هناك مؤشّرات كثيرة ظهرت في الأشهر السابقة للانتخابات الرئاسية الأميركية، على تشكل موضوعيّ لمعسكر الراغبين ببقاء دونالد ترامب في البيت الأبيض، انطلاقاً من مصالح وتلاقيات معه، وانطلاقاً أيضاً من توجّسات عندهم من توجّهات عند منافسه في الانتخابات جو بايدن. هذا المعسكر، المتنافر ولكن الملتقي عند تلك النقطة، يضم الأسماء التالية: 1- الرئيس الصيني شي جين بينغ، 2- الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، 3- الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، 4- رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، 5- ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، 6- ولي عهد إمارة أبوظبي والرجل القوي في دولة الإمارات الأمير محمد بن زايد، 7- الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. تبدو الصورة غريبة، فبعضهم (مثل السعودي والإماراتي والمصري) متصادم مع التركي، كما أنّ ترامب قد دخل في حرب تجارية قاسية مع الصينيين، وهو التقى مع خصومه الديموقراطيين، مثل باراك أوباما وبايدن، على أولوية التحدّي الصيني للقطبية الأميركية الأحادية للعالم، وهي سياسة مقرّرة في واشنطن، منذ عهد بيل كلينتون عام 1994، وشملت جميع من تعاقب على البيت الأبيض.هنا، كل واحد من هؤلاء السبعة له أسبابه في الانضمام لهذا المعسكر. الرئيس الصيني كان يرى في النزعة اليمينية لترامب باتجاه «القومية الاقتصادية» التي تتضمّن الحمائية الجمركية الأميركية تجاه البضائع الأجنبية والابتعاد عن الشراكات الاقتصادية مع دول أجنبية في اتفاقات مثل التي عقدها أوباما عام 2016 مع دول حوض المحيط الهادئ (الباسفيك): «اتفاقية الشراكة عبر الباسفيك»، وانسحب منها ترامب في أول أيامه في البيت الأبيض، أقلّ ضرراً لمصالح الصين من سياسة أوباما التجابهية مع الصين والمحاولة أن تستقطب دول الجوار الصيني ضدّ بكين، وهو يتوقّع أنّ بايدن سيتابع سياسة رئيسه السابق. بوتين يخاف من النزعة الأيديولوجية الليبرالية التي يحملها الرؤساء الديموقراطيون الأميركيون والتي تستخدم (الديموقراطية) كسلاح أميركي في العلاقات الدولية، كما أنّه يخشى كثيراً من توجّهات بايدن المتلاقية مع مؤسسة الأمن القومي الأميركية، التي تضم البنتاغون والاستخبارات، التي ترى روسيا من جديد عدواً لواشنطن في مرحلة ما بعد الاستيقاظ للقوة الروسية منذ حرب عام 2008 مع جيورجيا. السيسي يشارك بوتين في هذا الخوف، وبالتأكيد لن ينسى الرئيس المصري عبارة ترامب عنه: «ديكتاتوري المفضّل». إردوغان يتوجّس من استخدام إدارة بايدن للورقة الكردية، وهو صاحب مشروع تقسيم العراق لثلاثة أقاليم في عام 2007، ولن ينسى الرئيس التركي المؤشّرات الكثيرة على تشجيع واشنطن لمحاولة الانقلاب العسكرية ضده في يوم 15 تموز/ يوليو 2016، وكان بايدن يومها نائباً لأوباما، وهو يعرف بأنّ مؤسّسة الأمن القومي الأميركية ترى أنّه قد تجاوز الخطوط الحمر الأميركية والأطلسية، من خلال تحالفه مع بوتين. تلك المؤسّسة التي كانت طوال أربع سنوات متنافرة مع ترامب الذي تقارب كثيراً مع إردوغان. يجتمع بن سلمان وبن زايد مع نتنياهو في التوجّس من بايدن بسبب نيّته المعلنة في العودة إلى الاتفاق النووي مع طهران، وهم كانوا ثلاثتهم في الموقع المعارض لأوباما عندما وقّع ذلك الاتفاق عام 2015، وكان الثلاثة في قمة النشوة عندما انسحب ترامب عام 2018 من ذلك الاتفاق.
عند النظر إلى سياسة بايدن المعلَنة، على الأقل من خلال نص مكتوب من قبله نشره في مجلّة «فورين أفيرز» في عدد آذار - نيسان 2020، بعنوان «لماذا يجب على أميركا أن تقود من جديد؟»، ندرك أسس تلك التوجّسات. هو يقول إنّ الصين «تمثّل تحدّياً خاصّاً، وإنّ الولايات المتحدة تحتاج إلى أن تكون أكثر صرامة مع الصين». هو يريد تشكيل معسكر الديموقراطيات الحليفة المؤلّف من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا التي تضمّ أكثر من نصف الاقتصاد العالمي كمعسكر جديد للتعامل مع «الآخرين». هو يسخر ويهاجم قول بوتين إنّ «الفكرة الليبرالية قد عفا عليها الزمن»، ويعتبر أنّ هذا القول يأتي من «خوفه من تلك الفكرة»، وهو يدعو أميركا «لتسخير قوة الفكرة الليبرالية وقيادة الطريق العالمي لها». يمكن أن تُقلق بوتين كثيراً نيّة بايدن في تعزيز «حلف الأطلسي» الذي هزم «حلف وارسو» في الحرب الباردة، والذي تعامل ترامب مع أعضائه الآخرين بعدم جدّية. يعلن بايدن صراحة في ذلك النص نيّته للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وينتقد ترامب على انسحابه منه.
هنا، يمكن تفسير سلوك بعض أولئك السبعة على ضوء توجّساتهم، حيث، في هذا الصدد، يمكن تفسير تطبيع الإمارات برضا صامت من السعودية مع إسرائيل، في 13 آب/ أغسطس 2020، قبل قليل من الانتخابات الأميركية، بأنّه خطوة مزدوجة الأبعاد. هي دعم لترامب ضد بايدن في الحملة الانتخابية لكسب أصوات اليهود الأميركيين، ولكنّها بالأساس تحوي قراءة بأنّه في حال فوز بايدن وعودته إلى التلاقي مع طهران، في وضعٍ كان يذكّرهم بمشهد عام 2015 الذي كان كثير القتامة على العواصم الخليجية، فإنّ هناك محوراً إقليمياً جديداً سيكون جاهزاً عبر جسر التطبيع بين الخليج والدولة العبرية سوف يقي من عاصفة تلاقي واشنطن - طهران المتوقّعة في حال فوز بايدن، وهو سيفرض أمراً واقعاً سوف يجبر السيد الجديد للبيت الأبيض على أخذه بعين الاعتبار عند تلاقياته المحتملة مع طهران، وفي عموم سياساته الشرق الأوسطية. الحركة التي تمّت عبر اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، بعد أسابيع من هزيمة ترامب في الانتخابات هي موجّهة ضد بايدن أولاً لمحاولة عرقلة طريقه الإيراني، بقدر ما هي موجّهة ضدّ طهران، وليس بعيداً عن تلك الحركة ترامب ونتنياهو وآخرون. في حالة ثانية لبعض المتوجّسين من بايدن، رأينا بوتين وإردوغان يسارعان بعد أربعة أيام من فوز بايدن إلى حلّ نزاع أذربيجان - أرمينيا الذي ولّد توتّراً شديداً بين موسكو وأنقرة منذ نشوبه في 27 أيلول/ سبتمبر 2020، ومن المتوقّع أن تتلاقى موسكو وأنقرة أكثر في الملف السوري بوجه جو بايدن الذي سيكون صدامياً معهما في سوريا، وهو ما سيجعل الأزمة السورية ملتهبة وليست قريبة الحل.

* كاتب سوري

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا