أخوتي وأخواتي في دولة الإمارات،كنت قد تلقّيت دعوة كريمة من دولتكم قبل ما يقارب السنوات العشرين، لإلقاء محاضرات في منتدياتكم الثقافية. وما زلت إلى اليوم أذكر ما حظيت به من محبّة وترحيب، والأهم من كلّ ذلك ما جوبهت به من أسئلةٍ من شابّات وشبانٍ متّقدي الذهن، نادراً ما صادفتها في صفوف طلّاب الجامعات حيث عمِلت. وانطلاقاً من واجبي، معطوفاً على المحبة والشكر، ارتأيت أن أكتب هذه الكلمات، علّني أقترح عليكم بعضاً ممّا ينتظركم في الآتي من الأيام، نتيجة المعاهدة التي أبرمَتها دولتُكم مع الكيان الصهيوني.
أولاً، تنتظركم نظرة فوقية مبنية على عقيدة ترى أنّ العرب، كلّ العرب، في مرتبة أقرب إلى الهوام والحيوان، منها إلى البشر. وليس هناك من داعٍ لتبيان ذلك، فتصريحات قادة هذا الكيان، من عسكريين ودينيين، تزخر بمثل تلك التشبيهات. بل أكثر من ذلك، فإنّ ما جرى التوصّل إليه في نظرهم، هو عبارة عن معاهدة بين أناسٍ خصّهم الله بخصائص تجعلهم فوق البشر ــــ وفوق كلّ قانون أو ناموس ــــ وبين من هم دون مستوى البشرية.
ثانياً، ستشهدون وفوداً متتالية من أفراد الموساد. هؤلاء سوف يراقبون كلّ ما تقومون به من تحرّكات داخلية وخارجية، وهو ما سيجعل من سيادتكم مسألةً نسبية. لذا، في حال خطر ببالكم أن تُعيدوا النظر مستقبلاً في سياستكم الخارجية، بما لا يخدم مصالحهم، سيعملون فوراً على ثنيِكم عن الأمر، ولو تسبّب ذلك في إضرام القلاقل في صفوفكم وزعزعة استقراركم. ولا مجال، هنا، لذكر ما قام به الموساد في هذا المضمار في دنيا العرب، فهو يفتخر بذلك وينشر أفعاله على الملأ، وفي الكتب.
ثالثاً، ينتظركم صفٌّ طويلٌ من رجال أعمالهم، لا همّ لهم سوى استغلال ثرواتكم، من خلال التغلغل في صناعاتكم الإلكترونية والسيطرة عليها، فتصبح اتصالاتكم وهواتفكم تحت المراقبة الدائمة من قبَلهم.
تنتظركم نظرة فوقية مبنية على عقيدة ترى أنّ العرب في مرتبة أقرب إلى الهوام والحيوان


رابعاً، ستشهدون حملة إعلامية عالمية صهيونية مكثّفة، ترمي إلى إبعادكم عن محيطكم وتاريخكم العربي وعن مصير أمّتكم وقضاياها الكبرى، وفي طليعتها فلسطين. وما ترحيب بعض الرسميين عندكم بتصريح بنيامين نتنياهو بشأن «وقف» الاستيطان، إلّا كذبة مضحِكة دشّنت هذه الحملة، وسيتبعها سيلٌ جارفٌ من مثيلاتها، أي من المزاعِم الصهيونية التي سوف يبتلعها ويردّدها صغار العقول.
لقد عاد الاستعمار بشكله الصهيوني إلى بلادكم، بعدما غاب عنها الاستعمار البريطاني بسبب صلابتكم، ونضالكم لنيل الحرية والسيادة. يقيني أنّ هذا المستعمِر الجديد ألطفُ وجهاً من القديم، وأكثر بشاشة، لكنّه أشرس وأخطر بما لا يُقاس من الذي سبقه. لا يوجد بينكم وبينه أيّ رابط ذي مغزى، لا تاريخي ولا جغرافي ولا ثقافي ولا أخلاقي ولا حتى اقتصادي، كي تُبنى عليه أيّ آمال في فلاح دولتكم. وإذا كان هذا الذي تعاهدتم معه سيضعكم تحت المجهر، فلا بدّ لكم أن تضعوه هو أيضاً تحت مجهركم: راقبوا ما يفعله هذه الأيام في غزّة. راقبوا وخذوا العبرة من كيفية حصاره لمن لا يعتبرهم بشراً مثله. واسمعوا ما يقوله الذين يتظاهرون ضدّ نتنياهو: «ما لنا ولهؤلاء الإماراتيين؟ وما أهميتهم بالنسبة لنا؟ وما هو هذا الإنجاز التاريخي؟». راقبوا أيضاً كيف ابتلع هذا الكيان كلّ ما وصل إليه من تراث العرب الثقافي، وكيف حوّله، في لحظة، إلى تراثه الخاص.
كان الراحل الكبير المغفور له، الشيخ زايد، أحد حكماء الأمّة البارزين. بنى دولة عمّ خيرها عالم العرب، فإذا بِنا نراها اليوم قد شرّعت أبوابها أمام كيانٍ لا يتمنّى للعرب إلّا السوء، ولا يخطّط سوى لبؤسهم وتفرقتهم، وللفتن في ما بينهم.
حماكم الله من كلّ سوء.
* أكاديمي فلسطيني

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا