تجاوزت ثورة يوليو 1952، بقرب اكتمال عقدها السابع، سجالات فكرية عميقة داخل مصر وعلى المستوى العربي القومي؛ وبدت أفريقياً كُبرى ثورات القارة والنموذج الملهم لها سواء في لحظات الحماس المفرط في مواجهة مصر لقوى العدوان الثلاثي 1956، أم في إرسائها مشروع بناء الدولة الوطنية بشكل متوازن وبمردودات «ثورية» اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة حينذاك في القارة من جهة شمولها وتأثيراتها المجتمعية، وكذلك الدعم المصري الكبير للعمل الجماعي الأفريقي بعد «عام استقلال أفريقيا» على المستويات الثنائية ومتعددة الأطراف حتى بعد الهزيمة العسكرية المؤلمة في يونيو 1967. وبغض النظر عن نتائج التجربة السياسية والنضالية الواقعية فإن مسألة الإدراك العربي- الأفريقي المتبادل، كما يتجسد هنا في قضية «أفريقية» ثورة يوليو، تظل مسألة شائكة إلى حد كبير وبحاجة إلى مقاربة ابستمولوجية تعمق الفهم القائم، دون الجنوح لتبريره، وتصل به إلى فضاءات جديدة -نوعًا ما- وكاشفة لملامح هذا الإدراك المتبادل بما يفضي لقفز ضروري فوق تنميطاته الشائعة للغاية، حال توفر إرادة متبادلة لذلك.
الرئيس جمال عبد الناصر

مصر الأفريقية: تصورات أولية
يمكن بلورة فكرة هوية «مصر الأفريقية» بالنظر إلى تصور مصر، والتصور «الأفريقي»لهذه الهوية. بعيدًا عن الجدل الهوياتي أحادي الطابع، فإن مصر ارتبطت طوال تاريخها بجوارها الأفريقي بصلات متنوعة، ولم ينقطع هذا الارتباط، الذي يحلو لدعاة الوحدة الأفريقية وصفه «بالدم الزنجي» في الحضارة المصرية، حتى في ذروة المراحل «المفصلية» في تاريخ مصر مثل الفترة التي تلت الفتح العربي لمصر (641م)، حيث بادر عمرو بن العاص في عامه التالي بإرسال حملة إلى «النوبة المسيحية»(جنوبي أسوان مباشرة) في جهد مبكر لضمها، الأمر الذي انتهى في تلك الحقبة بحملة الوالي عبد الله بن سعد أبي سرح (652م) على «دنقلة القديمة» وعقد معاهد البقط التي استمرت سارية لأكثر من ستة قرون حتى سقوط النوبة في قبضة الدولة المملوكية (1276م)، لينتهي الوضع المتميز للنوبة «المسيحية» خارج «دار الحرب»، حسب ب. فوراند(1). وبعد استيلاء العثمانيون على مصر (1517م) استمر الحضور المصري قويًا في البحر الأحمر والمحيط الهندي وعلى سواحل شرق أفريقيا امتدادًا للحضور «الكوزموبوليتاني» الذي حول مصر لمركز حضاري متوسطي- شرقي ظلت أفريقيا حاضرة جغرافيًا واقتصاديًا –على الأقل- في قلبه، وأصبحت الحبشة إحدى ما عرف «بأقاليم المحيط الهندي العثمانية الخمسة» (إضافة إلى مصر واليمن والبصرة والإحساء، وبحضور مصري قوي في إدارة اليمن والحبشة على وجه الخصوص) (2)، وهي الصلات التي ازدادت وثاقتها –مع تفسيراتها المتباينة- بعد وصول محمد علي لحكم مصر (1805م).
في المقابل، وفي سياق إجرائي بحت، ثمة ملاحظة جوهرية، وهي وجوب عدم حصر الرؤية «الأفريقية» لهذه الهوية في تصور النخبة الأفريقية التي بلورت أفكارها بتأثير تجارة الرقيق والاستغلال داخل أفريقيا وخارجها في الأمريكيتين وغرب أوروبا. فقد حضرت مصر «الأفريقية»، بعد الفتح العربي، في قلب تفاعلات تاريخية أفريقية ممتدة؛ منها قيام «سجلماسة» عاصمة أول دولة أفريقية في العصور الوسطى (759م) وما ترتب عليها من تفاعلات «زنجية» مع مراكش (القاهرة المغربية حسب وصف مؤرخين كثر) في العقود التالية، وصلت أخيرًا إلى مصر حيث سجل مؤرخون معاصرون اعتماد الفاطمييين قبل استقرارهم في مصر على الجنود السود الذين انتشروا في أرجاء شمال أفريقيا من مصر حتى المغرب (3)؛ وكون مرور «منسى موسى»، مثالًا، بالقاهرة (1324م) الشاهد المؤرخ الوحيد على وجه الدقة لواحد ممن وصفوا بأعظم ملوك أفريقيا وأكثرهم ثراء، وهو العام الذي أورد فيه ابن تغري بردي تراجع سعر الذهب في القاهرة لأعوام تالية (4).
وهكذا تتجاوز التجربة التاريخية، جغرافيًا وحضاريًا، تصورات النخبة الأفريقية البازغة في القرن التاسع عشر ورؤاها الضيقة للغاية عن مكانة مصر الأفريقية استنادًا للثقافات الأنجلوسكسونية والأوروبية المختلطة برؤى دينية «لأرض الفراعنة»، ومهبط بني إسرائيل، وما إلى ذلك مما ورد في ثنايا كتابات أبرز مفكري هذه النخبة مثل ويلموت بلايدن والجيل التالي له منذ مطلع القرن الماضي.

إرهاصات «الثورة» ومعضلة الدائرة الثانية
جسد خضوع مصر للاستعمار الإنجليزي (1882)، بوضوح، تقسيم العمل الاستعماري قبيل مؤتمر برلين (1884-1885) الذي مأسس «التوزيع» المستقبلي لمناطق النفوذ الأوروبية في أفريقيا. وفي المقابل أثار العمل الثوري المصري اهتمامًا أفريقيًا محدودًا، وتراكم ذلك في ثورة 1919، حيث ذاع أمرها في الكتابات الغربية، التي نقلت عنها نظيرتها الأفريقية بتسميات متعددة مثل البلشفية المصرية، أو حركة تمرد، أو نتيجة لمثيرات تركية- ألمانية بل ومبادئ الوحدة الإسلامية (5). لكن المفكر الأفريقي البارز وليام دوبوا (1868-1963) قدم رؤية مغايرة حيث لاحظ في افتتاحيته المطولة لمجلة The Crisis (6) أنه لطالما نظر لإنجلترا على أنها أفضل من يدير «شؤون الشعوب الملونة» وأنها أرست نجاحها وسطهم بفضل نظام عدالتها، لكنه غير الكثير من رؤيته تلك بعد محاوراته مع مصريين (في أجواء ما بعد ثورة 1919 خارج مصر) وهنود وأفارقة من غرب أفريقيا وجنوبها(7)، في إشارة لجولته الموسعة في أوروبا والأمريكيتين في العام 1919-1920. ويمكن القول أن هذه الرؤية مثلت تقاربًا أفريقيًا أوليًا لتفهم الحراك الثوري في مصر ضد الاستعمار الإنجليزي، وأن ثورة يوليو 1952 لم تكن، حسب كتابات مصرية متعددة، بداية هذا التقارب، دون أن يقلل ذلك من زخم يوليو لاسيما بعد حرب السويس.
بأية حال، بدأت مقاربة ثورة يوليو الأفريقية بتنظير رومانسي في كتاب جمال عبد الناصر «فلسفة الثورة» (1954) وخطه فكرة دوائر حركة مصر الخارجية الثلاث حيث مثلت أفريقيا الدائرة الثانية (بعد الدائرة العربية وقبل الدائرة الإسلامية)، استنادًا لموقع مصر الجغرافي في قلبها، ومبشراً بتمازج كلي–غير واقعي بالمرة- بين مصالحها، غير أنه لمح بدقة مساعي الاستعمار إعادة خريطتها، و(أنه) لن نستطيع بحال من الأحوال أن نقف أمام الذي يجري في أفريقيا ونتصور أنه لا يمسنا ولا يعنينا.تظل معضلة «الدائرة الثانية»، حال مقارنتها بالسياسات الفعلية، حاضرة عند تصور وجود أولويات «ثابتة» للحركة المصرية بعد ثورة يوليو، وعدم النظر لأفكار «فلسفة الثورة» على أنها «خواطر»(بحسب تعبير عبد الناصر)، وكذا تجاهل مقدرات الحركة المصرية نفسها ومدى «استقلاليتها» أو قدرتها على مناورة أدوار القوى الدولية «الجديدة والقديمة».
وحظيت هذه «الخواطر» حول أفريقيا باهتمام أفريقي معاصر ومتباين؛ ويحلل أديوي أكينسانيا Adeoye Akinsanya، مثلًا، حديث عبد الناصر عن استمرار نظر «الشعب الأفريقي» لمصر على أنها تمثل صلة بين القارة والعالم الخارجي وأنه ليس بمقدور مصر التخلي عن مسؤوليتها في نشر نور المعرفة والحضارة في الأحراش العذراء، وانتقد «أكينسانيا»، في تصور متحامل إلى حد كبير، رؤية ناصر وجوب لعب مصر دور قيادي في أفريقيا حتى وإن عنى ذلك التدخل في الشؤون المحلية لدول مثل تونس والمغرب وليبيا والسودان والدعوة «لوحدة إسلامية» في القرن الأفريقي (8).
وبين تصور مصري قائم على تصور ذاتي مطلق للدور في أفريقيا (الذي ثقلته التجارب الفعلية لاحقًا لاسيما في إطار التضامن الأفريقي- الآسيوي)، وإدراك «أفريقي» متحامل نوعًا ما، ارتبكت تفسيرات الدائرة الثانية كمرتكز في سياسات مصر الخارجية إلى حد كبير، وزاد من تشويش الإدراك العربي- الأفريقي المتبادل في تلك المرحلة المبكرة نوعًا ما، والممهدة لاستقلال أفريقيا.

ثورة يوليو في تصورات دوبوا وبادمور
مثلت مقاربتا دوبوا وجورج بادمور (1903-1959)، تجاه مصر وثورتها قراءة مهمة للإدراك الأفريقي لهما؛ لا سيما أنهما يمثلان وجهتي نظر تقليدية وراديكالية؛ وفيما جسد دوبوا الأب الروحي للفكر الأفريقي، والمؤسس الثاني له بعد بلايدن، فإن بادمور الذي شغل سابقًا منصب رئيس «عمليات الشيوعية الدولية» للزنوج في أنحاء العالم وأصدر صحيفة «العامل الزنجي» الشهيرة قبل انخراطه في العمل السياسي في غانا حديثة الاستقلال في وقت مزامن لثورة يوليو، وتبنيه أفكارًا أكثر راديكالية عن «الشخصية الأفريقية» وأقرب لفكرة الزنوجة مع إضافة أبعاد «ثورية» لها.
أكّد عبد الملك عودة أن الأفارقة بحاجة إلى تقوية شعورهم بالوحدة، وأن الدراسات الأفريقية لم تقدَّم على الدوام على نحو علمي وموضوعي


وبادر دوبوا بالاتصال بالسلطات المصرية بعد يوليو إيمانًا منه بأهمية دور مصر المحوري في القارة بعد ثورتها. ووجه خطابًا لقنصل مصر في نيويورك (بتاريخ 19 مايو 1953) يعلمه فيه عقده سيمينارًا يحضره 15-20 طالبًا يدرسون أفريقيا، يقوم كل منهم بدراسة دولة ما على نحو مكثف، وأن مصر مدعوة –بين ممثلين من فرنسا وإثيوبيا وليبيريا وهاييتي- لحضور ممثل دبلوماسي عنها لمقابلة المجموعة وجهًا لوجه. ولم يحصل دوبوا على رد على هذه الرسالة، رغم إرفاقه سيرته الذاتية بالخطاب وإحالته لمراجع عنها. ورغم هذ الفتور بادر بادمور بعد حرب السويس بكتابة قصيدة شهيرة بعنوان «السويس» أوجز فيها تمجيده لتاريخ مصر العريق وثورتها المجيدة في مواجهة الاستعمار والإمبريالية الغربية وكونها مثالًا لا يغفل لبقية الحركات الثورية الأفريقية.
بينما ميزت جهود بادمور بشكل عام انتقال حركة «الوحدة الأفريقية» من كونها ظاهرة ثقافية إلى تحولها لظاهرة سياسية؛ تقاطعت مع اندلاع الثورة المصرية 1952 وانعقاد مؤتمر باندونج (1955)، وما تزامن معهما من صعود نفوذ «العقيد» جمال عبد الناصر ونزوعه لفكرة ضرورة أن تلعب مصر دورًا في الشؤون الأفريقية، وما لاحظه بادمور وأقرانه من أن دعاة الوحدة الأفريقية قد لعبوا دورًا ضئيلًا للغاية في مؤتمر باندونج، مقارنة بدور مصر، الأمر الذي يتشابك مع فكرة الدائرة الثانية في فلسفة الثورة المصرية، وانتقد بادمور تراجع الاهتمام «بقضايا السود»، أو ما وصفه وزير الدفاع الغاني موفي باكو M. Baako بأن «معاداة الاستعمار لا تعترف باللون» (9)، على نقيض تصورات الأول بشأن الشخصية الأفريقية.

القاهرة السوداء: تناقضات فكرية وحركية
كانت مصر من أبرز الدول الثمانية المشاركة في مؤتمر الدول الأفريقية المستقلة الأول (أبريل 1957) الذي نظمه كل من بادمور وكوامي نكروما (إلى جانب إثيوبيا والمغرب وغانا وغيرهم) (10)، واعتبر عدد كبير من النخبة الأفريقية في غرب أفريقيا في ذلك الوقت أن المؤتمر شهد حضور دولتين أفريقيتين سوداويتين (غانا وليبيريا)؛ وأربعة تصنف نفسها على أنها بيضاء أو غير سوداء(وهي مصر والمغرب وتونس وليبيا والمغرب)، ودولتين لا تريد أن تعرفا بأنهما دول سوداء وهما إثيوبيا والسودان (11). وصاغ بادمور ونكروما المؤتمر حول فكرة بديلة عن الزنوجة، بدلالتها الإثنية الفجة، وهي «الشخصية الأفريقية» التي صاغها بادمور (1955) بتقديمه «تعريفًا جديدًا» للأفريقي بأنه أي شخص يؤمن بمبدأ «رجل واحد صوت واحد»؛ والمساواة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بغض النظر عن العرق أو المهنة أو اللون أو القبيلة، والذي واجه نقدًا مهمًا بأنه في جوهره التفافًا حول مفهوم «السواد» Blackness، وردد كوامي نكروما مقولته «غير التاريخية» بأن الصحراء (الكبرى) لم تعد تقسم القارة الأفريقية، بل إنها توحدنا.
وعلى المستوى الواقعي، أثارت أزمة قناة السويس مسألة اضطراب الاتساق الأيديولوجي- الواقعي، كما تمثل في قضية سماح مصر لشركة «بلاك ستار» لسفن النقل التي تحمل العلم الغاني وتعمل بدعم فني إسرائيلي بعبور قناة السويس (1956)، وتطمينات ناصر –بعد وقت قصير من منع مرور سفن هذه الشركة- للرئيس نكروما بأنه «لن يميز ضد سفن نقل قوة أفريقية» وأن تظل القناة مفتوحة أمام السفن التي تحمل العلم الغاني (بما في ذلك السفن الإسرائيلية المسجلة في ميناء تاكورادي Takoradi الغاني)؛ واعتبر محللون وقتها أن غانا، بكسرها حصار السويس ضد إسرائيل، قد ردت جميل المساعدات الفنية الإسرائيلية لقدراتها البحرية (12).

موسوعة أفريكانا: مآلات «الإدراك المتبادل» في جدل دوبوا وعودة
ظل مشروع «موسوعة أفريكانا» حلمًا رئيسًا لدوبوا منذ العام 1909 (في خطاب أرسله لبلايدن) حتى وفاته في العام 1963. وقد نمت فكرته بالأساس من تصور «موسوعة زنجية» تماثل الموسوعات الشهيرة مثل البريطانية واليهودية وغيرهما، وجسد دوبوا هذا التوجه في العام 1945 بمقال بعنوان «The Need for an Encyclopedia of the Negro»، لتأسيس «قاعدة لمزيد من التقدم والدراسة للقضايا التي تؤثر على العرق الزنجي».
وبالنظر إلى مكانة عبد الملك عودة، أحد رواد الدراسات الأفريقية في مصر بعد يوليو، واشتباكه مع الحياة الأكاديمية الأمريكية بدأت مراسلات وجيزة بينه ودوبوا (الذي أرسل خطابًا مماثلًا في وقت لاحق لمراد كامل بكلية الآداب في جامعة القاهرة بتاريخ 15 مايو 1961) حول مشروع الموسوعة. وحسب مراسلات دوبوا فإنه كان قد أرسل في مارس 1961 خطابًا لبروفيسور نيجيري معربًا عن تخوفه قصور تناول «أفريقيا العربية». بأي حال فقد وجه دوبوا لعودة (بصفته أستاذًا بقسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد بجامعة القاهرة) خطابًا بتاريخ 27 أبريل 1961 أرفق به نسخة من خطة الموسوعة وفكرتها بتناول سكان القارة وأسلافهم في أرجاء العالم «وليس وفق مفهوم العرق الملتبس». وعبر دوبوا عن ترقبه لرد عودة حول الخطة واحتمالات التعاون وإمكانية إرسال قائمة «بأسماء العلماء (المصريين) الذين يمكن أن يساعدوا في ذلك»، ولفت دوبوا إلى قناعته بتشويه «دعاة التفوق الأبيض» لتاريخ مصر وبقية أفريقيا -على نحو خبيث- بمحاولة جعل مصر «شمالية» Nordic الهوى.
وبادر عودة بالرد السريع على دوبوا في خطاب مؤرخ 2 مايو 1961، عبر فيه عن عميق سروره بتلقي خطاب من «أبي البان أفريكانزم»، ولفت عودة إلى سعيه طوال خمسة أعوام (1957-1961) لتركيز البحوث في الدراسات السياسية الأفريقية، لاسيما في ظل ما تشهده أفريقيا من تغيير سياسي كبير يستوجب دراسته في صلاته بالتطور التاريخي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي. ولفت عودة بعد مناقشات وجيزة النظر لفكرة مهمة للغاية وكاشفة للمستوى المعقد من الإدراك المتبادل منذ مطلع الستينيات؛ وهي أن الأفارقة أنفسهم بحاجة إلى تقوية شعورهم بالهدف والوحدة من أجل المستقبل، وأن الدراسات الأفريقية لم تقدم على الدوام على نحو علمي وموضوعي. وعبر في نهاية الخطاب عن عميق اهتمامه بالمشاركة في المشروع.
وبعد هذا الخطاب بعامين، أرسل عودة (25 مايو 1963 قبيل وفاة دوبوا بثلاثة شهور فقط) لأحد القائمين على تحرير الموسوعة قائمة باقتراح أسماء مائة عالم مصري للمساهمة بها، وبرر تأخره بالانشغال ومكاتبة السلطات المعنية لترتيب العلاقة مع اللجنة الإقليمية للموسوعة واللجنة المعنية بوزارة التعليم العالي، وطلب لتنسيق مساهمة الجمهورية العربية المتحدة المالية في الموسوعة الاتصال بالمستشار الثقافي في السفارة المصرية باكراً. وفي النهاية خرجت موسوعة أفريكانا دون مشاركة مصرية وتبنت بالأساس خط بادمور عن الشخصية الأفريقية (أو المركزية الأفريقية لاحقًا) الذي يميل لأفكار الزنوجة مع مسحة من «النزعة الدولية»، وتناول «أفريقيا العربية» من زاوية «المركزية الأوروبية» كما يتضح بمطالعة أغلب مواد الموسوعة المعنية.

ما بعد النص
يعتري الإدراك العربي- الأفريقي، كما تلمسنا على هامش ثورة يوليو الأفريقية، مصاعب جمة، ويذلل منها انتهاج مقاربة ابستمولوجية لتفكيك تنميطاته ورؤاه المسبقة على الجانبين الأفريقي والعربي تاريخيًا وفكريًا. وتمثل ثورة يوليو التي مضى عليها نحو سبعة عقود نقطة الارتكاز الأوضح لفهم تفاعلات وعقبات وقيود هذا الإدراك المتبادل لحضورها في المخيلة الأفريقية والعربية بشكل يبرز ما سواها، وارتباطاتها الفعلية بتفاعلات هذا الإدراك كما يتضح في مناقشات رسمية وشعبية حتى هذه اللحظة.
* باحث مصري متخصص في الشؤون الأفريقية

المراجع
1- Jay Spaulding‚ Medieval Christian Nubia and the Islamic World: A Reconsideration of the Baqt Treaty‚ The International Journal of African Historical Studies ‚ 1995‚ Vol. 28‚ No. 3 (1995)‚ pp. 577-594
2- Salih Özbaran‚ Ottoman Expansion towards the Indian Ocean in the 16th Century‚ Istanbul‚ Bilgi University Press‚ 2009.
3- J. C. de Graft-Johnson‚ African Empires of the Past‚ Présence Africaine ‚ avril-mai 1957‚ Nouvelle série‚ No. 13 (avril-mai 1957)‚ pp. 58-64
4- Nawal Morcos Bell‚ The Age of Mansa Musa of Mali: Problems in Succession and Chronology‚ The International Journal of African Historical Studies ‚ 1972‚ Vol. 5‚ No. 2 (1972)‚ pp. 221-234.
5- Charles Rudy‚ Egypt in 1919: An Upheaval and Its Causes‚ The African World‚ 1919‚ p. 45 https://credo.library.umass.edu/view/pageturn/mums312-b165-i404/#page/2/mode/1up
6- وهي تجربة رائدة في الصحافة الأفرو-أمريكية تستحق اهتمامًا كبيرًا لتوزيعها بنهاية العام 1920 أكثر مائة ألف نسخة شهرية.
7- Opinion of W.E.B. Du Bois‚ The Crisis‚ Vol. 19- No. 3‚ January‚ 1920‚ pp. 105-110.
8- Adeoye Akinsanya‚ the Afro- Arab Alliance: A Dream or Reality? Journal of the Historical Society of Nigeria‚ Vol. 10‚ No. 2 (JUNE 1980)‚ pp. 87-104
9- William J. Middleton‚ Pan- Africanism: A Historical Analysis and Critique‚ The Black Scholar‚ January-February 1970‚ Vol. 1‚ No. 3/4‚ IN MEMORIAM: W. E. B. DU BOIS (January-February 1970)‚ pp. 58-64.
10- George Shepperson and Clare Drake‚ The Fifth Pan-African Conference‚ 1945 and the All African People›s Congress‚ 1958‚ Contribution in Black Studies‚ Vol. 8‚ September 2008‚ pp. 48-9.
11- Ibid. p. 49.
12- Russell Warren Howe‚ Ghana: The First Year‚ The Phylon Quarterly ‚ 3rd Qtr.‚ 1958‚ Vol. 19‚ No. 3 (3rd Qtr.‚ 1958)‚ pp. 277- 285.