جرت يوم السبت في 27 شباط 2021 انتخابات لاختيار أعضاء الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرّغين في الجامعة اللبنانية. وقد تنافست فيها بشكل أساسي لائحتان، واحدة شكّلها تحالف من أحزاب السلطة وأخرى شكّلتها مجموعة من الأساتذة أطلقوا على أنفسهم اسم «جامعيون مستقلون»، بالإضافة إلى عدد قليل من المرشحين المنفردين.تضم رابطة الأساتذة المتفرّغين 159 مندوباً، اقترع منهم 146 مندوباً، وهي نسبة عالية. وقد أتت النتيجة لمصلحة لائحة الأحزاب التي فاز أعضاؤها الاثنا عشر بالكامل بالإضافة إلى ثلاثة أعضاء من اللائحة المنافسة، فازوا بمساعدة أصوات الحزبيين الذين صوّتوا لهم ضماناً لوصول مسيحيين إلى الهيئة التنفيذية حفاظاً على الميثاقية.
أما بدراسة نسبة الأصوات التي حصلت عليها اللائحتان، فقد حصل الأول في لائحة الأحزاب على 104 أصوات، والأخير على اللائحة نفسها أي في المرتبة الثانية عشرة على 76 صوتاً. في حين حصل الأول على اللائحة الأخرى على 57 صوتاً والأخير على 35 صوتاً. أما الثلاثة من لائحة «جامعيون مستقلون» الذين فازوا، فقد حصلوا بالتتالي على 86 و78 و62 صوتاً. مع الإشارة إلى أن المرشح من خارج اللائحتين قد حصل على 51 صوتاً.
لا بدّ من الإشارة أيضاً إلى أن حزبَي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر لم يشاركا ترشيحاً بل شاركا تصويتاً، وقد بينت النتائج أن أصوات مناصريهما قد صبّت بمعظمها للائحة الأحزاب.
بقراءة أولية لهذه النتائج يمكن لنا أن نستنتج ما يلي:
- أولاً: ما زالت الولاءات الحزبية أقوى من أي ولاء آخر، مع الإشارة إلى أن الأحزاب في لبنان هي أحزاب طائفية، وبالتالي فإن الولاءات الطائفية هي الأقوى والأعمق ولم يبلغ الوعي داخل المجتمع اللبناني درجة تمكننا من القول إن طبقة من المثقفين (التي يفترض أن يكون منها الأساتذة الجامعيون) قد غلّبت مصلحة الوطن (أو الجامعة كما يُفترض هنا) على مصلحة الطوائف. هذا يرسم لنا صورة عن حال المجتمع خارج الجامعة، وخاصة في الطبقات غير المثقّفة حيث تطغى حكماً وبصورة أقوى الولاءات الطائفية على غيرها من الاعتبارات.
- ثانياً: إن الأحزاب (الطائفية) قد أحكمت، خلال سنين طويلة، قبضتها على مصالح المواطنين، ووطّدت دعائم الزبائنية، وبشكل خاص داخل الجامعة اللبنانية. فدون دخول ملاك التعليم الجامعي والحصول على الأمان الوظيفي والمعيشي طريق طويلة يحتاج معظم الأساتذة خلالها إلى رضى الأحزاب. كذلك فإن هذه الأخيرة هي الممر الإلزامي للوصول إلى مناصب داخل الجامعة أو للحصول على امتيازات ومخصّصات. من هنا فإن الأصوات التي تنالها الأحزاب ليست بالضرورة أصوات أساتذة موالين لها بقدر ما هي لمحتاجين إلى دعمها للارتقاء الوظيفي داخل الجامعة. وهذا يعكس أيضاً حال المجتمع اللبناني بصورة عامة حيث كثير من المحازبين لا عقيدة لديهم سوى الانتماء الطائفي المتعصّب أو المصلحة المادية المرتبطة بالحزب.
- ثالثاً: إن هذه الانتخابات هي الأولى التي تخاض بعد انتفاضة 17 تشرين والأحداث التي تلتها. وقد أدّى انحراف بعض المشاركين في هذه الانتفاضة عن المطالب المعيشية المحقّة، بحيث استخدمتها أطراف سياسية (محلية وغير محلية) كستار للهجوم على أطراف أخرى، ولتحميل جهات دون أخرى مسؤولية الانهيار الذي وصل إليه البلد، إلى «نقزة» فئات لبنانية من أية جهة تحمل شعار «ثورة 17 تشرين». وبالتالي، كان هناك حذر عند بعض الأساتذة من الترشح مع «جامعيون مستقلون» أو حتى التصويت لهم، رغم الثقة ببعض المرشحين منهم. والدليل هو أن المرشح المستقل من خارج اللائحتين نال أصواتاً قريبة من أعلى الأصوات التي حصلت عليها لائحة «جامعيون مستقلون».
- رابعاً: إن الأحزاب كلّها تُتقن اللعبة السياسية جيداً وتعرف أن أي خرق يطاول أحدها سوف يكون ثقباً في المركب المشترك الذي به تقود البلد وتسوسه. تختلف داخله لكن لا تسمح لأيّ كان من خارجه بخرقه. لذلك فرغم امتناع الأحزاب المسيحية عن الترشح إلا أن أصوات مناصريها ذهبت للائحة أحزاب السلطة.
- خامساً: إن الأصوات التي نالها المستقلّون، مهما كان العنوان الذي اتخذوه لأنفسهم، هي مؤشر إلى وجود نواة لا يستهان بها من الذين يريدون الخروج من سيطرة الأحزاب بالرغم من كل الهيمنة التي تمارسها السلطة وأحزابها على الجامعة. وهي نواة إذا أثبتت استقلالها الفعلي وبعدها الحقيقي عن كل الأحزاب التي قادت البلد منذ عقود حتى اليوم، مرشّحة لتستقطب عدداً أكبر من الأساتذة ولتشكل تغييراً مهماً داخل الجامعة.

* أستاذة القانون العام في الجامعة اللبنانية



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا