تشهد منصّات التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية تداولاً لبيان بعنوان «نداء الأكاديميين والمثقفين الفلسطينيين لنزع الشرعية عن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إمّا الاستقالة أو الإقالة»، وما زال جمع التواقيع قائماً إلى لحظة كتابة هذه السطور.يدعو البيان إلى استقالة محمود عباس، أو إقالته من مناصبه كافة، بتعبير كاتبي البيان. ومعظم الموقّعين، لهم علاقة بجهة واحدة تتجنّب المطالبة بتحرير فلسطين ونزع أي صفة شرعية عن كيان الاحتلال الصهيوني. كما أن البيان بصيغته العائمة يخلو من تواقيع لشخصيات ـــ أيّاً كان وزنها ـــ من داخل الضفة الغربية المحتلّة وقطاع غزة. والبيان لا يدعو إلى إلغاء اتفاقيات «أوسلو» وإنهاء وجود السلطة التي تستند إلى تلك الاتفاقيات الخيانية، والتي تعتبر الكيان الصهيوني المرجعية الحقيقية لسلطة محمود عباس، كما كان الحال مع سلفه ياسر عرفات في رام الله.
[اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
لذلك فاقتلاع عباس لا ينهي تلك الاتفاقيات التي يعتبر الالتزام بها المسوّغ للجهات المانحة توفير الدعم المالي لميزانية السلطة سواء من الدول أو من أموال المقاصة التي يجمعها كيان الاحتلال من الضرائب على واردات الضفة الغربية المحتلّة وقطاع غزة من المعابر التي تسيطر عليها سلطات الاحتلال الصهيوني، وبالتالي ستبقى السلطة ولكن برأس جديد وقيادة جديدة، حيث إن سلطة الحكم الذاتي هي حاجة.
محمود عباس ليس هو وحدَه المشكلة، بل السلطة بكاملها بأجهزتها كافة التي تهمين عليها «طبقة واسعة» من العملاء والجواسيس الذين رهنوا وجودهم ومصالحهم بكيان الاحتلال الصهيوني ورضى الولايات المتحدة واستخباراتها. لقد تسبّب تنفيذ اتفاقات «أوسلو» والعمل بها منذ عام 1994 الذي شهد إنشاء السلطة، بعملية تخريب ممنهجة لبنى المجتمع الفلسطيني على الأصعدة كافة.
هل ينبغي التذكير أن جنوب لبنان قبل تحريره في 25 أيار/ مايو 2000، كان خاضعاً لسلطة عميلة تابعة للاحتلال، تمارس الاعتقال والتعذيب والقتل ضد النشطاء والمقاومين، تماماً كما تفعل سلطة «أوسلو» اليوم! ولم تنتهِ سلطة أنطوان لحد إلّا بعد أن أجبرت المقاومة المسلّحة كيان الاحتلال الصهيوني على الانسحاب نهائياً من جنوب لبنان وبذلك انتهى ذلك الجيب العميل.
البيان يدعو إلى إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية. لكنّه لا يحدّد من هم الذين سيقومون بهذا العمل. لقد تم اختطاف المنظمة منذ أيام ياسر عرفات. كانت فقط ختماً في جيبه، وباسمها وقع اتفاقيّات «أوسلو»، وباسمها تنازل عن فلسطين والقدس، وأقرّ بشرعيّة ما اغتصبه الكيان الصهيوني. وما يفعله محمود عباس هو استكمال ومواصلة ما قام به عرفات الذي لم يُقِم للفصائل أي وزن. وهذا ما يفعله عباس، وما سيفعله خلَفه الذي يتوجّب عليه أن يحظى بالرضى الأميركي الصهيوني وسائر الحلفاء والأتباع.
محمود عباس ليس هو وحده المشكلة، بل السلطة التي تهمين عليها طبقة رهنت وجودها ومصالحها بكيان الاحتلال ورضى الولايات المتحدة


لم تنبثق السلطة الفلسطينية عن منظمة التحرير المختطفة، بل تأسّست استناداً إلى اتفاقيات «أوسلو» الخيانية، ومرجعيتها هي كيان الاحتلال الصهيوني. مفاوضو العدو في «أوسلو» هم من وضع نصوص الاتفاقيات التي ألزموا بها ياسر عرفات، قائلين: «إمّا أن تقبلوها كما هي أو تتركوها».
لو عدنا إلى فترة المقاومة في الأردن، قبل أيلول 1970... لانتبهنا إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت موجودة، ولجنتها التنفيذية، ومن كان يقود فعليا هو القيادة الموحدة لحركة المقاومة الفلسطينية. الآن ما نشهده في الضفة الغربية، رغم المظاهرات التي خرجت في أواخر أيام العدوان الصهيوني على غزة، هو تراجع ليس بسبب محمود عباس فقط، بل بسبب وجود السلطة نفسها المستندة إلى اتفاقيات «أوسلو». الحل هو في اقتلاع السلطة كلها من جذورها، ومعها اتفاق «أوسلو»، وليس الدعوة إلى انتخابات تستند إلى تلك الاتفاقيات. أما حركة «فتح»، فسبحانه وتعالى وحده من يحيي العظام وهي رميم. بشكل عام «فتح» الحالية ورجالها هم أجهزة أمن السلطة الذين ولغوا في دم النشطاء والمقاومين.
هل هناك من دور وطني للسلطة الفلسطينية؟ في اعتقادنا أن أبسط جواب يظهر في تصريح وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في بغداد يوم 23 أيار/ مايو الماضي، إثر زيارة وزير خارجيتها رياض المالكي الذي أظهر أن سلطة رام الله هي قاطرة تطبيع أنظمة التبعية العربية مع كيان الاحتلال الصهيوني. كشف فؤاد حسين أن الخطوة التطبيعية المقبلة هي عقد اجتماع اللجنة العراقية الفلسطينية المشتركة في رام الله، وحذّر من خطر استثمار النصر لإضعاف سلطة «أوسلو». أما في داخل الضفة الغربية المحتلة فقد سارعت أجهزة أمن السلطة عشية وقف إطلاق النار إلى ملاحقة النشطاء واعتقال العشرات منهم، وحظر التظاهرات التي تدعو إلى المقاومة ضد الاحتلال.
إن بيان «المثقفين والأكاديميين» هو لعب في الوقت الضائع، أو في أحسن حال هو تسجيل موقف لفظي للتاريخ، وكفى الله المؤمنين شرّ القتال... مع احترامنا لبعض الموقعين على البيان، نقول لهم إنّه إضاعة للجهد. اتركونا من «المفكّر العربي» الذي يجري الترويج له داخل فلسطين المحتلة بشكل غير مباشر من بعض أتباعه، ليكون إطاراً قيادياً في منظمة التحرير التي يطالبون بإعادة بنائها، أو في سلطة الحكم الذاتي... فيما يتكفّل موقّعو البيان في الترويج له خارج فلسطين المحتلة.
*كاتب فلسطيني.