يعكف عادةً ساكن البيت الأبيض الجديد في المئة يوم الأولى بعد تنصيبه على رسم الخطوط العريضة التي ستحكم سياسات إدارته خلال فترته الرئاسية، لكن يبدو أنه بات من الممكن تلمّس معالم استراتيجيات جو بايدن تجاه منطقة المشرق العربي، في قراءة أولية معتمدين بشكل رئيسي على ما أقدم عليه الأميركي أخيراً وتحركات بعض حلفائه الإقليميين، ولا سيما أن هذه المعطيات تتقاطع مع بعض المعلومات المتوافرة من مصادر مطلعة.لم تفلح إدارتا باراك أوباما ودونالد ترامب في حسم الحرب على سوريا لمصلحتَي الولايات المتحدة الأميركية وربيبها الكيان الصهيوني من الناحية الإستراتيجية، وحقّقت سوريا ومحور المقاومة عموماً إنجازات متتالية خلال السنوات الماضية، وبات نفوذ المحور في تصاعد على مساحة الإقليم بشكل عام، رغم العثرات في مواضع، وبطء الإنجازات في مواضع أخرى، وبدأ طريق طهران بيروت مروراً ببغداد ودمشق بالرسوخ رويداً رويداً، ويدرك الأميركي ما لهذا الأمر من تهديد على نفوذه، ليس من الناحية العسكرية وحسب، بل الأهم هو ما يتيحه ترسيخ هذا الخط لأطراف محور المقاومة من فرص تبادل اقتصادي وفرص إنمائية، ما يمثّل تحدياً جدياً لسياسات الضغوط الاقتصادية القصوى التي باتت تتَّبِعُها الولايات المتحدة الأميركية في ظل انحسار خيارات الانخراط العسكري المباشر لديها.
وكان من المتوقّع أن ينصرف الأميركي إلى التركيز على التحدّيين الصيني والروسي بناءً على اللهجة العدائية الأميركية المتصاعدة تجاه هاتين القوتين العظميين، لكن يظهر أن الأجنحة الصهيونية داخل الإدارة الأميركية نجحت فيوضع ملفات المنطقة - بما تمثّل من تحديات حقيقية للكيان الصهيوني - ضمن سلم أولويات إدارة جو بايدن الكثيرة.
تُعدّ زيادة ترابط الساحتين العراقية والسورية أحد إفرازات أحداث العشرية الأخيرة، حيث باتت تؤثر إحداهما على الأخرى بشكل مباشر، وبالتالي على عموم محور المقاومة، وكون الروسي حاضراً في الساحة السورية، وما لهذا الحضور من تأثير على هامش المناورة الأميركية في تلك الساحة، يبدو أن الأميركي يتجه إلى محاولة كسر حلقة التواصل بين أطراف محور المقاومة عبر إحداث تطورات على الساحة العراقية تصبّ في مصلحته، لكون هامش الحركة لديه في العراق أوسع، ونظراً إلى خصوبة الساحة العراقية بسبب التناقضات في الداخل العراقي، ويبدو أن الغارة الجوية الأميركية الأخيرة على فصائل الحشد الشعبي العراقي تأتي في سياق رسم ملامح المرحلة القادمة وفي سياق تحضير ساحة العمليات الأميركية، سيّما أن اختيار منطقة الحدود العراقية السورية لتنفيذ هذه الغارة له دلالاته، وكان لافتاً أيضاً ظهور رغد صدام حسين على قناة العربية المملوكة سعودياً في سلسلة حلقات تلفزيونية، ورفضها في تلك المقابلة استبعاد احتمالية أن يكون لها دور مستقبلي في العراق، ما يمكن قراءته كإشارة أخرى على وجود هكذا توجُّه لدى المحور الصهيوأميركي.
تشير المصادر المطّلعة إلى وجود خطة أميركية لإحداث بلبلة أمنية في الداخل العراقي، والقيام بعمليات تصفية لمفاصل فاعلة قريبة من محور المقاومة من خلال قوات خاصة وعمليات أمنية، أملاً في قلب التوازنات الحاكمة في العراق حالياً لمصلحة الأميركي، ونقله من موقع إلى آخر، ويرجّح أن يكون هذا بالتوافق مع شخصيات تشغل مناصب عليا في الحكومة العراقية الراهنة، وبرغم النفي الصادر عن وزارة الدفاع العراقية، فلقد كان لافتاً تصريح الناطق باسم البنتاغون جون كيربي عن تنسيق الغارة الجوية الأخيرة ضد الحشد الشعبي مع الحكومة العراقية قبل أن يتراجع ويسحب هذا التصريح.
انتقال العراق من تموضعه الحالي إلى تموضع أقرب للسياسات الأميركية يُفضي إلى تشديد الخناق الاقتصادي المفروض على الدولة السورية، إضافة إلى كسر حلقة التواصل بين أطراف محور المقاومة كما أسلفنا، ويأمل الأميركي من الحصار الخانق المفروض على الدولة السورية تحقيق مكاسب في الانتخابات السورية المقبلة، وانتزاع تنازلات من القيادة السورية في قضية استقلال الأكراد في الجزيرة السورية، حيث آبار النفط وحقول القمح السورية.
إذا صحّت هذه التوقعات، فهذا يفرض على محور المقاومة رسم خطوط حمر أمام العبث الأميركي، وهذا متاح لأن المبادرة في الإقليم لا تزال بيد محور المقاومة، بعد تجاوز كل أشكال الضغوط في السنوات الأربع المنصرمة.

* كاتب فلسطيني



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا