تتخذ الشعوب مواقفها، استناداً إلى أساليب تعبيرها في الأفراح والأتراح، لترى أن العرب يصفقون لمن يرقص وينوحون لمن يبكي، وانتهت الحكاية! نفتقر إلى المنهج، والوضوح، وتحديد الأهداف. للأسف هناك قول يُنسب إلى أحد مسؤولي كيان العدوّ: «العرب لا يقرأون، وإن قرأوا لا يفهمون، وإن فهموا سرعان ما ينسون». من هذا المنطق، التطبيع ليس جريمة أو فضيلة، بل لا بد من وضعه في السياق التاريخي والإطاري. الموضوع ليس سياسياً فقط، بل هو اقتصادي ومصالحاتي ومصالحي، وقد يكون في هذه المناحي الثلاثة أو غيرها. الأمر ليس بحاجة إلى مزاودات أو مناقصات. التطبيع مع دولة الكيان بحاجة إلى كثير من التريّث والدراسة والمراس. التطبيع بين أي دولة و«إسرائيل»، هو موضوع معقّد، وبالعودة إلى مطلع التسعينيات تم بحث مفاوضات السلام، ولا سيما أثناء وفاة المهندس باسل الأسد نجل الرئيس حافظ. كما أن وزير خارجية سوريا السابق فاروق الشرع، قد أجرى معه التلفزيون «الإسرائيلي» مقابلة، وفي 27 أيار/ مايو 2000 جرت بين الرئيسين: السوري حافظ الأسد، والأميركي بيل كلينتون مباحثات سلام في مدينة جنيف السويسرية، لكنّ المحامي كريم بقردوني في كتابه «صدمة وصمود»، أوضح خلافاً حال دون إتمام الأمر.
عموماً، توجد وجوه عدة للتطبيع، فقد تسبقها مباحثات ككامب ديفيد (مصر)، ووادي عربة (الأردن)، كما أن موريتانيا قد طبّعت مع «إسرائيل»، وقد أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة سنة 2020 تطبيعها مع «إسرائيل» (ابراهام)، كما يوجد مكتب اقتصادي للأخيرة في قطر. فرض هذا الكيان وجوده بالقوة، ويستغل ضعف العرب، ووهنهم ولا سيما منذ سنة 2011 وجودياً، وفي إطار الصراع منذ عام 1967. يعدّ المراقبون أن النظام السياسي الرسمي لـ «إسرائيل»، يشعر بالقلق تجاه فوضى 2011 وارتاح عند فشل التحركات سنة 2013؛ لأن صعود التيار الشعبي للحكم وتداول السلطة في البلدان العربية، يقلقان الكيان ويضطرانه لترقب القادم، درءاً لتغير الأنظمة السياسية الذي قد يتبعه تبدلٌ في الرؤى تجاهه نفسه، ويضطره بالضرورة لترقب ما قد يحدث كما يجبره على التأقلم مجدداً مع المستجدات السياسية الوجودية العربية الكبرى.
يعتقد البعض أن أميركا هي الراعي الأسبق لهذا الكيان، لكن الحقيقة هي أن بريطانيا (تحديداً)، وفرنسا، هما قد رتبا الأمر. من مؤتمر بازل في سويسرا سنة 1897، إلى وعد بلفور 1917، ثم زرع المستوطنات وما إلى هنالك. لكن أميركا، دخلت الصراع في عدوان 56، فالتلازم بين الكيان وأميركا ليس متطابقاً.
هذا ما يضع الكيان ضمن سياقه، ولا سيما أن إسرائيل من جهة القوانين الدولية واحدة من الدول الـ 193، التي تعترف بها منظمة الأمم المتحدة، وتوجد دولتان مراقبتان (السلطة الفلسطينية والفاتيكان). لكن يبقى التحدي الدائم منصباً على المنحى السياسي. وهنا يمكن القول بأن التطبيع أمر، والاعتراف الرسمي أمر آخر.
أن تكون دولة ما مشاركة في قرار أمني مع دولة أخرى، حسب شرعة الأمم المتحدة فهذا يعني أنه يوجد اعتراف متبادل بينهما وسوريا معترفة بإسرائيل حسب قرارات صادرة عن الأمم المتحدة وقّعت عليها سوريا.
من جهة أخرى، لا تجوز مقاربة الأمر بشكل تداخلي بل منفصل، بشقيه السياسي والقانوني. السياسة تتأثر بالمستجدات والمصالح العامة، حيث قبل عشر سنوات قام المسؤول عن الصفحة الثقافية في صحيفة «تشرين» الحكومية السورية، بتوقيف مقال لصاحب هذه الأسطر؛ لأنه ذكر عن وزير عثماني (يوسف الحكيم)؛ لأن علاقاتنا مع الشقيقة تركيا أصبحت أفضل حالٍ، ولا يناسب نشر مقال قد يذكر لفظ يعيدنا إلى تلك الحقبة «حسب تعبير ذلك المسؤول»، واليوم أحد محافظي سوريا الحاليين سمعته يخطب ويقول منذ شهور: (عن الكيانين الصهيوني والتركي).
أما لجهة القانون فيوجد اعتراف بحدود كلا الكيانين (الصهيوني والتركي) ضمنياً وعلنياً خلال مواثيق دولية.
حتى معاهدات السلام تختلف عن التطبيع؛ لأن الأولى علاقة بين الشعوب، في حين أن التطبيع صلة بين مؤسسات حكومية. التطبيع ليس خشبة خلاص مشاكل أهل المنطقة، حيث قد يشكل مشكلة كبرى. بالعكس تماماً، ليس من الحكمة الذهاب إلى دولة محتلة والطرف الأول هو ملوّث بالوحول لهذه الدرجة.
أن تذهب للتفاوض صغيراً؛ لأنك خاسر لن تربح، وإن ذهبت قوياً فقد ترفض أو تفرض الشروط التي تريدها. قد يعتقد بعضهم بنسقهم السياسي تحت الضغط.
التطبيع إذاً ليس موضوعاً وجودياً وحسب بل هو سياسي وقانوني وقضائي. هو وسيلة لتحقيق غايات، وقد يكون الهدف، يفترض دراسته كـnormalization يوسم العلاقات شكلها الطبيعي normal.

* محامٍ وباحث سوري

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا