صدر عن «محكمة لبنان ذات الطابع الدولي»، بعد 15 عاماً من التحقيقات وإنفاق 700 مليون دولار، حكمٌ قضى بمسؤوليّة سليم عيّاش عن التفجير الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري وما أسفر عنه. فكيف توصّلت المحكمة إلى هذا القرار؟لا بدّ من هنا من دراسة ظروف إنشاء المحكمة ومعرفة مواقف الجهات التي أصرّت عليها والتي أنشأتها ودرس طرائق التحقيق والملابسات، وصولاً إلى النتيجة:

أوّلاً: ظروف إنشاء المحكمة
أُنشئت المحكمة بعد نصر تمّوز ـــــ آب 2006، الذي أحرزته المقاومة على العدو الصهيوني، في عدوانه الذي، إن لم تكن أميركا قد دفعت عليه، فهي عملت على استثماره على أوسع نطاق، بدليل إصرارها على رفض وقف إطلاق النار حتّى عجز الجيش الإسرائيلي عن متابعة القتال، وبدليل نشاط كونداليزا رايس التي كانت تصرّ على خلق «الشرق الأوسط الجديد» بواسطة هذه الحرب. لكن في النتيجة فشل الصهاينة في القضاء على المقاومة، وفشلت أميركا في تحقيق شروط خلق الشرق الأوسط الجديد. ولا نعتقد بأنّهم اقتنعوا بذلك وسلّموا بالهزيمة.
ولمّا كان المتصدّون للاعتداءات الإسرائيليّة، هم حركة المقاومة في لبنان وفلسطين وداعميها: إيران وسوريا، كان لا بدّ من كسر كلّ المحور الذي يضمّهم. وهكذا اتُّهمت سوريا، ولكنّ «أصحاب القرار»، راحوا بناءً على اقتراحات بريطانيّة، يدبّرون الوسائل لتدمير سوريا، بشهادة وزير الخارجية الفرنسي الأسبق (1)، لذلك فضّلوا توجيه التهم إلى حزب الله، وهكذا «اكتشفوا» أنّ ضابطاً صغيراً لبنانيّاً ــــــ وسام عيد ــــــ قد اكتشف، رغم بدائيّة وسائله، معلومات تعجز عنها الوسائل المتطوّرة، وتتمثّل بشبكات تواصل هاتفيّة يمكنها أن تحدّد المتّهمين (2)، فنحن فعلاً في زمن العجائب! وهكذا أصبحت المقاومة متّهمة، فهي التي استخدمت قياداتها لتنفيذ جريمة اغتيال الحريري!

ثانياً: إنشاء المحكمة
أصرّت حكومة فؤاد السنيورة على إنشاء محكمة دوليّة، بعد انتهاء التحقيقات الأوليّة التي قام بها محقّقون دوليّون. واستجابت الأمم المتّحدة للحكومة، رغم عدم مشاركة رئيس الجمهورية صاحب الصلاحية، وللبرلمان اللبناني، رغم أنّه لم يعقد أيّ جلسة ولم يتّخذ أي قرار، بل فقط قدّم بعض النوّاب المرتبطين بالسنيورة عريضة. وأنشأ مجلس الأمن المحكمة بدفع من أميركا وفرنسا. فهل يمكن لهذا «المجتمع الدولي» أن يكون حياديّاً ويتوخّى العدالة للبنان وشعبه؟
لقد عوّدنا «المجتمع الدولي» على الغدر، منذ بدايات القرن الماضي على الأقل، وما تبنّي عصبة الأمم لوعد بلفور وتضمينها إيّاه صكّ الانتداب على فلسطين، ثمّ قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين عام 1947، ثمّ اعترافها بإسرائيل «دولة محبّة للسلام»، من جهة، واستجابة عصبة الأمم للمطامع الإنكليزية والفرنسية في استعمار سوريا والعراق تحت مسمّى «الانتداب»، ثم عدم إدانتها شنّ العدو حرب حزيران، من جهة أخرى، إلّا أدلّة صارخة على «عدالة» المجتمع الدولي تجاه قضايانا. إذاً، أُنشئت المحكمة بالتوافق بين جهات لبنانية وجهات دولية معادية للمقاومة وسوريا وإيران.
اعترفت جهة معيّنة باغتيال الحريري وتحدّثت تفصيليّاً عن سبب الاغتيال، وهو سبب مقنع، وسرَدت كيفيّة الإعداد للعملية


ثالثاً: التحقيقات
قامت جهة لبنانيّة بالتحقيقات الأولية، ثم تولّتها جهات أجنبيّة (دولية).
أ ـــ تحقيقات فرع المعلومات:
كان يرأس فرع المعلومات العميد وسام الحسن، وهو الذي كان مسؤولاً عن أمن الرئيس الحريري، لكنّه تغيّب عن الموكب يوم الاغتيال بحجّة تقديم امتحان جامعي، لكن ثبت أنّه لم يتقدّم للامتحان، وادّعى بأنّ هاتفه كان مقفلاً فلم يعلم، إلّا متأخّراً، بالانفجار. وتبيّن أنّ هاتفه كان على العكس يتلقّى الاتّصالات بالعشرات (3). وبدلاً من أن يُحقَّق معه، كان هو المسؤول عن التحقيق. ويتذرّع التقرير السرّي (للأمم المتحدة) بأنّ التحقيق مع حسن «قد يضرّ بعلاقة اللجنة مع قوى الأمن الداخلي». والطريف، أنّ جهات في التحقيق كانت تشكّ في علاقة له مع حزب الله (4)!
اعترفت جهة معيّنة باغتيال الحريري ـــــــ وعلى رأسها السعودي المدعو فيصل أكبر ـــــــ وتحدّثت تفصيليّاً عن سبب الاغتيال ــــــ وهو سبب مقنع ــــــ وسرَدت كيفيّة الإعداد للعملية، وهي الأمور التي لم يكشفها التحقيق إلّا بعد ذلك بأشهر (5). لكن، بمسرحيّة معيّنة، أُقنع فيصل أكبر بالتراجع عن اعترافه بعد تعرّضه للتعذيب (6). أمّا المجموعة المنتسبة إلى تنظيم «القاعدة»، والتي اتّخذت اسم «الجهاد والنصرة»، فجرى التذرّع بأنّها لم تكن معروفة من قبل ولا عُرفت من بعد. وكأنّ غياب الاسم يعني غياب المسمّى. ألم يكن ممكناً أن تقوم مجموعة تُطلق على نفسها أيّ اسم بتنفيذ عمليّة معيّنة، ثم تتخلّى عن الاسم بعد ذلك. هذا وتبنّى فرع المعلومات شهادات الشهود الكذبة واستبعد تورّط إسرائيل والـCIA كذلك. وهذا دليل على أنّ الفرع كان يريد أن يدفع التحقيق باتّجاه محدّد، ويستبعد تعسّفاً الاتّجاهات الأخرى. لكنّ المعوّل عليه كان التحقيقات الأجنبية الدولية.
ب ـــ التحقيق الدولي:
ميلس، براميرتزز وبلمار
جرى الهجوم بداية على تحقيق الأجهزة اللبنانيّة، لتبرير طلب التحقيق الدولي، إلّا أنّ المحكمة، بعدما أشارت إلى «سوء إدارة التحقيقات الأوليّة» (فقرة87) وإلى «أوجه القصور» في التحقيق، أقرّت في حكمها بعد 15 سنة من ذلك، بأنّ ضبّاطاً وخبراء لبنانيّين «أجروا تحقيقات دقيقة وناجحة». والسؤال: ما الذي دفع إلى المطالبة بالتحقيق الدولي إذاً؟
بدأ ديتلف ميلس التحقيق مستكمِلاً ما كان بدأ قبله، ولم يكن هذا «القاضي» يلتزم بـ«التحفّظ القضائي»، فكان يظهر في الاحتفالات وحفلات الشراب في اليخوت وغيرها، وكان أعوانه يبيعون التحقيقات، وقد طلب مساعده ــــــ ليمان ــــــ مليون دولار لتسليم نسخة عن التحقيق بكامله (7). وكان ميليس يغري هذا ويعد ذاك لاتّهام هذه الجهة أو تلك، وقد أدّت تحقيقاته إلى سجن الضبّاط الأربعة أربع سنوات، لتُكتشف براءتهم بعدها.
أخذ ميلس بأقوال شهودٍ كذبة، بعضهم قدم من إسرائيل ـــــــ عبد الباسط بني عودة ـــــــ وسافر بعد الإدلاء بشهادته (8). ومنهم من رعته الاستخبارات الفرنسية وما زالت ــــــ زهير الصديق ــــــ ومنهم هسام هسام وإبراهيم جرجورة وأكرم شكيب مراد، وبعدما كشف بعض هؤلاء عن تلقينهم الشهادات من قبل مروان حمادة وفارس خشّان ووسام الحسن... (9) لم يتمّ استدعاء من لقّنوهم ليُكتشف الغرض من هذا التلقين.
وبعدما عرضت المقاومة شريط مراقبة تحرّكات الرئيس الحريري في بيروت وفي صيدا وفي فقرا، لم يؤبه لهذه القرينة، علماً بأنّ العدوّ كان صاحب المصلحة الأولى في التخلّص من الرئيس الحريري، بعدما أصبحت علاقته جيّدة بالأمين العام لحزب الله، كما تؤكّد المحكمة (فقرة 57). وهو الذي كان معوّلاً عليه أن يسير بالصلح مع العدو، في أجواء 1993 واتفاقيّات أوسلو، ويحلّ مشكلة اللاجئين على حساب لبنان.
كما لم يطلب من إسرائيل ما يمكن أن تكون وفّرته طائراتها التي كانت في الأجواء عند حصول الانفجار. ولم يدخل في احتمالات المحكمة مشاركة الـCIA، علماً بأنّ الأميركيّين لم يستجيبوا لطلب المحكمة تزويدها بصوَر الأقمار الصناعيّة (10)، وتذرّعوا بأنّ خللاً أصابها في تلك المناسبة (11). كذلك، رفضت الأجهزة الأميركية تزويد بلمار بأيّ معلومات (12). وكان النقيب وسام عيد قد «اكتشف» "شبكات التخابر»، لكن لم يقتنع بها المحقّق براميرتز وطُويت. وفجأة، بعد سنة ونصف سنة، وبعدما تقرّر استبعاد سوريا، أُعلن عن شبكات التخابر الهاتفي.
ج ـــ شبكات الهاتف:
رُكّبت خرائط شبكات الهاتف وأُطلقت عليها تسميات الزرقاء والحمراء الخضراء والأرجوانية، وراحت تُركّب السيناريوات بخصوصها، واختيرت سيناريوات معيّنة، لتلصق التهمة بأربعة من كوادر المقاومة الرئيسين، ثم يُضاف إليهم خامس. لكنّ هذه «القرائن» ما لبثت أن دُحضت. فقد تبيّن أن الهواتف ليست لمن نُسبت إليهم، وذلك في تحقيقات أجرتها قناة تلفزيونيّة لا علاقة لها بالمقاومة الإسلاميّة (13). وكان بإمكان المحكمة أن تتأكّد من ذلك، لكنّها لم تكلِّف نفسها عناء التأكّد؟!
من جهة أخرى، أثبت الخبراء أنّ بالإمكان التزوير في هذا المجال على أوسع نطاق، سواء في نسبة الكلام إلى هذا المستخدم أو ذاك، أو في استخدام أيّ هاتف من قبل شخص غير صاحبه بطرق معيّنة، ولا سيّما أنّه اكتُشف خرق إسرائيليّ لمحطتَي الخلوي.
واستطراداً، وعلى فرض صحّة نسبة المكالمات إلى من نسبت إليهم، فهل يكفي ذلك دليلاً على ما استنتجته المحكمة بشكل «لا يرقى إليه شكٌّ معقول»؟
أولاً: إنّ المكالمات جرى التعامل معها على طريقة السينما الصامتة، أي أنّه لم يُعرف أيّ مضمون خاص بها، لأنّ الادعاء رفض حتّى تسليم الرسائل النصيّة القصيرة للدفاع (14)، وهكذا اقتصر الأمر على: اتّصل فلان بفلان وردّ فلان على فلان.

تبيّن أن الهواتف ليست لمن نُسبت إليهم وذلك في تحقيقات أجرتها قناة تلفزيونيّة لا علاقة لها بالمقاومة الإسلاميّة


ثانياً: هل بالإمكان تحديد موقع المخابرين بدقّة من خلال الصور التي تغطّي أمكنة المكالمات، علماً بأنّ دائرة التغطية هي من الاتّساع بحيث يتعذّر تحديد الشارع وربّما الحي؟ (15)
ثالثاً: هل هذا هو السيناريو الوحيد الممكن لخرائط الشبكات هذه، أم بالإمكان اكتشاف ما لا يُحصى من احتمالات؟
رابعاً: واستطراداً، وعلى فرض كُشِفَ عن مضمون الاتّصالات، فهذا ليس دليلاً، لأنّه يمكن أن تكون أصواتٌ ركّبت على الهواتف، وهذا يشبه التعامل مع نسخ الوثائق «الفوتوكوبي»، التي لا تقبل إلّا على أنّها بداية بيّنة خطّية.
د ـــ حجّ السيّد عيّاش واستمرار عمل هاتفه في لبنان
بعد دحض دليل الاتّصالات كما ذكرنا، تصرّ المحكمة على إعطائه الأولوية على كلّ ما عداه، وخصوصاً على شريط المراقبة الإسرائيلية والكثير من القرائن الأخرى، فقد ثبت من سجلّات الأمن العام اللبناني والأمن العام السعودي، أنّ السيّد عيّاش وزوجته سافرا إلى السعودية في موسم الحج عام 2005، في وقت الإعداد لارتكاب الجريمة. لكنّ المحكمة الدولية تكذّب ذلك، متذرّعة بثلاثة أمور (فقرات: 187، 188، 220).
1 ـــ أنّه في ظروف الحجّ لا يدقّق الأمن العام اللبناني ولا الأمن العام السعودي في الجوازات، ماذا يُفهم من ذلك؟ هل أنّ أشخاصاً آخرين سافروا بجوازات السفر الخاصّة بالسيّد عيّاش وعائلته، أم أنّ الجوازات خُتمت من دون أن يحصل السفر، أم ماذا؟
إنّ احتمال أن لا يدقّق كلا الأمنين العامّين في الجوازات أمر بعيد الاحتمال، فهل السعوديّة تفرّط في أمنها وأمن الحجيج وتتغاضى عن التدقيق في هويات الوافدين إليها في موسم خطير يمكن أن يتسلّل خلاله من يخرّب الحج؟
2 ـــ إنّ جواز سفر ابنة السيد عيّاش ظهر له أثر في الأمن العام اللبناني، ولم يظهر له أثر في الأمن العام السعودي. فهل هذا ينسف كلّ مسألة حجّ العائلة؟، ولماذا لم تستخدم المحكمة هنا نظريّة «الازدحام «العجقة»؟ وهل سألت المحكمة الأمن العام اللبناني كيف يختم جوازاً قادماً من السعوديّة من دون أن يكون مختوماً في السعوديّة؟
3 ـــ إنّه سجّل حضور السيّد عيّاش في عمله في الأيّام التي طلب أن يجاز فيها، فإذا صحّ أنّه ورد اسمه بين الحضور في وظيفته في الأيّام التي ذُكرت، وما دامت المحكمة تشكّك في دقّة سجلات الأمن العام في لبنان والسعودية، فلمَ لم تشكّك في صحّة حضوره إلى عمله، علماً بأنّ في لبنان من الدارج تماماً أن يسجّل الغائب حاضراً كيلا يُحسم من راتبه. وهذا معروف في معظم الدوائر. وكان يمكن استجواب مسؤول السيّد عيّاش عن الأمر. ثم هل سُئل الأمن العام اللبناني والأمن العام السعودي عن هذه الملابسات. وماذا عن زوجة السيّد عيّاش، هل سافرت إلى الحج أم لا؟
وبالمقارنة بين هذه الفرضية وفرضيّة عمل الهاتف الخاص بالسيّد عيّاش رقم 165، فأيّتهما تُستبعد: فرضيّة ختم الجواز «الناقصة» أم فرضيّة عمل هاتف بيّنت محطّة «الجديد» أنّه لا يعود إلى السيّد عيّاش، ولم تشأ المحكمة أن تتأكّد من ذلك؟ يبقى سؤال منطقي: إذا كان السيّد عيّاش مجرّد موظف في الدفاع المدنيّ، فهل يملك كلّ هذه القدرات ليقوم بعمل بهذه الخطورة والتعقيد؟
ه ـــ تناقضات المحكمة:
في تحديد المحكمة للظروف السياسيّة التي أحاطت بالجريمة، ركّزت على سوريا والمقاومة. ولم يساورها شكّ في دور إسرائيلي أو أميركي أو تكفيري، رغم القرائن المؤيِّدة.
واعتمدت المحكمة على شهادات سياسيّين معادين للمقاومة ولسوريا ومحورهما بكامله: مروان حمادة، وليد جنبلاط (وقد رأينا ارتباكه في الاستجواب)، فؤاد السنيورة. ثمّ هل كانت شهاداتهم متطابقة مع المعلومات الواقعية؟
ونسبت المحكمة إلى الحريري كلاماً أبلغه إلى وليد المعلّم وزير الخارجيّة السوري، يقول فيه: «لبنان ما راح ينحكم من سوريا للأبد» و«ذلك ما عاد يصير" و«ما عاد قادر احتمل الأمر» و«أنا صار ثلاثة أرباعي في المعارضة» و«أنت بتعرف إنّو في تدخّل بالصغيرة والكبيرة في البلد» (فقرة 517). والتساؤل هنا: كيف التثبّت من هذا الكلام «المسجّل»، ثم على فرض صحّته، هل يدلّ «بما لا يدع مجالاً للشك» على نيّة بقتل الحريري؟
هل هذا يدلّ على عناد من قبل الحريريّ لا يتغلّب عليه إلا بقتله، رغم حاجة سوريا إلى علاقات الحريري الخارجيّة، مع العلم أنّ بشّار الأسد سبق أن أعلن أنّه سيسحب جيشه من لبنان. لم تعالج المحكمة مسألة الشهادات الكاذبة، ولا سألت الملقّنين وعلى رأسهم كما أكّد هسام هسام، مروان حمادة، ولو حصل الأمر لاتّخذت المحاكمة وجهاً آخر، فهل التلقين مسألة بريئة؟ ألا ترمي إلى تضليل التحقيق وصرفه عن المسار الصحيح؟ كذلك، اعتمدت المحكمة السيّد غاري بلات خبيراً في الاتصلات الهاتفية، بينما هو «محقّق لدى الادّعاء»، فهل يجوز أن يكون الشخص خصماً وحكماً في الوقت نفسه؟ وقد برز في التحقيق أنّ الانتحاري منفّذ التفجير شخص من منشأ صحراوي قدم إلى منطقة حضريّة وعاش فيها مدّة معيّنة فمن هو؟ وقد عُثر على سنّ في مسرح الجريمة، ثمّ اختفت، فلماذا لم تتحرَّ المحكمة عنها؟
ولعلّ من طرائف المحكمة ما ورد في الفقرة 268 من أنّ السيّد بدر الدين يملك شقّة أو أكثر في جونية، بينما هو قائد في المقاومة. أما خطر في بال المحكمة أنّ الاستخبارات الإسرائيليّة يمكنها هناك، وبكلّ سهولة أن تكشفه؟ وأمّا قصّة إقناع أبو عدس بلعب الدور الذي أوكل إليه، فهل للمحكمة أن تخبرنا: كيف اقتنع وبمَ أُغري؟
وتصديقاً لكلّ هذه التناقضات، يقول السيّد كاسيزي أوّل رئيس للمحكمة: «أنا أتخبّط عندما ألاحظ أنّنا نقوم بعدالة انتقائية» (17). وقد قدّم الرئيس السابق لغرفة الدرجة الأولى، روبرت روت، في أيّار 2018 دلائل تشير إلى أنّ بعض «إجراءات المحكمة تهدف إلى إدانة حزب الله لا إلى تحقيق العدالة».
وأخيراً، ألا تدلّ على أيّ شي تصريحات نائب رئيس المحكمة بو أستروم الذي كشف الكثير من الأمور المتعلّقة بعملها، ومن أهمّها عدم الجرأة على استجواب ضبّاط في الأمن الداخلي تحت ذريعة الخشية من أن يكفّ هذا الجهاز عن التعاون مع المحكمة؟ (18) وبعد ألا تكشف الاستقالات المتعدّدة من قبل مساعدين أساسيّين في المحكمة عن شيء.
وفي الكلام عن العبث بمسرح الجريمة وهو سحب الآليّات المتضرّرة، وما إلى ذلك من قبل رجال الأمن اللبنانيين، فهل السيّد عيّاش هو الذي أمر بذلك لإخفاء آثار الجريمة؟ ومن جهة أخرى، ألا يعني الحصول على معلومات واسعة عن أمور شاملة في لبنان تصل إلى كشوف لطلاب الجامعات ورواد بعض العيادات... شيئاً؟ وألا يعني شيئاً مرور شحنات الوثائق في فلسطين المحتلّة ونومها هناك قبل شحنها إلى لاهاي؟ ألا يعني أنّ في الأمر عمليّة تجسّس تلقي شبهة على عمل المحكمة؟ من كلّ ما تقدّم لا يمكننا إلّا الاستنتاج أنّ المحكمة هي إحدى أدوات الحرب الناعمة ضدّ المقاومة ومحورها.

* أستاذ في كلية الحقوق، الجامعة اللبنانية

المراجع
1ــ V. Réseau Voltaire 17 juin 2013 : l’ancien ministre français des affaires étrangères, Roland Dumas, a indiqué avoir été démarché par les Britanniques en 2010 —c’est-à-dire avant le « printemps arabe »— pour soutenir une guerre contre la Syrie, dans l’intérêt d’Israël
2 ــ وقال المتخصص البريطاني ، إن ما نسب إلى عيد مستحيل. وأعلن أنه لا يمكن لأحد أن ينجز مثل هذا الشيء بدون مساعدة حاسوبية قوية والتدريب المطلوب.ويعتقد خبراء الاتصالات أن النقيب عيد قد حصل على مساعدة. يجب أن يكون شخص ما قد أعطاه هذه المعلومات. وربما كان متورطاً بطريقة ما؟ راجع تقرير CBS الكندية بتاريخ 21/11/2010.
3 - راجع مقابلته بو أستروم نائب المحقق الدولي ميليس على Agora Leaks عدد كانون الأول 2013، ويقول غاري لوبكي (أواخر عام 2008)، وهو مسؤول كبير سابق في شرطة الخيالة الملكية الكندية ، إن عذر حسن «لا يبدو أنه تم التحقق منه بشكل مستقل» راجع تقرير CBS. مذكور سابقاً

4 - تقرير CBSمذكور سابقاً.
5 - راجع جريدة الأخبار عدد 3 تموز 2013.
6 - هل لوسام عيد علاقة باستبعاد فرضية فيصل أكبر وهل بعيد عن المنظمات المتطرفة؟ تقول والدته سميرة: "إنه شخص متدين. يساعد في الحزن» تقرير CBS مذكور سابقاً.
7 - خطاب الأمين العام لحزب الله بتاريخ 8 آب 2010، راجع الأخبار عدد 20/12/2010؟.
8 - فضائية الجزيرة، برنامج «الصندوق الأسود» بتاريخ 17 شباط 2015.
9 - مدوّنة العرب الآن، بتاريخ 9/11/2010، السفير عدد 28/11/2005، والنهار عدد 29/11/2005.
10 - تقرير براميرتز المنشور في 13 كانون الأول 2006.
11 - راجع مقابلته بو أستروم مذكورة سابقاً.
12 - فقد ذهب بلمار إلى واشنطن ، باحثًا عن مساعدة من وكالات استخباراتها. هناك التقى بمستشار بوش للأمن القومي، ستيفن هادلي، ومع وزيرة الخارجية آنذاك كوندوليزا رايس. لكن تم رفضه. راجع تقرير CBS. مذكور سابقاً
13- يطلب ذلك من قناة «الجديد» التلفزيونية
14 - وذلك بتاريخ 21/7/2014.
15 - ورد في الفقرة 293 أن غرفة الدرجة الأولى أخذت في الاعتبار محدودية أدلة المواقع الخلوية في تحديد المكان الفعلي لهاتف خلوي لدى اتصاله بخلية... فتغطية الخلايا متداخلة، أي أنه يمكن لهاتف خلوي أن يكون موجوداً فعلاً في منطقة تغطية خلية مجاورة لتلك التي يشغلها».
16 - تقرير براميرتز، مذكور سابقاً (فقرة 34).
17 - جريدة الأخبار في 23 نيسان 2009.
18 - راجع مقابلته على قناة الجديد ومقابلته على Agora Leaks عدد كانون الأول 2013. وتقرير CBS مذكور سابقاً.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا