«قارئ صحيفة (الأخبار) ذكي وواعٍ وليس في حاجة إلى تثقيف سياسي»، قلت لصاحبي القلق من محاولات اليسار السلطاني تضليل القراء وحرف انتباههم عن المهام الرئيسة التي تواجه القوى الوطنية في الأردن. لكن ما المهمة الأولى الأكثر إلحاحاً التي تواجه القوى الوطنية/ القومية في الأردن، رغم حجمها غاية في التواضع! الإجابة البديهية تتلخص في «كل عمل من شأنه أن يصب في مهمة تحرير الوطن الفلسطيني المغتصب عبر إنهاء دور كيان ذوو عون الوظيفي العنصري بتحريره من دائرة الهيمنة الأميركية/ الصهيونية وتحويله إلى قاعدة لحركة وطنية/ قومية متقدمة تواجه التحديات الحقيقة على كافة الصعد، وبكل ما يعني ذلك من مهام اقتصادية واجتماعية وسياسية وعسكرية...
إلخ». وأي ادعاء بوجود مهمة رئيسة غير هذه هدفه حرف الأنظار بعيداً عن العدو الحقيقي بما يؤدي بالضرورة إلى الدفاع عن نظام عمان الذي لم يترك فرصة إلا واغتنمها لتأكيد انتماءه لمعسكر الأعداء، وذلك منذ أن خلقته دائرة المستعمرات البريطانية عقب الحرب العالمية الأولى بعدما فصلته من فلسطين التاريخية (أي: الولاية الرومانية) ومن بلاد الشام وفق المفهوم العروبي، وأوكلت إليه مهمة قمع أي تحرك وطني في سورية (الانتداب) ومنع نشوء أي حركة وطنية فلسطينية معادية للمشروع الصهيوني غرب نهر الأردن. لذا فإن الدعوات المشبوهة لحرف النضال الوطني/ القومي في الأردن عن هذا المسار لا تخدم سوى نظام ذوي عون المرتبطين عضوياً، منذ الأزل وإلى الأبد، بالصهيونية وكيانها العنصري، وهذا ما يسعى إليه كتبة اليسار السلطاني والمعارضة الملوكية إياهما، شاءوا أو أبوا، قصدياً أو عن هبل. هذه المعارضة السلطانية واليسار الملوكي ليس لهم هم سوى نشر رهاب الفلسطينيين والتحريض عليهم والدفاع عن سيدنا صاحب الجلالة مليك البلاد المفدى سليل العائلة الهاشمية... إلى آخر الهذيان، وتقديم كافة المسوغات لسياساته الصهيو - أميركية سواء دفاعاً أو صمتاً مريباً عنها أو تحريضاً بالادعاء بأن إلغاء اتفاقيات الاستسلام للعدو ليست أولوية الشعب في الضفة الشرقية. إن كتاباتهم وبياناتهم وأفعالهم، جميعها، مهما حاولت التخفي وراء شعارات وطنية/ قومية، لهي منبر للدفاع عن نظام يفقد مسببات وجوده إن توقف، ولو لمحة عين، عن تنفيذ المهام المعادية للعروبة التي خلقه الاستعمار الغربي بقيادة بريطانية/ أميركية لتنفيذها. وثمة ما يكفي من الوثائق البريطانية الرسمية ذات العلاقة وهناك كتب عن المادة تعتمد الوثائق الرسمية مرجعاً.
سياسات هذا النظام، منذ أن أنشأته دائرة المستعمرات بوزارة خارجية الامبريالية البريطانية تثبت هذا حقيقة غير قابلة للنقاش، وكافة مساحيق التجميل غير قادرة على حجب وجهه القبيح، وأي محاولة، مهما كانت بائسة، لذلك إنما تصب في خانة التطبيع مع العدو الصهيوني وأصدقاءه من العربان المتصهينين، ومحاولة تضليل الرأي العام؛ لكن، كما أسلفنا، قارئ صحيفة «الأخبار» ذكي ومسيس، كما تثبت معظم تعليقات القراء المنشورة.
المهام الملحة التي تواجه القوى الوطنية/ القومية في الأردن، فلسطينية وأردنية، تتلخص في توحيد نضالهما للوصول إلى الهدف المنشود. ففي فلسطين وقضيتها والنضال من أجلهما تتكثف كل معاني النضال الوطني/ القومي، بكافة تفرعاته السياسية والفكرية والاجتماعية... وهذا ما جعلنا نقول منذ بداية الحراكات التي شهدتها بعض الدول العربية: «فلسطين بوصلتنا»، و«لا شرعية لثورة ليست فلسطين شعارها».
كون فلسطين بوصلة المحارب يجعل كل من لا يرفع هذا الشعار أو يحاول الالتفاف عليه، محاولاً الاختباء خلف أي عذر أو مسوغ، مضلِّل هدفه لفت الانتباه بعيداً عن المهام الملحة خدمة لأعداء أمتنا.
يضاف إلى حملات التضليل تلك تصرفات طفولية، لكنها خطرة، تفضح الطبيعة التلفيقية والنفعية والذرائعية لبعض هذه القوى ومنها محاولة مصادرة الانتصار الفلسطيني في معركة الكرامة الخالدة، ولنا عودة إلى هذه المسألة في مقالة قادمة لنوضح أن هدفها عنصري إقصائي تذللي لسيدنا جلالة مليك البلاد وجيوشه المتخصصة في قمع الفقراء والمناضلين، ليس غير.
نكرر، إن إصرارنا على نيل حقوقنا في وطننا الذي اغتصبه العدو بمساعدة الإمبريالية العالمية وتواطؤ عربان أنظمة سايكس بيكو الفعال لا يمنع أي كان من متابعة أي ملف وطني ملح آخر. لكن صحة موقفه الوطني/ القومي يتبين من مقاربته لهذا الملف أو ذاك، إن كان يؤثر إيجابياً في فلسطين الوطن والقضية الوطنية/ القومية.
نظام عمان المرتبط منذ نشوءه بالصهيونية والغرب الاستعماري، ارتباطاً عضوياً، تجاوز دوره كمقاول للمشاريع التي تحيكها الإمبريالية، والصهيونية وجزءاً عضوياً من مؤامرات النظام الإمبريالي العالم، إلى منخرط بحماسة في هذه المؤامرات التي تحاك في العديد من بلادنا العربية. إن انتقال نظام عمان، ومن معه، ضمناً أو علانية، من اليسار السلطاني من المروجين لرهاب الفلسطينيين وهذيان الوطن البديل والخصوصية التي تواجه أخطار الذوبان وما إلى ذلك إلى العنصرية المفضوحة المستندة إلى محاولة الفصل بين سكان الأردن إلى شرقي - أردني أصيل وفلسطيني دخيل، لأمر خطير. سياسات نظام عمان والمروجين لها من اليسار الملوكي/ السلطاني القائلة بوجود خطر من المهجَّرين عنصرية بامتياز ومضللِّة لأنها تلقي على الضحية وليس على الجناة، باللوم. شعب فلسطين لم يرض يوماً أن يكون أداة لأحد ولن يقبل إطلاقًا أن يكون مكسر عصا لكل المتخاذلين والمضلِّلين، وهذا ما أثبتته الأيام. وفي حال سالت الدماء في شوارع مدن الأردن ومخيمات العائدين الأبطال وقراه وبلداته، فالمسؤولية تقع على طرف واحد هو العنصري الجاني المروج لرهاب الفلسطينيين.
ثمة طريق واحد لمنع المزيد من الكوارث الوطنية/ القومية والانطلاق نحو الفعل بدلاً من البقاء في دائرة ردود الفعل، تتلخص في قيام حركة وطنية/ قومية أردنية _ فلسطينية، سمها ما شئت، بوصلتها فلسطين. ففي فلسطين تتكثف كل معاني النضال الوطني/ القومي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والعسكرية في كل بلاد العرب. هذا طريق التحرير والتحرر الصحيح والأقصر والأقل خسائراً، شاء من شاء وأبى من أبى. وعلى الأجيال العربية الشابة الفتية التي لم تتلطخ بذنوبنا وآثامنا وسلبياتنا، في فلسطين وفي الأردن، وبالتالي في مختلف أجزاء وطننا العربي، الاستفادة مما ثبت صحته في تجاربنا النضالية الماضية والأخذ به، وتجنب الغرق في النقاشات التي لا طائل منها والجدل في مسائل فكرية نظرية لا تقدم ولا تؤخر، ووضع فلسطين نصب أعينها، وجعلها بوصلة المحارب... ففلسطين تجمعنا.
* كاتب عربي
10 تعليق
التعليقات
-
للنظام دور كبير في تدمير القضية الفلسطينةان اهم خطوة في طريق النضال الوطني الفلسطيني تأكيد حق الشعب الفلسطيني في ارضه وحقه بالعودة ويكون ذلك بمنحهم جنسية فلسطينية ووقف بل سحب الجنسيات التي قام النظام الهاشمي العميل بمنحها لاكثر من 3 ملايين فلسطيني يعيشون في الاردن لدثر هويتهم الفلسطينية وتاريخهم وحقهم في ارضهم على كل فلسطيني حر شريف ان يمزق جواز سفره الاردني ولا يقبل عن فلسطين بديلا غير الموت
-
وجود الاردن ام عدم وجوده، ما الذي يريده زياد منى؟ربما ما يغيظ "زياد منى" هو صمود هذا البلد رغم القنابل الموقوتة في جوفه، صمود الأردن مؤرق ومحير، وكيف يصمد نظامه الملكي السياسي المراوغ في منطقة تصيبها الزلازل السياسية ولا يهتز .. ليس فقط لا يهتز، بل ربما تصبح "رب ضارة نافعة" له. كان ل "الأردن" رؤيته المختلفة، ولم تكن رؤية "خيانية وعميلة" بالنتيجة، فالاردن لم يخسر او ينسحب من سيناء او من الجولان دون قتال، اما الضفة الغربية فالجيش العربي الاردني صمد اكثر من بقية الجيوش العربية رقم قلة الامكانيات وخسرها بدماء وشرف وبشهادة الاعداء قبل الاصدقاء... عموما يمكن اعتبار رؤية الاردن المختلفة وجهة نظر، كما هي وجهة نظر زياد منى وامثاله. الاردن كان ضد القومية الناصرية، وهو ذات موقف "الخليج"... لذلك اصبح مكروها. كان ضد الشيوعية والاشتراكية ولم يؤمن بالانظمة العسكرية ذات الرسالة الخالدة ... لذلك اصبح مكروها. كان ضد الحركات الدينية .. بما فيها تمدد "الوهابية" وتدخلاتها السياسية السمجة ... لذلك اصبح مكروها. كان ضد فوضى السلاح والزعامات الكرتونية المتنافسة على "الإسترزاق" بمشاعر الناس... لذلك اصبح مكروها. وقالوا ضد العروبة .. القومية .. الاشتراكية ... الاسلاموية .. والخراب والدمار واللانظام. لذلك اصبح الاردن عميلا وخائنا. لكن، من قال ان الاردن كان "ضد"؟؟ لقد سعى الاردن لأن يكون على مسافة واحدة من جميع هذه التناقضات المتعارضة، وما الضير بأن يكون ذلك مع المحافظة على وجوده. لقد كان في صراع بقاء واستطاع ان يبقى .. ومازال يتنفس، وهذا ربما ما يغيظ.
-
فن الإنكار ودفن الرؤوس في الرمالنشر نظام عمان رهاب الفلسطينيين يستعمل لمطاردتهم وتجريدهم من جنسيتهم. عشرات الآلاف من الفلسطينيين جردوا من جنسيتهم أخيراً، وليس العكس. أكثر من ثلاثة أرباع سكان الأردن فلسطينيين، لكنهم مجردون من حقوقهم المدنية. الفلسطينيون لا يقبلون بغير فلسطين وطنًا (كلنا نعرف رهاب الفلسطينيين الذي أطلقته القوى الانعزالية في لبنان - ثم اعتذرت أخيراً بعدما اكتشفت؟! مدى تمسك الفلسطينيين بوطنهم). محاربة مشاريع التوطين لا تتم من خلال دعم نظام عمان العميل ومحاولة تجميل وجهه القبيح وتأييد تحريضه العنصري على الفلسطينيين ولا من خلال الذيلية للنظام. محاربة المشاريع الإمبريالية تعني محاربة العدو الصهيوني، محاربة الجاني وليس الضحية. مقولة الكيان الوظيفي ليست شتيمة للبشر وإنما توصيف لطبيعة النظام وجوهره.
-
في بداية الحراك في وطني سوريافي بداية الحراك في وطني سوريا بحثت عن فلسطين في الشعارات المرفوعة وحين لم أجدها عرفت أنها ليست الثورة التي تستحق أن ندعمها ، وفي الكثير من النقاشات مع المعارضين الأشاوس حول هذه النقطة كانوا يقولون في البدء نحقق التغيير ثم نرسم البوصلة بعد امتلاكنا زمام الاتجاهات ! لم أقتنع كما لم تقنعني حتى اليوم الثورة المصرية التي لم تكن إلغاء اتفاقيّة كامب ديفيد في أدبياتها ، لم تحدث الثورة التي تحقق طموح الشرفاء من الوطن العربي وكل مايحدث هو ارتدادات عفوية للنظام العربي الغارق في قمعه وتخلّفه ، عفويّة لن تحقق التغيير المنشود إلا إن حدّدت السمت الذي على السفينة التوجّه إليه وإلا غرقت في مستنقعات ووحل التمذهب والتشرذم بحثا عن عنوان مناسب لها ، فلسطين تجمعنا فعلا ومن بوصلته فلسطين يدرك أن هذا الطريق يتم ببناء المجتمع القوي المتماسك والحر والعادل وبذلك يتجه بالاتجاه الصحيح ! ومع ذلك أرى أن من يخاف من الاردنيين على أن تكون الأردن وطنا بديلا فلا ضرر من خوفه هذا وهو ليس رهابا تماما طالما هو ماتعمل عليه دوائر القرار الكبرى ونعرف مدى أثرها وطالما خوفه ليس من الفلسطيني نفسه الموجود في الأردن . عموما ليس الأردن فقط هو الكيان الوظيفي الذي وجد لغاية وهدف محدد ، حكّام الجزيرة العربيّة في كل تقارير الأمريكية التي يطلق سراحها يوميّا من أدراجهم لمرور الوقت القانوني لنشرها وحتى قبل هذه التقارير جميعنا يعلم أنهم لم يوضعوا في مناصبهم إلا بعد الاتفاق عن التنازل عن فلسطين بل وعن مقدّرات بلدانهم لصالح من نصّبهم سيوفا على رقاب شعوبهم