القضية الفلسطينية من المنظور الإنساني - الإغاثي، واحدة من أكبر عمليات السطو على الكرامة والحقوق الإنسانية المنصوص عليها في كل الشرعات والمواثيق الدولية؛ إذ إن تجريد شعب أعزل من حقوقه المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، هو التوصيف الدقيق لما حصل (ولا يزال) بحق الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة منذ نكبة 1948 وخارجها. وهذا شأن يعنينا كمنظمات إنسانية، لأن جوهر العمل الإنساني هو الدفاع عن حقوق كل شخص وكرامته، وأي عمل إنساني غير ملتزم بالقضايا العادلة للشعوب، وفي المقدمة القضية الفلسطينية، لا يمثل روحية هذه المهمة وجوهرها.لقد أمدّ العمل الإغاثي - التنموي داخل مخيمات اللجوء وفي الأراضي المحتلة، أهلنا الفلسطينيين بعوامل صمود إضافية، وساهم في إيصال صوت القضية إلى مسامع العالم. والمطلوب الوقوف إلى جانب الفلسطينيين في كل مجال، من خلال العمل على تعميم ثقافة المقاومة في كل المجالات: السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والإنسانية والثقافية. والمساهمة في دعم صمود الشعب الفلسطيني، على المستويين الإنمائي والإغاثي، تمر بمجالين: الدعم التنموي والإغاثي المطلوب من المجتمع العربي والدولي، وما نستطيع كمؤسسات مجتمع مدني في لبنان القيام به على المستويين الإنمائي والإغاثي. هذه المهمة تتطلب:
أولاً، العمل على تكريس فكرة فلسطين موحدة، في تصدٍّ لانتهاك الكيان الغاصب للجغرافيا الفلسطينية، ومحاولاته شرذمة الشعب الفلسطيني. وهذه الوحدة التي تجلّت في الرد الفلسطيني على العدوان الأخير، لا بد من تثبيتها في نهج تفكير الفلسطيني في أراضي الـ48 أو أراضي السلطة الفلسطينية (الضفة والقطاع) أو في دول الشتات. لذا، على المجتمع المدني، بما فيه من أحزاب وتيارات ومؤسسات مستقلة، توفير هذا النهج، لتبديد نقاط الضعف. فالهوية الفلسطينية في الأساس مهددة، وكل خطة تنمية في هذا الشأن، يجب أن تشمل كل أماكن انتشار الشعب الفلسطيني، لتكون خطة توحيدية لكل الشعب الفلسطيني.
ثانياً، العمل على تثبيت الحق الفلسطيني عبر القوانين الدولية، وتحميل إسرائيل مسؤوليات كل الانتهاكات، من خلال تنظيم عمل حقوقي. ولا يكون هذا التحرك على مستوى القانون والقانونيين فقط، بل يتعداه إلى القيام بأنشطة توعوية، اعتماداً على أن الحق يجب أن يتثبت في عقول الناس واقتناعاتهم.
ثالثاً، دعم يتبنى الوعي الديمقراطي لتظهير قيادات جديدة ديموقراطية. وهذا يحدث عن طريق كثير من ورش العمل، والاهتمام بخلق مزيد من الجمعيات والهيئات التي من شأنها المساهمة في تعميم الديموقراطية كأسلوب للتعامل بين فئات الشعب الفلسطيني، وحل المشكلات الناشئة بين فئات المجتمع.
رابعاً، تهيئة الشباب للعب دور القيادة في الجمعيات والمؤسسات تمهيداً لوصولهم إلى قيادة المجتمع ومشاركتهم في الحكم وصنع القرار على مستويات مختلفة. وأي بحث في التضامن مع الشعب الفلسطيني ينبغي أن يقدّم الصوت الشبابي العربي والعالمي ويبدّيه على السبل التقليدية، خصوصاً بعدما لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً محورياً في إيصال الصوت الفلسطيني أثناء العدوان الأخير، وبعدما ظهرت على الساحة الإعلامية الجديدة أصوات تبرّم من شخصيات بارزة، أكاديمياً وإعلامياً وفنياً، ومن شخصيات يهودية غير صهيونية، يمكن أن تؤسس لاحتضان أكبر للقضية الفلسطينية.
خامساً، تعزيز مسألة تمكين المرأة عبر خطة تنموية تهدف إلى الوصول للمساواة بين الجنسين، والعمل على تحرير المرأة اجتماعياً من خلال التمكين الاقتصادي وتدريب المهارات، وتعزيز قدرات ذوي الاحتياجات الخاصة، وانخراطهم في حركة المجتمع وتمكينهم من الإنتاج.
سادساً: تعزيز القدرات الإنتاجية من خلال توسيع الأفق الاقتصادي في المجتمع الفلسطيني، عبر تنويع واسع من المشاريع الصغيرة التي يسهل على عدد من الفئات والشرائح الاجتماعية الانخراط فيها، ما يساعد على تخفيف البطالة، وخفض مستوى حالات الفقر، عبر تأمين نظم الحماية الاجتماعية والرعاية الصحية، خصوصاً في الضفة والقطاع ومخيمات الشتات، وعبر تأمين التعليم، كي تنفتح سبل الحياة أمام الفلسطيني، وتهيئة الجيل الفلسطيني الجديد لمزيد من فرص العمل.
سابعاً: يجب فهم واقع قطاع غزة بما يتجاوز الأرقام والخسائر الناتجة عن العدوان المباشر، وذلك من خلال المؤسسات ذات الخبرات الطويلة في العمل مع الفئات الشعبية وفي مناطقها؛ اذ إن فترات التعافي من العدوان تتطلب خططاً عملية قابلة للتنفيذ وذات مراحل زمنية محددة. أما النهوض بالواقع الصحي في القطاع فيحتاج إلى خطة تنموية، وبث الوعي لدى المجتمع الدولي بشأن الواقع العام، بمعنى أنه يجب ألا ينسلخ العدوان الأخير في تقارير التضامن مع أهلنا في قطاع غزة عن الواقع الطويل للحصار والاعتداءات المتكررة التي يتعرضون لها، وأن توظف عملية الإضاءة على العدوان الأخير في سبيل مقاربة أشمل لمأساة الحياة اليومية في القطاع صحياً وإغاثياً واجتماعياً.
ثامناً: من الضروري مواءمة مفهوم العدالة الاجتماعية مع التحرر الوطني بدعم من كل القوى الفلسطينية في الداخل والخارج.
تاسعاً: إنشاء جامعة الشعوب العربية على الصعيد الإقليمي، لتكون داعمة للقضية الفلسطينية وتعبّر عن تطلعات الشعوب في التحرر ودولة المواطنة والعدالة.
وأخيراً، إنشاء أممية إنسانية تدعم القضية الفلسطينية في العالم، خصوصاً أن تزامن العدوان الأخير على غزة مع التطهير العرقي في القدس المحتلة، أبرز مدى تضامن الشعوب ومناصرتها للقضايا المحقة. ويجب استثمار هذا الوعي المتفتح عند الجيل الجديد بما فيه من مصلحة للقضية، بعيداً عن انحياز المجتمع الدولي الرسمي وتآمره.

* رئيس «مؤسسة عامل الدولية»
** مداخلة ألقيت في الدورة الخامسة لـ«المنتدى العربي الدولي من أجل العدالة لفلسطين» التي انعقدت في 16 حزيران و17 منه عبر تقنية «زوم»