ليس غريباً أن تجد هذا التعاطف الشعبي الكبير مع لبنان العزيز على كل عربي، ولا سيّما في مصر التي لا تنسى للبنان وقفاته الدائمة إلى جانبها، كما إلى جانب كل قضية عربية عادلة.فالمصريون يذكرون باعتزاز كيف أن الشارع اللبناني كان أول شارع عربي يهتف لجمال عبد الناصر ويخوض معه معركة ضد حلف بغداد ومشروع أيزنهاور في أواسط خمسينيات القرن الفائت، بل إن الزعيم اللبناني الراحل حميد فرنجية كان يترأس مؤتمر التضامن الأفرو آسيوي حين دعا إلى إضراب عام في أنحاء الوطن العربي تضامناً مع مصر وعبد الناصر في معركة تأميم قناة السويس في مثل هذه الأيام بعد عام 1956، وكيف استجابت الأمة العربية من الخليج إلى المحيط مع ذلك الإضراب الذي قالت عنه صحيفة «لوموند الفرنسية»: «إذا أردت أن تعرف حدود القومية العربية فانظر إلى الدول التي لبّت نداء الزعيم اللبناني الماروني حميد فرنجية للإضراب تضامناً مع مصر».
ولا ينسى المصريون لرئيس وزراء لبنان الراحل الدكتور عبد الله اليافي الذي قدّم استقالته عام 1956 احتجاجاً على رفض رئيس الجمهورية آنذاك الراحل كميل شمعون قطع العلاقات مع دول العدوان الثلاثي (ولا سيّما بريطانيا وفرنسا)، تلك الاستقالة التي أدّت مع غيرها من الأسباب إلى موجة غضب شعبية ضد حكم شمعون، وصلت إلى حدّ ما عُرف بثورة 1958.
وأبناء مصر لا ينسون، ومعهم أبناء سوريا، كيف كانت تزحف الجماهير اللبنانية إلى دمشق إبان الوحدة المصرية – السورية لتستقبل مع السوريين جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة في زياراته للإقليم الشمالي في الجمهورية.
والمصريون لا ينسون كيف خرج اللبنانيون بمئات الآلاف في شوارع عاصمتهم ومدنهم الرئيسية يوم أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تنحيه عن رئاسة مصر إثر هزيمة حزيران 1967، ليعلنوا مع أبناء مصر والأمة كلها رفضهم الاستقالة والهزيمة معاً...
والمصريون ومعهم كلّ العرب لا ينسون للبنان وقفته الدائمة إلى جانب قضية فلسطين منذ النكبة حتى اليوم، محتضناً المقاومة الفلسطينية منذ الرصاصات الأولى أوائل عام 1965، إلى ملحمة بيروت وحصارها عام 1982، إلى مقاومته التي تشكّل اليوم مع المقاومة الفلسطينية وقوى الصمود في الأمة والإقليم عناصر العزّة والكرامة في الأمة كلها.
والمصريون ومعهم الجزائريون وأبناء المغرب العربي لا ينسون دور لبنان في الانتصار لثورة الجزائر وكفاح بلدان المغرب العربي، وكيف احتضنت بيروت قادة ذلك الكفاح الذين كانوا يرون في لبنان متنفساً لنضالهم ومنبراً لثوراتهم التحريرية.
كما لا تنسى مصر، وهي في قلب قضايا الأمة، وقفة اللبنانيين مع أبناء اليمن وعموم الجزيرة والخليج في كل تحركاتهم، ناهيك عن السودان الذي خرج اللبنانيون، رغم الحرب القاسية التي كانوا يعيشونها، يتبرعون لإغاثة أشقائهم في السودان يوم الفيضانات الشهيرة.
ولا ينسى المصريون كذلك وقفة اللبنانيين الرائعة إلى جانب شعب العراق في زمن الحصار والحرب والاحتلال، وكيف توجّهت من بلادهم قوافل كسر الحصار براً وجواً إلى العراق، وكانت شوارعهم تمتلئ بتظاهرات التأييد للعراق، الذي نجحت مقاومته بعد عام 2003 أن تكون المسمار الأول في نعش «العصر الأميركي» الذي ظنّ كثيرون أنه «نهاية التاريخ».
وفي حصار غزة، كما في حصار العراق بالأمس، كان الإخوة العروبيون في لبنان هم السبّاقين إلى ركوب البحر والبر وصولاً إلى القطاع المحاصر الصامد الذي يثبت ببطولاته أنه مفاجأة الإنسانية لنفسها.
لذلك حين نجد في المؤتمر القومي العربي ورفاقه في المؤتمرات والمؤسسات الشقيقة أنه لا بد من الانتصار للبنان في مواجهة محنة الحصار والاحتكار والفساد التي يقاومها كما قاوم الاحتلال الصهيوني والعدوان، حماسة بالدعوة الى ملتقى عربي «متحدون من أجل لبنان» لا يفعلون ذلك رداً لجميل، بل اعتزازاً بقطر عربي مثّل منارة إشعاع حضاري وإنساني مضيئة، كما مثّل قلعة صلبة لمقاومة لا تشيخ ولا تُهزم.

* الأمين العام للمؤتمر القومي العربي