يكاد يكون متّفقاً عليه عند غالبية البشر، أنّ تنظيم «داعش» هو إرهابي عالمي، ساهمت في تأسيسه أجهزة استخبارات دولية وأموال خليجية وخطط صهيوغربية، مستفيدة من عوامل ذاتية وذرائع أيديولوجية، أساسها طائفيّ دينيّ، وتشكّلت تحالفات دولية حملت اسم محاربته ومكافحة الإرهاب، عنواناً للغطاء على المصادِر له وموجّهيه، وتزكية الأهداف الأخرى أو الوظائف التي منها موضوعنا. ولكن عملياً، تمّت محاربته بتضحيات كبيرة من القوات المسلّحة، بكل صنوفها في العراق وسوريا، وخسائر مادية جسيمة في البلدين، حيث تمّ القضاء على «دولته» وإمكاناته العملياتية، وتحرّرت الأراضي والمدن التي تحكّم فيها لسنوات وأشهر. وما زال التنظيم، اسماً أو بقايا، ورقة بيد من يقودون اسميّاً مكافحته، ويهدّدون به الحكومات والشعوب، عقوبة وإنذاراً وابتزازاً. بل هم يعلنون تمدّده وتوسّعه خارج هذه الحدود، في القارّتين الآسيوية والأفريقية، وفق اتّساع رقعة الاستهداف الجغراسياسية. ولا اختلاف على ما ورد أعلاه، بل هناك بموازاته وعلى الصعد الإعلامية أفراد وكتائب جيوش ما، يمكن إضافتها إليه في المحصّلة. هؤلاء هم «دواعش» الثقافة والإعلام العربي، الذين يعبّرون بأشكال مختلفة ويدافعون ضمناً عنه.كما قام التنظيم الذي اختُصر اسمه بـ«داعش» بالجرائم المادية، بالقتل والحرق والتدمير والتوحّش والسرقة والفساد الأخلاقي والاجتماعي، وغيرها من الجرائم التي وصمته، وعجّلت في الحرب عليه والتخلّص منه، كياناً وتمكيناً وقدرة عملياتية على ارتكاب الإرهاب وشراء الذمم، فقد كانت قد دعمته، علناً وسرّاً، مؤسّسات إعلامية وإعلاميون في مختلف وسائل الإعلام والاتصال، وهؤلاء بمجموعهم لا ينكرون، على الأقل مع أنفسهم، أنهم يعملون كجزء من التنظيم فعلياً، وحسابهم ينبغي أن يتم مع ما حصل مع قيادات تنظيم «داعش». ولكن السؤال، هنا، عن الذي لا يزال يواصل وظيفته، رسمياً أو تبرّعاً أو غفلة، لدوافعه المختلفة، في الدفاع عن التنظيم بأشكال مختلفة، وإيجاد ما يبرّر أو يفسّر جرائمه الإرهابية. بل تصل به الجرأة إلى مقارنة أفعاله الإرهابية مع أسماء مخالفة له بجوهرها وتركيبها وأهدافها، لخلط الأوراق وتبرئة الارتكابات والإرهاب الدموي، عاكساً وعياً مباشراً لمهمّته، وقدرات لتمرير برنامج ممنهج لغسل الأدمغة أو كيّها، للقبول بجرائم تنظيم «داعش»، والتوجّه إلى مقارنتها وربطها بكلّ من قاومها وحاربها وأسهمَ بالقضاء عليها. والوقاحة في هذا البرنامج، هي في الجرأة لدى هؤلاء المثقفين والإعلاميين في تكريس المقاومة والكفاح الشعبي، كأعمال إرهاب وتنسيبها لأبطالها وقادتها واعتبار كلّ ما قام به التنظيم، ردّ فعل أو دفاعاً عن مظلومية، أو في أفضل الحالات عندهم، يستنكرون الجرائم أو يعلّقون عليها، للتملّص من الإحراج الصارخ، ليبتعدوا عنها بعد ذلك، عبر توجيه النظر إلى أعمال أخرى وإدانتها وتركيز الصورة عليها، كعنف مقابل، وليس مقاومة وطنية، أو كفاحاً شعبياً تحرّرياً، وتأطير أو تضليل الصورة بالهجوم على دول معيّنة عُرفت بدعمها للمقاومة والتحرّر الوطني، وإبعاد الصورة كلياً عن الدول الراعية للإرهاب والداعمة للتنظيم، أو الموجّهة لجرائمه وأفعاله. والتشويه مقصود بين المقاومة ودورها، والدول والحكومات وسياساتها التي قد تنتقدها أو تعارضها في شؤون أخرى. وهذا هو أسلوب متّبع في الحرب الباردة والناعمة، والمساهمة التي تخوضها الإمبريالية وحلفاؤها في المنطقة، وتنفّذها طوابيرها الخامسة والسادسة وغيرها.
صحيح لم يجرِ الاتفاق على تعريف واضح لمصطلح الإرهاب، إلا أنّ هؤلاء الكتبة ما زالوا يروّجون خلاف ما يعرفون عنه، ويدعمون بأشكال مختلفة إرهاب التنظيم. فإذا أرادوا استنكار جرائم معروفة للتنظيم، لا يمكنهم التملّص منها، يربطونها فوراً بأعمال محاربتها ونتائجها، وتكشف «داعشيّتهم» المصطلحات التي يستخدمونها، والهجمات على كل من يدافع عن أرضه وعرضه، عن وطنه وشعبه. فيكتبون أنهم «يدينون» قتل الأبرياء من قِبل التنظيم، بكلمات أو بسطر، ويتفرّغون لإدانة ما يركّزون عليه دائماً وما يسمونه بأعمال «الميليشيات المدعومة من إيران»، من دون تحقيقٍ أو انتظار استقصاء أو مساءلة وتدقيق في الأعمال وشواهدها وقرائنها، وغيرها من الدلائل الجرمية والجنائية المعروفة. ولا يوجد في الواقع أيّ رابط بين الاثنين، إلّا في المخيال المرهون وفي الاستهداف المقصود والمخطّط له في غرفهم السرية السوداء. وهذه باتت واضحة لـ«دواعش» الثقافة والإعلام الناطقين، أو الكتبة باللغة العربية، أو المغسولة أدمغتهم والمتحوّلين إلى أبواق بدوافع متناقضة. حتّى تركت إيران والمقاومة عندهم كابوساً أو مرضاً نفسياً ملازماً، يعرفون به بسبب أو بدونه، ويعلّقونه على كلّ شيء، حتى على الزلازل وتغيّرات المناخ.
ما هو الهدف من تكرار القول: الجماعات المدعومة من إيران، مثلاً، أو الميليشيات الإيرانية، أو الميليشيات الشيعية المموّلة أو التابعة لإيران، ويعنون بها «الحشد الشعبي» في العراق، أو حزب الله في لبنان، وحين الحديث عن قوى السلطة الحاكمة في اليمن، يسمّونها «جماعة الحوثي المؤيّدة لإيران»، وتعريفها بهذه التسمية مع اعتراف بسلطة مقيمة بالفنادق وتحت أوامر أصحابها؟ وكلّ هذا يكرَّر يومياً، وفي أكثر من وسيلة إعلامية أو مقال أو افتتاح ندوة حوارية أو برنامج إخباري في التلفزيون أو الراديو أو المواقع الإلكترونية، وحتى باقي منصّات التواصل الاجتماعي والمجموعات المرتبطة. أمّا الأخرى التي تفضح أصحابها من دون خجل أو حياء مهني أو موضوعي، فلا أريد إعادة نشرها هنا، وإنما أريد التذكير بها من مسمّيات تنضح عن أصحابها، في شتم الحركات والأحزاب المعروفة في مواقفها التحرّرية ضد الاستعمار والكيان الصهيوني، وقلب أسمائها إلى معاكسها ومعنى آخر لا يمتّ بصلة لها، بل قد يكون معبّراً عن قائله أو كاتبه أكثر ممّا يريد منه أو أن يوصله بخبث واستهتار. ما أن تستنكر توحّش وجرائم «داعش»، إلّا يقابلك هؤلاء مباشرة بربط التنظيم بإيران وتمويل ودعمٍ منها، وهو أمر مضحك فعلاً. فحين يفشلون في الاتهام يلجأون بسرعة لإقناع أنفسهم بمهمّتهم ووظيفتهم بإطلاق تعليقاتهم وأخبارهم وتأكيدها بالكتابة والقول والإصرار عليها، ورفض أيّ تحليل أو نقد أو سؤال عن مصدر موثوق، أو تفسير منطقي يعرّي ادعاءاتهم ويفنّد حججهم وأكاذيبهم. ويصرّون على صحة معلوماتهم وخطأ الاستفسار عنها أو التحليل لها، أو حتى مجرّد مطالبتهم بإثبات الحجّة والبرهان.
يتباهى «دواعش» الثقافة بتوفر وسائل كثيرة لخدمتهم ويتبارون في تعبئتها بغثهم المتكرّر، من دون وخز ضمير مهني أو شرف المهنة بحده الأدنى. أجل استخدمت السفارات الغربية وأجهزة الاستخبارات الغربية أقلام «كتّابٍ» و«مفكّرين»، كما يحلو لهم التوقيع تحت منشوراتهم، ووفّرت لهم ما يُنشر ويوزع ويُعلن بلا حدود ولا رقيب. فما أن يحصل قصف لموقع «داعشي» أو أميركي محتلّ، حتى ترى جاهزيّتهم لإعلان خدمتهم والتفنّن في أداء مهمّتهم، في تشويه الوقائع وتزييف الحقائق وتوزيع سمومهم المطلوبة بخيالهم المرضي الملفت للعجب. وتمكّنت هذه الأجهزة من اختراقات محدّدة وزرعت لها ما يخدمها إلى حين، ولكن لم تنجح في ليّ رأس الحقائق أو تغليفها بسلوفان مراتبها وأعوانهم الذين لن يستطيعوا أن يغطّوا أشعة الشمس بغرابيلهم.
أمام هذا الواقع والوقائع، لا بدّ من وقفة جدية ورفع سبابة التوصيف والتعريف بهم وتقديم لائحة بالأسماء والعناوين، وتطبيق القانون والمحاسبة ومحاكمة التاريخ، فهم ليسوا أول القوم ولا آخر من تورّط وتعاون مع المحتل والغازي والاستيطاني ضد مصلحة شعبه ووطنه، وقد يكونون هم أول العارفين بذلك، مهما تكابروا أو تناعموا.

* كاتب عراقي

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا