منذ عام 2004 جرى اهتمام غربيّ كثيف بالمعارضة السورية، بعد تجاهل غربيّ أميركيّ - أوروبيّ لها منذ السبعينيات
هنا يجب الاستدراك: لم يكن بهي الدين حسن استثناءً، بل رأينا عمليات استقطاب غربيّة، أميركيّة وأوروبيّة، لمعارضين عراقيين ولمثقّفين وكتّاب عراقيين، منذ أن وُضع العراق في استراتيجية واشنطن الاستهدافية، بدءاً من عام 1991، كما أنّ كثيراً منهم تولّى مناصب في عراق ما بعد احتلال عام 2003. في لبنان، تمّت عمليات تعويم أميركية - أوروبية، عبر التمويل الكثيف لمنظّمات غير حكومية في فترة الخلاف الأميركي - السوري حول لبنان، في أعوام 2004 - 2005، ثمّ تكرّر الأمر في أعوام 2018 - 2020، خلال فترة الاستهداف الأميركي لحزب الله، على وقع الخلاف الأميركي - الإيراني.
تبقى سوريا حالة خاصة: منذ عام 2004، جرى اهتمام غربي كثيف بالمعارضة السورية، بعد تجاهل غربي أميركي - أوروبي لها، منذ السبعينيات، مع توافق واشنطن ودمشق على الدخول العسكري السوري إلى لبنان عام 1976. وقد جرى تنظيم ورشات حول حقوق الإنسان ومواضيع أخرى في عواصم عربية وغربية، كان يُدعى إليها أناس متعدّدون من الوسط السياسي وغيره، كما يُدعى إليها داخلون جدد إلى المعارضة، مع إحساسٍ عام تولّد عند الكثيرين بأنّ صدام واشنطن ودمشق، منذ زيارة كولن باول، وزير الخارجية الأميركية، إلى العاصمة السورية، في 2 أيار / مايو 2003، بعد ثلاثة أسابيع من سقوط بغداد، سيقود إلى تغييرات داخلية سورية. كان هناك صرف أموال كبير من الغربيين على تلك الورشات، أو على ندوات كان الكثير من الحاضرين لها لا يعرفون كيف يروون ما جرى في ساعاتها الطوال بدقائق، ولا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. كثيرون كانوا يتساءلون كيف تحصل تلك الندوات والورشات في فنادق فخمة لا يتجرّأ مسؤول أوروبي على النزول فيها على حساب حكومته أثناء تأدية مهامه، ولا على تناول مأكولات ومشروبات لا يقربها الأوروبي من الطبقة الوسطى. في الفترة نفسها، بين عامَي 2004 - 2005، بدأت مظاهر جديدة تكثّفت في فترة ما بعد بدء الأزمة السورية عام 2011، تتمثّل في إعطاء منح ماجستير أو دكتوراه لسوريين في جامعات أوروبية، حول مواضيع سياسية أو تاريخية، عندما تلتقي بعضهم تكتشف بأنّهم لا يملكون مؤهّلات الحدّ الأدنى من الإلمام بالمواضيع المعنيّة، وهم بالتأكيد، لو كانوا أوروبيين، لا يُسمح لهم بدخول باب تلك الجامعات. في عام 2006، سأل صديقي المرحوم المهندس علي محمد (أبو رزان) دبلوماسية غربية في دمشق، السؤال التالي: «لماذا تريدون إفساد المعارضين السوريين؟»، أجابته بضحكة من دون كلام. يمكن، هنا، أن يكون كلام دبلوماسيةٍ أميركية هي (جولييت وور)، مديرة العلاقات العامة في السفارة الأميركية في بيروت، هو الإجابة: «الولايات المتحدة لا تسعى إلى تغيير النظام في سوريا، بل إلى تغيير تصرّفاته» (جريدة «السفير»، يوم الجمعة 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2005). في هذا الإطار، تمّ استخدام أميركي - أوروبي للمعارضين السوريين، الذين راهنوا على «الرياح الغربية» كمخلب قطٍّ للضغط على السلطة السورية، وليس كما راهن بعض هؤلاء، في عام 2004 - 2005، على تحقيق تكرار أميركي لسيناريو عراقي في سوريا، ثمّ كرّروا الخطأ ذاته، عام 2011، عندما راهنوا على تكرار أميركي للسيناريو الليبي ضدّ القذافي في سوريا.
ربما هنا يمكن أن نكمل الصورة، من خلال مثالَين حصلا في السودان عام 2019، وفي العراق عام 2020: نزل عبد الله حمدوك بالبراشوت الأميركي، كرئيس وزراء سوداني تمّ فرضه بعد إزاحة عمر البشير على العسكر والقوى السياسية، وهو كان عضواً في الحزب الشيوعي، حتى نهاية الثمانينيات، وبعدها عمل في منظمات دولية اقتصادية تابعة للأمم المتحدة. تكرّر هذا في بغداد، عام 2020، عندما استطاعت واشنطن فرض مصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء، وهو الذي ـــ كمنفي عراقي معارض لسلطة صدام حسين ـــ كان يعمل بين عامي 1999 - 2003 مدير برامج في قسم العراق في «إذاعة أوروبا الحرة»، التي أنشأتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، عام 1950، كإذاعة موجّهة لأوروبا الشرقية، في ذروة الحرب الباردة مع السوفيات.
السؤال الآن: ألا يدلّ مثالا حمدوك والكاظمي على أنّ استقطاب المعارضين من قِبل الغرب الأميركي - الأوروبي، هو أبعد من نشاط حقوق إنسان، أو جمع معلومات، أو وسائل ضغط على الأنظمة، ليصل إلى توظيف أبعد نحو استخدامهم للسيطرة على مراكز القرار في بلدهم؟
* كاتب سوري
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا