لا بد، في البداية من توجيه كلمة شكر وعرفان وتقدير لـ «قناة اللؤلؤة» الفضائية على جهودها الطيبة في تسليط الضوء على المطالب المشروعة لشعب البحرين، وايصال صوت المحرومين للعالم. الإعلام المقاوم ظاهرة جديدة ظهرت في لغة الإعلام المعاصر مطلع الثمانيات مع انطلاقة الثورة الإسلامية الإيرانية، وتحديداً مع ظهور الإذاعة العربية في إيران وكان لها جمهور كبير في الخليج العربي، وظهرت أيضاً مع إذاعة المستضعفين في لبنان التي أنشئت في ظل حصار الضاحية، وظهرت بعدها قناة المنار في بداية التسعينات التي دشنت لظهور الإعلام المقاوم بقوة، وجاءت بعدها العديد من القنوات في اليمن وسوريا والعراق.
وبالتالي فالإعلام المقاوم كمصطلح معاصر يشير إلى خطاب الممانعة المخالف لكل الأنظمة المستبدة أو المرتبطة بالقوى الكبرى، وهو إعلام يمثل صوت المحرومين والمستضعفين والمظلومين. وتكمن أهميته في أنه يمثل معادلة صعبة في الزمن الصعب.. لكونه يواجه آلة ضخمة من الإعلام العربي والأجنبي الذي يملك قدرات مالية وفنية وتقنية ومساحة كبيرة في خارطة الإعلام العالمي، وهو بالطبع لا يقارن بحجم الإعلام المقاوم وإمكانياته المتواضعة. وثانياً الإعلام المقاوم هو نافذة لكل الأصوات المحرومة التي تعاني من أنظمة دكتاتورية ومستبدة، وأصبحت أداة لكشف انتهاكات حقوق الإنسان ووسيلة لتوعية الشعوب بحقوقها وحرياتها الأساسية.

صوت الشعب
لا يمكننا إنكار دور الوسائل الإعلامية البسيطة التي سبقت ظهور الإعلام المقاوم بكل تنوع وسائله في منطقة الخليج العربي (وتحديداً في البحرين)، وهي وسيلة المنبر الحسيني ومواكب العزاء وتوزيع المنشورات السياسية وحتى الكتابة على الحائط وغيرها، فهي برأيي وسائل قديمة ومتجددة بلغة العصر ساهمت في إيصال صوت الشعوب المظلومة.
وفي البحرين كانت لنا ذكريات قديمة مع الاعلام المسموع كصوت إذاعة الجمهورية الإسلامية وإذاعة لندن ومونتي كارلو بشكل ما.. وصولاً لقناة المنار الفضائية التي كانت بداية للإعلام المرئي المقاوم، وجاءت أيضاً قناة العالم الإيرانية وقناة الميادين اللبنانية وغيرها لتشكل خارطة للإعلام المقاوم المتكلم بلغة المعاصر.
وقد تشرفت بالتعاون سابقا مع قناة «المنار» وقنوات أخرى، وتم اعتقالي وتعذيبي بسبب نشاطي الإعلامي، ولكننا لم نتوقف عن عملنا حتى في أصعب الظروف.. وتعاطفنا مع هموم شعب البحرين وآلامه وشهداؤه ومعتقلي السجون، كما نتعاطف مع شعب اليمن وفلسطين وكافة الشعوب الحرة.
ومع انطلاقة انتفاضة الشعب البحراني الداعي لدولة القانون والحريات، ظهرت العديد من القنوات والمحطات الإعلامية التي تصنف ضمن الإعلام المقاوم أو الممانع، ومن أهمها قناة اللؤلؤة الفضائية كأول قناة بحرينية، خرجت من رحم ثورة البحرين ومعاناة الشعب المقهور في الداخل وصوت لكل المحرومين في المهجر. وللأمانة كانت لحظة فرح وسعادة لنا أن تظهر قناة يعمل بها أناس حملوا مشعل الثورة والتغيير والإصلاح، وبالرغم أن القناة تحمل واجهة سياسية ومرت بتجارب عديدة ألا أنها أثبتت ذاتها وكيانها الممثل لجميع فئات الشعب البحراني وأصبحت صوت لجميع الناس تحمل همومهم وآلامهم وتبث شكاواهم وصوتهم للعالم.
وبالتالي أصبحت «قناة اللؤلؤة» (إلى جانب أخواتها وأشقائها) صوت لجميع المحرومين وأداة فعالة في كشف انتهاكات حقوق الإنسان وعامل توعية وثقافة لجميع الناس.. ويمكن لقنوات الإعلام المقاوم أن تساعد الإعلاميين والنشطاء المستقلين عبر بث تقاريرهم وايصال أصواتهم للرأي العام وأن تكون بمثابة أداة ربط مع المنظمات المهتمة بحرية الراي والتعبير، كما هو مطلوب من الإعلاميين تعزيز خبراتهم في الأمن الإلكتروني وخلق فرص آمنة للتعبير عبر برامج التدريب ووسائل البحث والمعرفة المتاحة.

محاربة الإعلام المعارض
يواجه الصحافيين والداعين لحرية التعبير استهداف مباشر من قبل النظام البحريني.. وخصوصاً المراسلين والصحفيين المستقلين، ولا زال هناك العديد من الإعلاميين المعتقلين في سجون النظام البحريني، كما تعرض بعضهم إلى التعذيب ومحاكمات صورية بهدف إسكاتهم وكشفهم للحقائق. وأيضاُ لا يمكن ان ننسى قيام النظام في البحرين بإيقاف صحيفة الوسط المستقلة وغلق مئات المواقع الإلكترونية.. وهناك العشرات من النشطاء الإعلاميين المصورين والمدونين وراء القضبان من أجل صورة أو كلمة، كما تم فصل العشرات من أعمالهم في الصحف المحلية ولا توجد جهة مهنية أو نقابة للصحفيين تتبنى الدفاع عنهم‏.
وفي تقارير سابقة لمنظمة مراسلون بلا حدود ولجنة حماية الصحافيين، بما يتعلق بحرية الصحافة والمعلومات في البحرين.. وصفت مملكة البحرين بأنها مملكة التظليل، وأشارت الى حاجة البحرين لقانون صحافة عصري وديمقراطي ‏وان تساند السلطة التشريعية الحريات الإعلامية ولا تقيدها‏، وكذلك بين ان تردد القوى الغربية واكتفاءها بالترحيب بالوعود الواهية والاصلاحات السطحية التي يطلقها حكام البحرين غير كافية. ‏
وكإعلاميين لا زلنا نطالب بضرورة سن قانون عصري للصحافة والمطبوعات والنشر يحمي الصحفيين من السجن والمضايقات ويتماشى مع القوانين العالمية والتزامات البحرين الدولية بحقوق الانسان، وإنصاف ضحايا التعذيب وإطلاق سراح سجناء الرأي بما فيهم الإعلاميين والمصورين والمدونين والنشطاء الالكترونيين، والسماح لهم بممارسة عملهم وفق المعايير الصحافية الدولية، ووقف كافة أشكال التهديد والمضايقات ضد النشطاء والإعلاميين. والعمل على محاسبة المعذبين والمجرمين والمفسدين في ظل حكم القانون وأجواء الحريات.
والجدير بالذكر أن مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان يقوم بها غالبا نشطاء منتمين لمنظمات مستقلة، وعملنا الإعلامي يساعد على تعريف الرأي العام بالانتهاكات ومساعدة الضحايا وسجناء الرأي، وأيضا محاولة بث ثقافة العمل الحقوقي والاعلامي وفق المواثيق الدولية كالمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. لذلك من الطبيعي أن يتواصل الصحافيون البحرينيون مع الخارج عبر منظمات إعلامية وحقوقية، وأحيانا بشكل مستقل علني.. ولكن بيئة العمل في البحرين حاليا غير آمنة في ظل التشدد الأمني ضد الإعلاميين وغياب قانون صحافة متوافق عليه، وأيضا غياب وسائل الإعلام المستقلة.
وبالتالي فعملنا الإعلامي يساعد على تعريف الرأي العام بالانتهاكات ومساعدة الضحايا وسجناء الرأي، وأيضا محاولة بث ثقافة العمل الحقوقي والاعلامي وفق المواثيق الدولية كالمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. لذلك من الطبيعي أن يتواصل الصحافيون البحرينيون مع الخارج عبر منظمات إعلامية وحقوقية، وأحيانا بشكل مستقل علني.. ولكن بيئة العمل في البحرين حاليا غير آمنة في ظل التشدد الأمني ضد الإعلاميين وغياب قانون صحافة متوافق عليه، وأيضا غياب وسائل الإعلام المستقلة.

تحديات إقليمية ودولية
ما يحدث في دول الخليج هو حراك سياسي وحقوقي ونضال سلمي من أجل تعزيز الحقوق والحريات الأساسية.. والتغيير قادم وأن كان بشكل بطيء.. من جانب آخر قد تكون للبحرين خصوصية جغرافية وسياسية وأمنية تشكل مانع أمام التغيرات السياسية في منطقة الخليج، باعتبار أن البحرين بوابة للمنطقة ولهذه الأسباب نرى ممانعة أمريكا والسعودية من أي تغيير سياسي، ومواجهة حركة الاحتجاج الشعبي بالقوة الأمنية.
لذلك من الطبيعي أن الاعلام المقاوم يعاني من تحديات وعقبات، وكما ذكرت لا توجد مقارنة بين الاعلام المقاوم الممانع وبين الاعلام العربي والأجنبي من حيث القدرات المادية والخبرات والتمويل. ومن المعلوم أن الإعلام الخليجي يسيطر على أكثر وسائل الإعلام العربي بنسبة كبيرة، وهو يستخدم وسائل غير مشروعة أو غير قانونية بما يخدم مصالحه ورسالته المناهضة لتوجهات الشعوب ومطالبها بالحرية والديمقراطية. فالإعلام الرسمي للآسف ساهم في محاربة الأصوات الداعية لتأسيس دولة القانون، وقام بقمع حركة الحريات واعتقال نشطاء حقوق الإنسان، إلى جانب السيطرة على جميع وسائل الإعلام ومنع الأصوات الناقدة له ومحاولة تجميل الواقع السياسي والاقتصادي.. أيّ أنه يقوم بعملية غسل للدماغ بشكل يجعل المستمع أو المشاهد معرض لبرمجة من دون وعي بخطورة الأمر.. لهذا أصبحنا في أوطاننا لا نشاهد التلفاز الرسمي أو نستمع للإذاعة المحلية ألا نادراً.
لا ننكر أن الداعم الأكبر للإعلام المقاوم هي دول الممانعة وجبهات المقاومة كإيران والعراق ولبنان لأسباب عدة، وهي تواجه تحديات إقليمية ودولية لا يستهان بها.. لكن إذا سلطنا نظرة ناقدة وصريحة إلى قنوات الإعلام المقاوم، فسنجد إنّها تحتاج إلى تجاوز البيروقراطية التركيز على خطاب إعلامي مفتوح يتجاوز الإطار المذهبي والحزبي ويعمل على إطلاق الابداع المهني والتفكير المستقل... وأيضاً الاعتماد على الكفاءات العلمية والإعلامية المستقلة من خارج السياق الإسلامي وهو ما لجئت إليه بعض وسائل الاعلام الناجحة.
في النهاية يبقى الاعلام المقاوم بحاجة لنوع من الاستقلالية وتخفيف المعايير الصارمة داخل القناة وخارجها المتعلقة بالسياسات العامة لدول الممانعة رغم القواسم المشتركة بينها، والاعتماد على عناصر الخبرة والكفاءة وإعطاء المرأة العاملة مساحة أكبر في العمل الميداني والإعلامي.

* كاتب بحريني