته بانتفاضة الأسرى، وجّه المؤتمر العربي العام الذي يضم مؤتمرات واتحادات وأحزاب ومؤسسات وهيئات شعبية، الدعوة إلى ملتقى عربي دولي بعنوان «متحدون ضد العنصرية والصهيونية» عبر تطبيق زوم يوم الثلاثاء في 21 ايلول/ سبتمبر الجاري، لإتاحة المجال لأوسع مشاركة من شخصيات عربية ودولية، سياسية وحقوقية، علمية ومتخصصة، للإدلاء برأيها دعماً للموقف الفلسطيني في «دوربان 4» ولمواجهة المقاطعة الأميركية – الصهيونية – الغربية لهذا المؤتمر.
وستكون في افتتاح الملتقى كلمات لشخصيات عربية ودولية مناهضة للعنصرية كما للصهيونية، وجلستان لمناقشة عنوانين هامين لهذه المواجهة، أحدهما نظري متعلق «بتلازم المشروع والمسار بين الصهيونية والعنصرية»، وثانيهما عملي حول «دور المؤسسات والجمعيات الأهلية في مكافحة التمييز العنصري وسبل مواجهة العنصرية الصهيونية»، وذلك كلّه في إطار الملتقى العربي الدولي «متحدون في مواجهة الصهيونية والعنصرية ».
إن مواكبة ملتقانا الذي ينعقد عشية مؤتمر «دوربان 4»،على الصعد العربية والأجنبية عبر وسائل التواصل الافتراضي، هي تأكيد للبُعد العالمي والإنساني للمعركة التي يخوضها شعبنا العربي الفلسطيني على كل صعيد، وهي واجب كل مهتّم وحريص، بل هي تعبير عن اعتزاز أمتنا وأحرار العالم بنضال شعب جنوب أفريقيا وزعيمه نيلسون مانديلا الذي أعطى نموذجاً للإجهاز على كل أنظمة الأبارتايد العنصرية في العالم .

*كاتب وسياسي لبناني