انطلقت أعمال مؤتمر «متحدون ضد التطبيع» عبر منصّة زوم الإلكترونية يوم السبت 20 فبراير 2021، وامتدّت على مدار يومين في ثماني جلسات، حيث شارك في المؤتمر ما يزيد على 550 مشاركاً ومشاركة، إضافة إلى الآلاف من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي من مختلف الأقطار العربية والمهاجر، بدعوة من المؤتمرات العربية الثلاثة: المؤتمر القومي العربي، المؤتمر القومي الإسلامي، المؤتمر العام للأحزاب العربية، وكذلك: مؤسسة القدس الدولية، والجبهة العربية التقدمية، واللقاء اليساري العربي، يجمعهم هدفٌ واحد هو عدم الاستسلام بدعوى الواقعيّة والموضوعيّة، ومقاومة التطبيع الذي هو صك استسلام وتسليم للكيان الصهيوني بأنّ له الحق في أرض فلسطين، وفي بناء المستوطنات وتهجير الفلسطينيين أصحاب الأرض، وتدمير القرى والمدارس والأشجار، وتبييض الوجه البشع للصهيونية والعنصرية: فكلّ نصرٍ حققه العدو الصهيوني يبقى ناقصاً ما لم يُختم بالتطبيع على جميع الأصعدة.التطبيع هو الركن الأساس للسيطرة الإسرائيلية، إذ يجعل منه الكيان الصهيوني أهمّ أركان استراتيجيته التي ينتزع بواسطتها مصالحه بالتدرّج. وهو من أخطر المعارك بالنسبة لنا نحن العرب، لأنه تهديد استراتيجي هدفه تصفية القضية الفلسطينية، وتفكيك الدول والبلدان العربية على أسس قبلية وطائفية وإثنية، ليصبح الكيان المركز وأقوى قوّة إقليمية، وعبره يروم التأسيس لمرحلة الحصول على الشرعية والاعتراف بالرواية الصهيونية، وزرعها في عقول الشباب العربي، باختراق الجانب المعنوي والنفسي وضرب مناعتهما عن طريق التطبيع التربوي والثقافي -وجوهره تشكيل القيم بالمفهوم الصهيوني، وغايته أنسنة الكيان الغاصب، وإخضاع العقل العربي للاستسلام- «بنزع الأمل منه وفرض حقيقته عليه»، كما جاء في ورقة التطبيع الثقافي والإعلامي. وخلق صورة ذهنية لكيان متطوّر تقنياً وعلمياً وديموقراطياً كما يروّج لها إعلاميّاً في حاضرنا اليوم. ومعلوم أن احتلال القلوب والعقول أقوى وأصعب من احتلال المواقع الاستراتيجية. وإذا نجح العدو في إخراج فلسطين -القضية المركزية- من ذاكرة العرب فلا عروبة، وإذا نجح التطبيع فهو تطويع وتتبيع وهزيمة واستسلام، فعلى الأمة السلام.
والحضور المكثّف الذي شهده المؤتمر، من المحيط إلى الخليج، تعبير عن الموقف الشعبي الرافض للتطبيع كيفما كان نوعه وكيفما كانت طبيعته. وإذا كان الفكر التطبيعي قد تمكّن من غزو نفوس بعض النخب، فإنّ الشعوب تبقى القلاع المحصّنة والضغط الفعال في مواجهة كل اختراق ومحاولاته، وخيارها هو الوحدة والمقاومة حتى دحر المحتل الغاصب لأرضنا وتاريخنا، فالصراع معه صراع تاريخي، والقول فيه للشعوب لا للأنظمة.

والغاية من انعقاد المؤتمر - في ظروف عربية تتّسم بالتردّي الرسمي المتناقض مع متطلبات الشعوب - هي مواجهة هذا الواقع الاستثنائي بمساره الطويل، ويُراد له أن يُختم بالتطبيع الذي هو مخرج من مخرجات صفقة القرن، وجزء لا يتجزأ من حلقات سلسلتها: من صفقة القرن إلى خطة الضم إلى التطبيع الرسمي مع بعض الدول (الإمارات، البحرين، السودان، المغرب) الذي يتناقض مع مصالح الشعوب ولا يملك مشروعيتها، علماً أن الكثير من الأنظمة العربية، الخليجية بالأخص، كانت تنسق مع الكيان من خلال المؤتمرات واللقاءات والزيارت والوفود ومكاتب الاتصال، وتمارس الضغوط على الفلسطينيين؛ فالزعامات العربية تحكم شعوبها عن طريق تقديم التنازلات في القضايا العربية والمصيرية، خدمة لأميركا والكيان الصهيوني على حسابها، بتبريرات أظهر الواقع انعدام جدواها (التبرير الاقتصادي يُظهر أن اتفاقيات «أوسلو» كرست تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الصهيوني، فيما لم يحقّق التطبيع بعد معاهدتَي «كامب دايفيد» في مصر، و«وادي عربة» في الأردن، أية مكاسب اقتصادية للبلدين بقدر ما تسبّب بأضرار على المجتمعين).
نحن إذاً أمام عملية ليست كسابقاتها - فقد تنبّه العدو الصهيوني أن التطبيع على مستوى الحكومات لا يحقّق الهدف المنشود - بل عملية تضرب الأسس التي يقوم عليها الوجود العربي، طابعها الانحياز التام وخلق علاقات صداقة وتعاون بل تحالف مع الكيان المغتصب على مختلف الصعد لاختراق النسيج الاجتماعي؛ سياسياً واقتصادياً وثقافياً وتربوياً واجتماعياً وصناعياً وعسكرياً ورياضياً وإعلامياً (...) حفاظاً على أمنه، لإعادة رسم خريطة المنطقة وخلق دينامية دمجه ومنحه شرعية الوجود وموقع الراعي والقائد، مع العلم أن الشرائع السماوية والقوانين الدولية تحرم التعاون مع المحتل، فما بالك بالتحالف معه. فالتطبيع تصفية للقضية الفلسطينية وإقامة دولتها واقتلاع شعبها من أرضه وتوطينه خارجها، وليست القضية وحدها المستهدفة بل الأمة العربية والإسلامية، لأن للكيان أطماعاً بعيدة المدى في ما يتعلّق بالأرض العربية. وهو تحالف مع الاحتلال الصهيو-أميركي لضرب الأمة، ولا وجود لشيء اسمه «ديانة ابراهيم»، هذا افتعال وهمي لإيصال سلطات الاحتلال إلى المسجد الأقصى، فإسرائيل وأميركا تقفان على أرضية واحدة، لأن الأهداف مشتركة والاستراتيجيات متناغمة للهيمنة والوصاية على المنطقة العربية وغنى ثرواتها، والدول المتحالفة لا تُدرك خطورة هذا الطرح، وخطورة التضحية بالقضية.
طرح المؤتمر الذي امتدّت أعماله على مدى يومين كاملين وبجلساته الثماني الأسئلة المركزية حول التطبيع، وصاغ مجموعة من الأجوبة لمختلف الرهانات الفلسطينية والعربية. وقد كانت جلسات المؤتمر كالآتي:

اليوم الأول: تضمن ثلاث جلسات

الجلسة الأولى: ترأسها رئيس المؤتمر الأستاذ خالد السفياني (المغرب) المنسق العام للمؤتمر القومي – الإسلامي
في هذه الجلسة تحدث أكثر من عشرين شخصية مثلوا حركات المقاومة في فلسطين ولبنان، كما الأحزاب والمؤتمرات والاتحادات والمؤسسات والمرجعيات الدينية، الإسلامية والمسيحية، في عالمنا العربي، وكثير من هيئات مناهضة التطبيع، وممثلون عن جل ألوان الطيف السياسي والعقدي والفكري الناشطة في معظم الأقطار العربية. وقد ركز المتحدثون في كلماتهم على خطورة التطبيع، وعلى أهمية انخراط القوى الحية في الأمة وأحرار العالم ضد اتفاقيات التطبيع، ومقاومتها حتى تحرير الأرض واسترجاع الحقوق.
وبسبب استمرار وقت الجلسة الأولى لمدة أطول من المقرر لها، فقد اقترح رئيس الجلسة الثانية الأستاذ بشارة مرهج (لبنان) رئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية والنائب والوزير السابق ضم الجلستين الثانية والثالثة.

الجلستان الثانية والثالثة: ترأسهما الأستاذ محمد أحمد البشير (الأردن) عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، تضمنت الجلسة ثلاث أوراق، ثم تبعتها مناقشة عامة.
الورقة الأولى للدكتور عصام نعمان (لبنان) رئيس الحركة الوطنية للتغيير الديمقراطي والنائب والوزير السابق، وهي بعنوان «التطبيع: المواجهة والتحدي.. مقاربة متكاملة»، وتحدث فيها حول كيفية وأهمية ترسيم رؤية استراتيجية متكاملة ومنهجية في مقاومة التطبيع، تنطوي على مناهج وآليات ووسائل نظرية وعملية في جميع ميادين المواجهة؛ السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والعسكرية، على أن يكون ذلك انطلاقاً من الفهم الصحيح للأهداف الاستراتيجية للحركة الصهيونية وحلفائها.
الورقة الثانية للأستاذ منير شفيق (فلسطين) رئيس الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، وهي بعنوان «التطبيع: الواقع والمواجهة على المستوى السياسي»، وقد أوضح فيها كيف أن موجة التطبيع الحالية تختلف استراتيجياً عن حالات التطبيع السابقة، فما جرى من اتفاقات في عهد دونالد ترامب – نتنياهو كان تحالفاً مع الكيان الصهيوني، وانحيازاً إلى الموقف الصهيوني، وتنازلاً كاملاً عن الحقوق الثابتة للقضية الفلسطينية؛ فلسطينياً وعربياً وإسلامياً، أُريدَ منها أن تكون إنهاءً لأي خلاف عربي - إسلامي مع الكيان الصهيوني، إلّا أنها ولدت مسخاً بولادة قيصرية، ومضت متعثرة معزولة تمشي على أرجل خشبية، وذلك لتعارضها مع الحق الفلسطيني الثابت وإرادة الشعوب الحرة والمزاج الدولي، إضافة إلى الظروف الداخلية للطرفين المتصدرين لها (ترامب ونتنياهو) وما يعانيان من ضعف داخلي تُوّج بسقوط دونالد ترامب المدوي في أميركا، وما تبعه من تغيّر في الأولويات الخارجية والدولية لأميركا، كل ذلك أدى إلى كسر موجة التطبيع المذكورة، ولعل هذه الظروف تشكل فرصة أمام الفلسطينيين بإطلاق المقاومة الشعبية، لتتصاعد إلى مستوى الانتفاضة والعصيان المدني طويلي النفس حتى دحر الاحتلال وتفكّك المستوطنات بلا قيدٍ أو شرط.
الورقة الثالثة للدكتور زياد حافظ (لبنان) الاقتصادي والأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي، وهي بعنوان «التطبيع: الواقع والمواجهة على المستوى الاقتصادي»، وقد أوضح فيها كيف أن اتفاقيات التطبيع السابقة لم تؤدِّ إلى تحسين المشهد الاقتصادي للدول التي أقدمت على تلك الخطوة، مثل الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية، وبالتالي فإن الدول المطبعة مؤخراً ورغم محاولات تسويق سردية تبرز الفوائد الاقتصادية التي قد تنجم عن اتفاقات التطبيع، ستحصل في النهاية على نتائج مشابهة لتلك الدول التي سبقت، وإن العدو الإسرائيلي هو المستفيد الأكبر من هذه الاتفاقيات. كما أشارت الورقة في جانب المواجهة إلى أن المقاومة الشعبية ضرورة لمواجهة التطبيع، كما أنها فعّالة إذا ما توافرت الإرادة التي تستطيع تجاوز العقبات اللوجستية، إضافة إلى ضرورة إنشاء صندوق شعبي عربي لدعم الصمود الفلسطيني في مقاطعة المنتجات الصهيونية والانكفاء عن العمل في اقتصاد الكيان.

اليوم الثاني: تضمن خمس جلسات

الجلسة الرابعة: ترأسها العميد الركن المتقاعد د. محمد عباس (لبنان)، تضمنت ورقة واحدة ثم تبعتها مناقشة عامة.
قدم الورقة العميد المتقاعد الدكتور أمين حطيط (لبنان)، وهي بعنوان «التطبيع: الواقع والمواجهة على المستوى العسكري والأمني»، وقد عالجت الورقة واقع التطبيع على المستويين الأمني والعسكري، وكيفية مواجهته درءاً لأخطاره وتعطيلاً للأهداف التي رمى إليها أصحابه من خلال العمل به والحض عليه. ففي جانب انعكاس التطبيع على الواقع الأمني والعسكري، أوضحت الورقة كيف أن إحدى النتائج المباشرة والآنية للتطبيع تكمن في خروج الدول المتصالحة مع الكيان الإسرائيلي من ميدان الصراع مع العدو، وتجميد موقعها في اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وإسقاط مصطلح دول الطوق، إضافة إلى تعزيز التنسيق الأمني والمعلن مع العدو الإسرائيلي. وأن المخاطر المرتقبة والمستقبلية تتمثل بخطر التغيير في العقيدة العسكرية للجيوش العربية، يصل إلى حد إنشاء أحلاف عسكرية مع كيان الاحتلال، وإقامة قواعد عسكرية له في هذه الدول. إضافة إلى ذلك فإن كيان الاحتلال سيجد في الدول العربية المطبعة سوقاً للسلاح يوفر له الملايين من الدولارات التي يحتاج إليها من جهة، كما سيفتح المجال أمامه للتحكم بتنظيم تلك الجيوش وتسليحها مع ما يستتبع ذلك من سيطرة إسرائيلية على تلك الجيوش، واستعمالها خدمة للمصلحة العسكرية الإسرائيلية ضد الأمن القومي العربي والإسلامي. وفي جانب مواجهة مخاطر التطبيع على المستوى العسكري والأمني أشارت الورقة إلى أهمية وكيفية اعتماد استراتيجية مواجهة تقوم على منع تحقق تلك المخاطر أولاً، وإعداد القوة لمواجهتها إن وقعت ثانياً.

الجلسة الخامسة: ترأسها الأستاذ عمر زين (لبنان) الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب، تضمنت ورقة واحدة، ثم تبعتها مناقشة عامة.
قدم الدكتور عبد الرحيم الجامعي (المغرب) نقيب المحامين سابقاً، وأحد الشخصيات المغربية التي تقدمت بدعوى قضائية للطعن في قرار الحكومة في المغرب بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، ورفعها المنسق العام للمؤتمر القومي – الإسلامي الأستاذ خالد السفياني طعناً لدى محكمة النقض في الرباط، ووقع عليها إضافة إلى السفياني والجامعي كل من النقيب عبد الرحمن بنعمرو والمحاميين مهدي السفياني والعربي فندي، ووجه المؤتمرون تحية لهم.
قدم المحاضر النقيب الجامعي ورقته بعنوان «التطبيع: الواقع والمواجهة على المستوى الثقافي والحقوقي»، وقد أوضح فيها أهمية الجانب الحقوقي والقانوني في مقاومة ومحاصرة الاحتلال الذي يرتكب أبشع الجرائم علناً أمام العالم أجمع، منتهكاً بشكلٍ فاضح القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان، وقد صدرت بحقه عشرات قرارات الإدانة والتجريم من مجلس الأمن ومن الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأمام ما تتيحه المادة 34 وما بعدها من نظام المحكمة الجنائية الدولية لإمكانية الملاحقة والمطالبة بالاعتقال والمحاكمة لمرتكبي الجرائم دولاً كانوا أم أفراداً، فإنه يتعين علينا توسيع التحالفات مع الأطراف التي يُسمح لها بتقديم الشكاوى. كما أشارت الورقة إلى ضرورة استخدام القضاء في التصدّي للتطبيع، من خلال وضع مشاريع قوانين تجرّم التطبيع، وتنظيم الفعاليات القانونية والحقوقية القطرية في إطار محاكمات رمزية ضد التطبيع.

الجلسة السادسة: ترأستها الدكتورة لونا أبو سويرح (فلسطين) المديرة العامة لمركز دراسات الوحدة العربية، وتضمنت الجلسة ثلاث أوراق، ثم تبعتها مناقشة عامة.
قدم الورقة الأولى الدكتور خلف المفتاح (سوريا) مدير عام مؤسسة القدس الدولية في سورية، وهي بعنوان «التطبيع: الواقع والمواجهة على المستوى الإعلامي والثقافي»، وقد أشار فيها إلى أن الفشل في التطبيع عبر البوابات السياسية والاقتصادية والإكراه السياسي والضغط والابتزاز من قِبل الأنظمة الخليجية هو الذي دفع بالعدو الصهيوني وأعوانه للدفع باتجاه البوابات الثقافية والتربوية والقوة الناعمة لإحداث اختراق ما في المجتمعات العربية والإسلامية. وأمام أهمية التصدي لهذه المحاولات طرحت الورقة خطوات عملية للتصدي لتلك المحاولات، إضافة إلى التأكيد على دور النخب والمنظومات الفكرية والثقافية والإعلامية والتربوية، والمنابر الدينية في المقاطعة الشعبية لكل منتج صهيوني إضافة إلى تعرية أي حاكم عربي يتبنّى مثل هذه سياسات تجعله معزولاً شعبياً وفاقداً للشرعية.
قدم الورقة الثانية الدكتور محمد السعيد إدريس (مصر) مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية، وعضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي سابقاً، وهي بعنوان «التطبيع: الواقع والمواجهة على المستوى النفسي والثقافي»، وقد أشارت الورقة إلى مدى هشاشة المرتكزات النفسية - الثقافية التي تأسّس عليها هذا الكيان، باعتباره كياناً جرى تصنيعه معملياً في مراكز بحوث الحركة الصهيونية العالمية ومؤسساتها، وأن أحد أهم الأسلحة التي وظفها الكيان لإنجاح مشروع الصهيونية هي تخليق صورة ذهنية عند اليهود في شتاتهم أولاً حول أرض الميعاد، امتداداً إلى تخليق صورة ذهنية عند غير اليهود، خاصة في الدول التي اعتقدوا أنها تملك قدرات تساعد على إنشاء الدولة اليهودية وتثبيت وجودها، خاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا في أوروبا، ثم الولايات المتحدة، ومنها إلى كل العالم. تخليق هذه الصورة الذهنية للكيان الصهيوني استوجب معه معركة «غسل السمعة الرديئة» للنشأة الإجرامية لهذا الكيان داخلياً ودولياً، والتي تزامنت معها معركة أخرى لا تقلّ ضراوة عنها؛ هي معركة «اقتلاع الأمل» الفلسطيني نهائيّاً في العودة إلى فلسطين من العقل الفلسطيني والعربي، وإجباره على نسيان كل الجرائم التى ارتُكبت بحق الشعب الفلسطيني وبحق الشعب العربي. ولأجل كسب هذه المعركة كان التطبيع المعنوي «النفسي - الثقافي»، فهو بالنسبة لهم التطبيع الذي يمكن أن يؤدي إلى ترسيخ كل أشكال التطبيع الأخرى وإبقائها في أمان.
والمعنى المباشر للتطبيع المعنوي «الثقافي - النفسي» هو «كسر الحاجز النفسي» والقفز فوقه والانخراط في علاقات قبول ثقافي مع الكيان الصهيوني. فالمعركة التي يعتزم العدو الإسرائيلي خوضها في السنوات القليلة المقبلة لفرض كيان الاحتلال «دولة طبيعية» على أرض فلسطين ستكون أهم المعارك. معركة من هذا النوع وبهذا المستوى يجب على الشعب الفلسطيني وكل الشعب العربي خوضها على مستويين؛ الأول يتعلق بمواجهة وإفشال المخطط «الإسرائيلي» لاقتناص «الشرعية الإقليمية» باعتراف فلسطيني وعربي ناتج عن حالة القهر القسري الذي يتعرض له المواطن العربي والفلسطيني. أما المستوى الثاني، وهو الأهم، فباستعادة النضال العربي لتفعيل المشروع العربي كي يتمكّن من الانتصار على المشروع الصهيوني، أي العودة بالصراع إلى جذوره الحقيقية.
قدم الورقة الثالثة الدكتور محمد ياسر عمرو (فلسطين) التربوي ومدير الأكاديمية لدراسات اللاجئين، وهي بعنوان «التطبيع: الواقع والمواجهة على المستوى التربوي»، وقد أوضح فيها أبرز مخاطر التطبيع على المستوى التربوي المتمثلة في إغراء العقول العربية الشابة واستقطابها للعمل في الجامعات ومراكز البحث الصهيونية، والذي قد يكون مدخلاً إلى تصفية العقول الرافضة للتطبيع وللكيان الصهيوني وبث الأفكار الصهيونية لدى الشباب العربي، إضافة إلى إمكانية العبث في مناهج التعليم والتاريخ. وأمام هذه المخاطر تؤكد الورقة أنه لا بدّ من الوقوف في وجه التطبيع على المستوى التربوي، ومقاطعة المؤسسات التعليمية الصهيوينة، وبدل التبرير بتميُّز جامعاتهم وأكاديمييهم ومؤسساتهم التعليمية يجب على دولنا العمل على تطوير المستويات التعليمية والتربوية لديها لا التطبيع مع الاحتلال.
كما أشارت الورقة إلى مدى مساهمة الجامعات الصهيونية في الإرهاب وتورطها بشكل مقصود ومستمر وممنهج في نظام الاحتلال والاستعمار-الاستيطاني والفصل العنصري (الأبارتهايد) الصهيوني، وتأديتها دوراً محوريّاً في تطوير أسلحة وأنظمة عسكرية تُستخدم في العدوان الصهيوني المتكرّر على الشعبين اللبناني والفلسطيني، إضافة إلى دورها الكبير في تبرير الاستعمار المستمر للأراضي الفلسطينية وتشريع التطهير العرقي التدريجي للفلسطينيين، وإعطاء تبرير «أخلاقي» للقتل خارج القانون.

الجلسة السابعة: ترأستها المهندسة رزان أكرم زعيتر (الأردن) رئيسة الشبكة العالمية للسيادة على الغذاء ومؤسسة وعضو في مجلس إدارة الجمعية العربية لحماية الطبيعة، تضمنت ورقة واحدة، ثم عرض عدد من التجارب في مقاومة التطبيع، وبعدها مناقشة عامة.
قدم الورقة الأستاذ معن بشور (لبنان) المفكر والأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي، وهي بعنوان «التطبيع: الواقع والمواجهة على المستوى الشعبي»، وقد استعرض فيها الموجات والمراحل التي مرت بها مسيرة التطبيع مع الكيان الصهيوني في بلادنا، ابتداءً من مراحل التطبيع الأولى في البلاد التي وقّع حكامها اتفاقات تطبيع مع العدو، سواء في مصر أو الأردن أو فلسطين. إلى الموجة الثانية التي جربت بعد غزو لبنان واحتلال أجزاء واسعة من أراضيه عام 1982، في محاولة لإدخال لبنان نفق التطبيع المظلم مع العدو. ثم مع الموجة الثالثة التي رافقت اتفاقي أوسلو (1993) مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ووادي عربة (1994) مع الحكومة الأردنية، وأرادت أن تنقل التطبيع إلى الوطن العربي كله تنفيذاً لرؤية شيمون بيريز حول «الشرق الأوسط الجديد»، وتمثلت تلك المحاولة بفتح مكاتب اتصال للعدو في عدد من العواصم العربية، في المغرب والخليج، وفي عقد مؤتمرات «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» التي انعقدت في القاهرة وعمان والدار البيضاء منذ عام 1993، ثم الموجة التالية كانت من خلال محاولات متناثرة جرت على مستويات غير سياسية (فنية، ثقافية، إعلامية، رياضية، اجتماعية) من أجل فتح ثقوب في جدار المقاطعة الشعبية العربية، وصولاً إلى الموجة الراهنة. نلاحظ في كل تلك الموجات أن السد الرئيس في مواجهتها كان، وما يزال، في الحركة الشعبية المواجهة للتطبيع المستندة إلى إرادة المقاومة وحركتها في الأمة، والتي كانت ثمرة جهود مشتركة من معظم القوى والتيارات والاتجاهات الفكرية والسياسية في الأمة التي باجتماعها تتعزز وحدة الأمة وقدراتها، وبتشرذمها يتسلل الأعداء ومخططاتهم، وفي مقدمها التطبيع، إلى قلب النسيج العربي.
وقدمت الورقة عدداً من المقترحات لمواجهة الموجة الراهنة من التطبيع، سواء عبر القوى الوطنية والإسلامية في فلسطين، أو على مستوى الأمة وأحرار العالم، ومن أبرزها اقتراح إطار تنسيقي عربي جامع لمناهضة التطبيع ومقاومة المشروع الصهيوني، وإطلاق ورش متخصصة حول الجوانب المتعددة لمناهضة التطبيع (سياسية، دفاعية، برلمانية، اقتصادية، نقابية، ثقافية، إعلامية، نفسية، تربوية، رياضية)، وتوسيع آليات التواصل مع شباب الأمّة وتطويرها.
ثم تعاقب على المنصة عدد من الشخصيات عرضت لتجارب مقاومة التطبيع في عدد من الأقطار العربية، وهم كالآتي:
فلسطين: 1- الدكتور مصطفى البرغوثي (فلسطين) منسق حزب المبادرة الوطنية الفلسطينية. 2- الدكتور جمال عمرو (فلسطين) ناشط وباحث في الشأن المقدسي.
مصر: الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة.
الأردن: الدكتور أحمد العرموطي رئيس اللجنة التنفيذية العليا لحماية الوطن ومقاومة التطبيع، نقيب الأطباء سابقاً.
المغرب: الدكتور أحمد ويحمان رئيس المرصد الوطني لمناهضة التطبيع في المغرب.
أقطار الخليج: الأستاذ رضي الموسوي الأمين العام السابق لجمعية وعد.
السودان: الدكتور عثمان الكباشي رئيس القوى الشعبية السودانية لمناهضة التطبيع – قاوم.
لبنان: الأستاذ عباس قدوح معاون مسؤول وحدة العلاقات العربية في حزب الله.
موريتانيا: الدكتور محمد الأمين الناتي رئيس المرصد الموريتاني لمناهضة التطبيع.

الجلسة الثامنة والأخيرة: ترأسها رئيس المؤتمر الأستاذ خالد السفياني، اختتم المؤتمر باقتراحات عملية من المشاركين في المؤتمر لمقاومة التطبيع.

وقد خلص المؤتمر إلى التوصيات الآتية:

أولاً: على المستوى الفلسطيني
- دعوة الفصائل الفلسطينية إلى جمع صفوفها وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وبناء إستراتيجية وطنية تزاوج بين العمل السياسي وخيار المقاومة والانتفاضة لتحرير الأرض والتمسك بالثوابت والحقوق، وفي مقدمتها تحرير كامل أراضي فلسطين التاريخية، وعودة اللاجئين إلى أراضيهم، والقدس عاصمة موحّدة لفلسطين.
- ضرورة إشراك الشعب الفلسطيني في الشتات في المقاومة.
- الدعوة إلى وحدة فصائل المقاومة وجبهاتها المفتوحة للمواجهة إقليميّاً ودوليّاً.
- إيقاف عمل لجنة التواصل والتنسيق الأمني مع العدو الصهيوني، لأنها تشكل عامل ضعف للموقف الفلسطيني والعربي.
- الثبات على موقف المواجهة مع الاحتلال، باعتباره عدواً وكياناً مغتصباً للأرض والحق الفلسطيني، وليس جاراً، ويستحيل أن يتحول إلى حليف.
- يجب عدم المراهنة على الإدارة الأميركية الحالية ولا على حكومات الغرب التي ساهمت أصلاً في خلق الكيان الصهيوني في قلب الجغرافيا العربية.
- يجب التأكيد والمراهنة على محور المقاومة كعنصر استراتيجي في مواجهة العدو ومواجهة التطبيع.
- الدعوة إلى إعلان «يوم فلسطين» إلى جانب «يوم القدس العالمي»، تحت شعار «فلسطين أرضنا والقدس عاصمتنا».

ثانياً: على المستوى العربي والدولي
- يجب على الأقطار العربية كافة الالتزام بمركزية القضية الفلسطينية، وإبقائها حية بكل الوسائل.
- تحشيد الدعم العربي للمقاومة ولأهلنا في فلسطين، وبناء جسور بين مكونات الأمّة لتأسيس الكتلة التاريخية.
- إن جميع الدول العربية أمام عدو محتل للأرض والتاريخ، ووجه من أوجه الصراع الحضاري، وكل تطبيع معه خيانة لدماء شهدائنا.
- العمل على كسر كل حصار على أية دولة عربية أو إسلامية ومجابهته.
- إن أي اشتباك عسكري ستكون منطقتنا جزءاً منه، وسيعرّض أمننا القومي العربي للخطر.
- التأكيد على أن التطبيع خيار الأنظمة، وهو مرفوض، لا خيار الشعوب العربية الصامدة في وجهه.
- إن التطبيع الحالي عدوان على الأمة، ويمهّد لاختراق الجيوش العربية.
- التأكيد على هشاشة الكيان، ولا حياة له بدون الحماية الأميركية والغربية.
- يجب نبذ الصراعات البينية والطائفية والمذهبية والإثنية، لأن الجميع مستهدف.
- يجب الانتقال إلى العمل العربي المشترك، لمواجهة موجة التطبيع الخطيرة الراهنة.
- ضرورة التواصل مع شعوب الدول الغربية المنحازة إلى العدالة لفلسطين.
- الحذر من نقل الصراع مع العدو إلى الصراع مع إيران ودول الجوار.

ثالثاً: اقتراحات عملية
- ضرورة مأسسة مؤتمر «متحدون ضد التطبيع» كهيئة تمثيلية جامعة للقوى الحية في الأمة يُعقد دوريّاً وحين تدعو الحاجة، لترسيخ مسار مقاومة التطبيع والمطبّعين.
- الدعوة إلى تفعيل مكتب المقاطعة العربية ومقره دمشق.
- الدعوة إلى إنشاء هيئة شعبية تنسيقية عربية لمقاومة التطبيع، وخلق التواصل بهيئة المقاومة العالمية لتكثيف الأنشطة.
-السعي. لتنظيم يوم عربي ودولي لمناهضة التطبيع يتضمن فعاليات شعبية وثقافية وإعلامية وفنية على مستوى الأمة العربية والإسلامية والمغتربات
- الدعوة إلى إنشاء هيئات عربية لمقاومة التطبيع في جميع الأقطار، للعمل على مقاطعة المنتجات الصهيونية، ووضع البرامج لمواجهة التطبيع، على كل المستويات، في أقطارها، والتواصل مع المراصد والهيئات القائمة لتحقيق ذلك.
- تعبئة الطاقات الشعبية: وهي مسؤولية جمعيات المجتمع المدني والأحزاب والنقابات، والاعتماد على المقاومة الشعبية للتطبيع في إفشال جميع الاتفاقيات، وضرورة تفعليها في المساجد والكنائس والملاعب الرياضية والأسواق الأسبوعية...
- العمل على تفعيل مقاطعة منتجات الكيان الصهيوني ومستعمراته في الأقطار العربية المطبعة، ومن قبل العرب والداعمين للقضية الفلسطينية في الدول الغربية.
- الدعوة إلى توقيع وثيقة ضد التطبيع توجه إلى جميع الأنظمة العربية، وإطلاق ميثاق شرف يجرّم المطبعين ويدعو إلى مقاطعتهم وشن حملات إعلامية ضدهم.
- البحث من خلال مراكز الدراسات عن مناهج وطرق جديدة للمقاومة وتفعيل قواها ضد الهيمنة الغربية، ووضع رؤية استراتيجية متكاملة بآليات نظرية وعملية لتحدي التطبيع.
- تنشيط الاتحادات والنقابات المهنية والبرلمانية والمنظمات الشبابية والنسائية وعقد ملتقيات مناهضة ومتخصصة تتناول سبل مناهضة التطبيع في المجالات كافة.
- التحرك في واجهة العدالة وواجهة حقوق الإنسان بمساراتها المتعددة لملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة (المحكمة الجنائية الدولية، الجمعية العامة للأمم المتحدة..).
- استثمار المواد القانونية التي تمنع الاتصال والتواصل مع العدو الصهيوني (مواد في قوانين الجمارك).
- العمل على إصدار قانون تجريم التطبيع من داخل قبة البرلمانات.
- مناهضة التطبيع الإعلامي باعتباره نافذة لعبور الاحتلال إلى الشعوب العربية.
- إنشاء فضاء إعلامي مقاوم للتطبيع والاهتمام بالإعلام الرقمي والفضاءات الإلكترونية.
- دعوة الفضائيات إلى الاهتمام بأخبار أهلنا في فلسطين وحركة مناهضة التطبيع ونضالاتهم.
- تعزيز ثقافة المقاومة ونشر الفكر المقاوم عبر الاهتمام بأدب المقاومة وما أكثره.
- العمل على تنظيم ملتقى تربوي لمناهضة التطبيع، من أجل إطلاق حملة مقاومة التطبيع التربوية.
- العمل على تعميم الرواية الفلسطينية الحقيقية في وجه الرواية الصهيونية، عبر السعي لإدخال مادة تعليمية حول فلسطين في مناهج التعليم المدرسية للمراحل كافة.
- الاستفادة مما توفره التكنولوجيا لتعزيز التواصل بين الأجيال الجديدة في فلسطين والأقطار العربية والمهاجر، وعبر توأمة مدارس رسمية وخاصة في الدول العربية ومثيلاتها في فلسطين.
- دعوة المنظمات التربوية، الإقليمية والدولية، كالأونيسكو والألكسو والأسكوا، للتعاون مع نقابات المعلمين في فلسطين والوطن العربي، من أجل وضع برنامج لتوفير الدعم العلمي والتربوي للمدارس في الأراضي المحتلة، وبكل الوسائط المتاحة.
- التواصل مع كل الهيئات العربية والدولية للمقاطعة ومناهضة التطبيع ودعم فعالياتها، وعلى رأسها منظمة (B.D.S) التي حققت نجاحات مميّزة في عملها، ما جعل الحكومات المنحازة للكيان الصهيوني تتخذ إجراءات لملاحقة أعضائها والناشطين فيها في دول الغرب.
ختاماً: لا تزال فلسطين القضية الجامعة للأمة، ولا تزال جذوة التمسك بالمقاومة متّقدة، ولا يحق تبرير التطبيع بأي شكل من الأشكال، والجميع ملتزم بمسيرة النضال حتى النصر.

* وثيقة صادرة عن المؤتمر العربي العام «متحدون ضد التطبيع» في 20 و21 شباط/ فبراير 2021

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا