رسالة وجواب إلى الأصدقاء القوميين، وعدد من الوطنيين الغيورين المهتمّين الذين اتصلوا للاستفسار عن موضوع المشروع التوحيدي لـ«الحزب السوري القومي الاجتماعي»، الذي أطلقتُه وأرسلته إلى المئات، سأشرح منطلقه وأهدافه وغايته.الكلام عن أنطون سعادة وحزبه «السوري القومي الاجتماعي»، هو كلام وطني عام يخصّ الأمة والمجتمع وليس كلاماً حزبياً خاصاً. كثيرون منكم يعلمون أنّي خارج إطار العمل الحزبي التقليدي الإداري، منذ عشرين عاماً، لكنّ هذا لا يمنعني من أن أقول رأيي الحر في موضوع يخصّ الأمّة، من زاوية فكرية ثقافية عامّة وليس من زاوية حزبية قانونية أو دستورية ضيّقة، وهو رأي قد يساعد الأصدقاء المؤمنين بفكر أنطون سعادة العلماني القومي الاجتماعي المقاوم، وبنهضة الأمّة بهذا الفكر، على أن يفهموا ويقرأوا ويدرسوا ما يجري، بمعزل عن أحداث الأشهر الأربعة الماضية.
ليس الانقسام في الحزب القومي وليد أحداث هذه الأشهر، بل إنّ الانقسام الفعلي ليس بين مجموعة يرأسها هذا الذي في الروشة، ومجموعة يرأسها ذاك الذي في الـ»بريستول». هاتان المجموعتان هما من الناحية الفكرية والثقافية والعقائدية والأخلاقية والمناقبية، مجموعة واحدة في فكرها ونهجها وسياساتها وتحالفاتها وارتباطاتها ومصالحها وطريقة عملها، وهما لا تمثّلان، فعلياً وعددياً، إلّا أقل من خمسة في المئة من القوميين الاجتماعيين في الوطن وعبر الحدود. ففي العالم، يوجد تقريباً حوالى مئة وخمسين ألف قومي ما زالوا على قيد الحياة، انتموا تاريخياً إلى هذا الحزب (في لبنان والشام والعراق والأردن وفلسطين وقبرص، وبلاد الاغتراب في أميركا الشمالية والوسطى والجنوبية وأستراليا ونيوزيلاندا وأوروبا وأفريقيا والخليج العربي وبعض آسيا).
وفي التنظيمين الحاليين مجتمعَين، لا يوجد أكثر من خمسة آلاف عضو منتظِم وعامل على أكثر تقدير، بينما النوعية الفكرية الثقافية لمن هم خارج التنظيمين، هي بشكل عام مع بعض الاستثناءات التي لها كلّ التقدير والاحترام، أعلى وأرقى وأرفع ممّن هم الآن داخل التنظيمَين.
إنّ المشروع التوحيدي الذي أطلقته لوحدة «الحزب السوري القومي الاجتماعي»، ليس مشروعاً لتوحيد المجموعتين المنشقّتين عن بعضهما بعد الثالث عشر من أيلول / سبتمبر الماضي، بل هو مشروع يهدف إلى إعادة السلطة المسروقة والمغتصبة في الحزب، إلى غالبية القوميين الاجتماعيين الموجودين خارجه، قسراً وإبعاداً وإقصاءً وتغييباً.
إنّه مشروع غايته إعادة حزب أنطون سعادة إلى أنطون سعادة، وإلى الأمة والوطن والمجتمع والحياة السياسية الوطنية القومية العلمانية والدور السياسي القومي الفكري العلماني المقاوم الحر المستقل.
المطلوب ليس الوحدة مع أشخاص أو بين أشخاص، بل الوحدة مع فكر أنطون سعادة وقضيّته وعقيدته، وكلّ شيء غير ذلك يكون مضيعة للوقت.
لذلك، أرى وجوب تناول هذا الموضوع من هذه الزاوية الواسعة والشاملة، بغضّ النظر عن متاهات الأسماء والأشخاص، وبمعزل عن أيّ كلام عن دستورية أو قانونية الانتخابات المختلف عليها، والتي جرت في 13 أيلول / سبتمبر، وعمّا إذا كان أيٌّ من الفريقين اللذين انقسما بنتيجتها شرعياً أكثر أو أقل من الثاني.
وفي النهاية، يمكن اختصار كلّ شيء في فقرة واحدة: أنطون سعادة موجود خارج الحزب القومي فكراً وعقيدة وأخلاقاً ومناقب، أكثر بكثير ممّا هو موجود في داخله، لأنّ سعادة هو بالأساس ليس حزباً سياسياً عادياً، بل نهضة الأمّة السورية وقضية قومية مستقلّة. إنّه الفلسفة المدرحية في كتاب «نشوء الأمم»، والفكر العقائدي في «المحاضرات العشر»، والنظرة الجديدة إلى الدين والأدب والفن في كتب جنون الخلود والصراع الفكري في الأدب السوري «الإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية».
إنّه خطة سياسية قومية اجتماعية اقتصادية عسكرية لتوحيد بلادنا بفكرٍ علماني وطني جامع لمواجهة الغزوة الاستيطانية والمطامع التركية والفارسية التاريخية وباقي الأخطار الخارجية. إنّه قرار سياسي قومي علماني سيّد حر مستقل لا ينجر وراء المكاسب الفردية، ولا تجذبه المغريات المادية والانتفاعات النيابية والوزارية. إنّه ليس حزب التحالفات مع محاور طائفية فاسدة سرقت أموال اللبنانيين، ولا حزب الانبطاح لأجل أصوات انتخابية رخيصة مع منظومة الفساد الطائفي التي دمّرت لبنان ونهبت المالية العامة وأفلست البلد.
أخيراً، إنّ تلك التنظيمات الجوفاء الفارغة المتصارعة على السلطة، الموجودة أمامنا، هي بقايا تحمل من أنطون سعادة اسمه أكثر بكثير ممّا تحمل من عقيدته وفكره وقضيّته وأخلاقه وروحه الصراعية المستقلة. ولا يغشّكم أحد أو يبهركم أيّ كلام آخر، ولا تنخدعوا بالمظاهر البرّاقة والبيانات الخشبية التافهة.
* كاتب لبناني