كانت فكرة الاهتمام بالشباب وتوفير سبل التواصل والتفاعل بينهم هي الهمّ الأول لتجربتنا الطويلة في العمل العام.فبعد أن خضنا تجارب نضال مشهودة في الجامعات والمدارس اللبنانية، عبر روابط الطلاب ومنظمات طالبية كان لها دورها وأهميتها كمنظمة كفاح الطلبة عام 1967، ومنظمة 28 كانون الأول عام 1968، والجبهة الوطنية الطالبية في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، لم تحل ظروف الحرب اللعينة من مواصلتنا الاهتمام بالعمل الشبابي، سواء في مخيمات العمل التطوعي في الريف اللبناني والمخيمات الفلسطينية والقرى الحدودية، جنوباً وشمالاً، إلى مخيمات "ماري روز بولس للأطفال" في كيفون/عاليه، إلى إطلاق جمعية كشاف العروبة التي بات اسمها اليوم جمعية شبيبة الهدى، ذات الدور المضيء في حياة العاصمة وعدّة مناطق لبنانية، وقدّمت عدداً من أعضائها شهداء وفي مقدمهم رئيس الجمعية المحامي الشاب محسن طراد، وقائد جهاز الدفاع المدني الذي استشهد في حصار بيروت الشهيد فؤاد أبو حطب مع رفيقه محمود دالاتي، إلى شهيد الجيش الأبيض في مواجهة وباء الكورونا عبد اللطيف شماس، إلى أحد مؤسسي الجمعية الراحل قبل أيام زياد برجاوي.
وبعد توقف الحرب، وفي إطار تعريف شباب لبنان، بعضهم إلى بعض، على طريق الوحدة والتكامل وعبر الحوار والتفاعل، انطلق برنامج شباب لبنان الواحد المتعدد الوسائل، وأهمها مخيماته التي استمرت من عام 1991 إلى عام 2006، ورحلة الاستقلال إلى قلعة راشيا التي وصل عدد المشاركين فيها من شباب لبنان من كل الهيئات والمناطق إلى عشرين ألف شاب وشابة في إحدى السنوات، إلى اللقاءات الحوارية "حوار الأجيال" إلى الأمسيات الشعرية والمعارض الفنية إلى توقيع عريضة تخفيض سنّ الاقتراع إلى 18 سنة، والتي وقّع عليها يومها أكثر من نصف أعضاء مجلس النواب في تسعينيات القرن الماضي.
ومع دخول لبنان أجواء الانقسام الحاد، العمودي والأفقي، جرى تجميد فعّاليات البرنامج على أن تتم الاستعاضة عنها بفعاليات من نوع آخر.
أما على الصعيد العربي، فلم يكن الاهتمام بالشباب أقل منه لبنانياً، فلقد تزامن تأسيس المؤتمر القومي العربي في ربيع عام 1990، مع انطلاق تجربة مخيمات الشباب القومي العربي في صيف العام ذاته، في مركز عمر المختار في البقاع اللبناني، لينعقد بعد ذلك في اليمن والأردن وتونس ومصر والجزائر والمغرب وسوريا والعراق والسودان وليبيا، وطبعاً في لبنان (البقاع، الشمال، كسروان وصيدا) عدّة مرات، حيث كان يلتقي المئات من مختلف أقطار الأمّة العربية في مخيمات للتعارف والحوار والتعرف إلى المعالم الحضارية والتاريخية والعمرانية في أقطار أمّتهم، وتأسست على هامش المخيمات حلقات من العلاقات والصداقات اخترقت حدود سايكس – بيكو بكل عفوية وتلقائية.
وإلى جانب مخيمات الشباب القومي العربي التي بلغت دوراتها الثلاثين، ولم تتوقف إلا خلال العامين الأخيرين بسبب جائحة الكورونا، أقيمت منذ عشر سنوات ندوات التواصل الفكري الشبابي العربي بمبادرة مشتركة من المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن والمنتدى القومي العربي في لبنان حيث يتولى المشاركون والمشاركات إعداد أوراق العمل ومناقشتها دون أي تدخل من الأجيال الأخرى، ولقد شارك في الندوات العشر ما لا يقل عن 2000 شاب وشابة من مختلف الأقطار العربية.
وتميّزت كل هذه المبادرات باستقلالية توجهاتها ومواردها الشحيحة جداً والقائمة على تبرعات شخصيات مؤمنة بالأجيال الجديدة، كما أنها كانت عابرة لكل الحواجز والعصبيات، سواء داخل القطر الواحد أو على مستوى الأمّة.
الاهتمام بالشباب من قبل التيار الوحدوي اللبناني والتيار القومي العربي، هو تأكيد على مقولة أطلقها جمال عبد الناصر: "الشباب هم نصف الحاضر وكل المستقبل"، فهم اليوم عماد كل مقاومة باسلة للتحرير، وكل حراك ثوري للتغيير، وكل مشروع لا يكون الشباب شرايين الدماء في عروقه مكتوب عليه الترهل والتخثر والضياع.

*كاتب وسياسي لبناني