رفاق عبد اللطيف الشماس (أبو محمود) في جمعية شبيبة الهدى، وأهله في الطريق الجديدة وبيروت، وشركاء مشروعه النضالي والإنساني، الوطني والقومي، وحدهم هم الذين يعرفون هذا الرجل الذي ما دعاه واجب تجاه وطنه وأهله وشعبه إلا لبّى النداء...
كان نموذجاً للعطاء دون منّة، وللوفاء دون تبجّح، وللاندفاع في خدمة الناس دون تردد... حبيب الفقراء، ونصير المحتاجين، صاحب الحضور الدائم في كل المُلمّات، ولا سيّما في الملمّة الأخيرة التي أصابت لبنان والبشرية، «الكورونا» الخبيث الذي سعى إلى مقاومته طيلة عام كامل، ومقاومة آثاره ومضاعفاته الاجتماعية دون كلل، حتى تمكّنت منه الجائحة وتركت كل حجر في محلته التي أحب، ومدينته التي عشق، يبكي فيه المروءة في زمن ضعفت فيه المروءات، ويبكي فيه الشهامة في أيام تراجعت فيها الشهامات.

وطنياً كان أبو محمود بكل ما تعني الوطنية من كلمة، وعروبياً كما هي العروبة حب وتضحية ووفاء، وإنساناً كان كما هي الإنسانية بمعانيها المتصلة بالعدالة والكرامة والمساواة...

في مدافن الشهداء صبيحة أول أيام العيد، كان أبو محمود أول الحاضرين من إخوانه ليزور أضرحة الشهداء، وشقيقه «المرابط» واحد منهم، لكنه كان يقول كل شهيد هو أخي، وكل شهيدة هي أختي مردّداً الأغنية الجميلة لمحمد عبد الوهاب «كل أخ عربي أخي...».

في شوارع الطريق الجديدة خصوصاً، وفي أحياء بيروت عموماً، كنت تجده مسرعاً ورفاقه في جمعية شبيبة الهدى لإنقاذ جريح، أو إخلاء شهيد، أو إطفاء حريق، غير طامع بأي مكافأة أو امتياز سوى نيل رضى ربه وإرضاء ضميره...

في مخيمات الإخوة الفلسطينيين تجده واحداً منهم في كل مناسبة اجتماعية أو وطنية، قائلاً كرفاقه في تجمّع اللجان والروابط الشعبية لن يرتاح لبنان والوطن العربي قبل أن تتحرّر فلسطين، حتى إن كثيرين كانوا يظنون أنه فلسطيني... فيضحك أبو محمود ويقول فلسطين شرف لا يستحقه إلا شرفاء الأمّة وأحرار العالم...

في مخيمات شباب لبنان الواحد، وفي مخيمات وندوات الشباب العربي، في فعاليات «دار الندوة» في بيروت، و «الندوة الشمالية» في طرابلس، وفي اعتصامات «خميس الأسرى» المتنقلة من مدينة إلى أخرى، كنت تجد «أبو محمود» حاملاً اللافتة والإذاعة فرحاً بما يقوم به وقائلاً يجب أن يعرف أسرانا أنهم ليسوا وحدهم...

في كل الاجتماعات التي نحضرها كان أبو محمود صوتاً للحكمة، جسراً للتلاقي، معتزاً ببيئته البيروتية الأصيلة، ونافراً من كل خطاب طائفي ومذهبي حسب مقولته الرائعة: بيروت حصن العروبة ومطلقة المقاومة وقلعة الوحدة الوطنية، لا يمكن إلا أن تبقى هكذا كما أرادها أهلها، وكما أرادها محبوها الكبار كجمال عبد الناصر وياسر عرفات...

كنت أمازحه في رحلات جمعتني به إلى مدن عدّة للمشاركة في أنشطة وفعّاليات، وأقول له: هل أخذت اسم محمود لابنك لأنك كنت تعلم كم ستكون محموداً في صلاتك وبين ناسك؟...

المحمود أبو محمود رحمك الله، وأسكنك في علّيين، فمن كان مثلك يحمل روح بيروت وحيوية لبنان وكرامة العرب لا يموت.

*كاتب وسياسي لبناني

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا