في الذكرى السنوية لرحيل الإمام الخمينيّ نستعيد كلام فيض الكاشاني في كتابه «المحجّة البيضاء» من أنَّ «علَّةَ نزولِ الرحمة أثناءَ ذكرِ الصالحينَ هو الاقتداء والتمثُّل بهم وفي النهاية استحقاقُ الرحمةِ الإلهيّة».إنّ الوجودَ الإنساني يقعُ بين عدَمَينِ ظاهريَّين. وكينونةُ الإنسانِ يُحيطُ بها عدَمانِ ظاهريّانِ قبل الوجودِ وبعدَهُ. كلُّ ما قام به الأنبياء، الأولياء والصالحون جميعاً من أدوارٍ ووظائف، كان ضمنَ هذا الوجودِ الذي يقعُ بين العدمَين. وكلُّ الأشقياءِ والفاسدين كذلك قاموا بدورِهم الفاسد في هذه البُرهةِ الزمنيَّةِ نفسِها. إنّ فَهمَ المُهِمَّةِ الأصليّةِ من الخَليقةِ في هذه البُرهة الزمنيّة والقيام بالمُهمّةِ الوجوديّةِ أمرٌ في غايةِ الأهميّة.
[اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
السِّمَةُ الأصليّةُ في شخصيةِ الإمام الخميني، كانت فهمَ وإدراك هذه المُهمّة بالتحديد. هذه المُهمة؛ بلوغُ الكمال. طبعاً في بعضِ الحالات يلتبس الأمر على الناس، في تحديدِ مصداقِ الكمالِ، فيتلقَّونَ بعضَ المكتسباتِ الفانيةِ على أنها كمال. أحدُ سبُلِ بلوغِ الكمال؛ خدمةُ المخلوق من حيثُ إنّه تجلٍّ للخَليقةِ الإلهيّة. في هذا الصّدَد وفي الثقافة العرفانيّة للأديان كافّةِ؛ تُوصي التعاليمُ وتؤكّدُ على الاستعانةِ بالآخرين. من الإمساك بيد الإنسانِ العاجزِ أو الضعيف كذلك من الوصايا التي توصل المرء إلى الكمال، لأنها نوع من الإيثارِ والتضحية. في الأدب الفارسي، تحوّلَ هذا السلوك إلى مثل شعبي يقول: «زكاةُ السّاعِدِ القويّ؛ الإمساكُ بأيدي الضعفاء». حتى إنّه وردَ في الروايات الإسلامية: عَونُ الضعيفِ صدَقة.
إن كانت هذه الإعانة على مقياس أكبر، فسوف تكون قيمتُها أعظم. أهمّ سِماتِ الإمام الخميني كانت إعانة الآخرين. الإعانة على مستوى عالميّ تجاه كلّ مَن يمدّ يدَه طلباً للمساعدة. إنّ ما ينبغي توافرُه لامتلاك هذه السِّمة في كلّ شخصٍ، هو ترك هوى النفس. الإنسان المبتلَى بنفسه لا يمكنُه أبداً الأخذُ بيدِ الآخرين. رغم ذلك، فالكثيرونَ يمتلكونَ هذه الصفة، صفة الإعانة. هناك الكثيرُ من الأشخاص في العالم ممّن لا يتوانون عن إعانة الآخرين. لماذا، إذاً، نذكرُ هذه الصفةَ على أنها الصفةُ الأصليةُ في شخصية الإمام الخميني؟ السببُ الأصليّ هو أنّ معظم أشكال الإعانة هي إعانة على المستوى الشخصيّ، يقوم بها الناس بشكلٍ فرديّ. يدافعون عن الأفراد الضعفاء. لكنّ الإمام الخميني قام بإعانة مجتمعات بأكملها، وهذا العمل هو امتداد لعمل أنبياءِ الله. إعانةُ العُموم وإعانةُ المجتمع، الإعانةُ السياسيةُ تجاهَ من لا يستطيعُ أخذَ الحقوقِ الجماعيّة… وهذا عملٌ لا يمكن لأيّ كان فعلُه. يحتاج الأمر إلى تقبُّل وجماهيريّة لا يمكنُ أن تكونَ الإعانةُ لولاهما أبداً.
هذه المهمّة تكتسبُ قيمتَها الحقيقيّةَ عندما ندرك أنّ كلَّ هذا التقبّل والجماهيرية حصلَت من دون امتلاك أدواتِ السلطة المتعارَفة في عالمِنا اليوم. من جهة، دولةٌ مستقرةٌ بقدرات عسكرية وقوة اقتصاديةٍ وجذور تعودُ إلى خمسينَ عاماً، ومن جهةٍ أخرى، شخصيةٌ لم تكن تمتلك شيئاً إلّا هذا القلب المتعلّق بشعبه، النابض في صدرِه.
إنّ الوعود الإلهية تتحقّق في هذا الزمانِ أمامَ أعيُنِنا، لكننا غافلون عنها دائماً. أليسَت هذه المحبوبيّة والجماهيرية مصداقاً لتحقّقِ الآية الكريمة التي تقول: إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ سيجعلُ لهم الرحمنُ وداً؟
لقد كان الإمام الخميني قائداً مكلَّفاً في وجودٍ بين عدَمَينِ ظاهريَّين؛ أحاطَت به عناية الرحمن، وسعى جاهداً لأداءِ تكليفِه على أفضلِ وجه. هذا التكليف كان مدَّ يدِ العَونِ إلى المجتمع الإسلامي. المجتمع الذي بقيَ سنواتٍ مديدةً من دون أن يمدَ أحدٌ له يدَ العون. اليوم هذه الإعانةُ في عُهدة قائد الثورة الإمام الخامنئي دامَ ظلُّه. ولقد رأينا خلال الأيامِ الأخيرة بركات هذه الإعانة القيّمة والخالصة للّه في غزّة.
أسألُ اللهَ تعالى أن يثبتَنا على طريقِ إمامَي الثورة الإسلامية. وأتمنى أن يعرفَ أحرارُ العالم كرامةَ الإمام الخمينيّ وقَدرَهُ أكثر من ذي قَبل.
* رئيس رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية