يعاني لبنان من مشاكل مختلفة ومزمنة على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسيّة وانعدام الأمن الاقتصادي والاجتماعي. وما الانفجار الذي اجتاح بيروت في ٤ آب/ أغسطس ٢٠٢٠ إلّا دليلٌ قاطعٌ على إهمال إجراميّ لسلطةٍ لم ولن تتحمّل مسؤوليّاتها يوماً. فالشعب في عمق أزمةٍ إنسانيّةٍ مدمّرة، والسلطة ما زالت تراوغ في أساليب مواجهة الواقع وتنكر إهمالها المتمادي وفشلها، وتتمادى في استجداء المساعدة من العالم أجمع مشترطة أساليب المساعدة. غير أنّ استمرار هذا الوضع وتفاقمه لا يعود لظروف محض إقليميّة ولا لخلافات محض سياسيّة داخليّة، وإنّما أساساً لمشكلة بنيويّة ألا وهي طبيعة النظام اللبناني القائم. لذلك، فإنّ تغيير بنية النظام شرطٌ أساسيّ لمواجهة هذه المشاكل. لذا، نحن الموقِّعين أدناه، ومن منطلق حرصنا على لبنان وشعبه من مواطنات/ين ومقيمات/ين، نعلن تأسيس «المنتدى الأكاديمي الكندي اللبناني»، للمساهمة بهذا التغيير البنيوي المنشود للعبور بلبنان من دولة الطوائف إلى الدولة المدنيّة العادلة.إنّ النظام القائم في لبنان هو نظام محاصصةٍ طائفي إقطاعي رأسمالي فاسد، حيث يسعى القيّمون عليه والمستفيدون منه، إلى جني الأرباح بغضّ النظر عن الوسيلة وعن مدى الضرر الذي يمكن أن يحدثوه في المجتمع، وبالأخص على فئات المجتمع الفقيرة والمهمّشة. وهم في سبيل ذلك يتوسّلون:
1- أدوات الحشد الطائفي، التي بواسطتها يسعون لحشد الأزلام بواسطة شدّ العصب الديني، إيهامِ الناس بأنّهم أفضل مَن يمثّلونهم طائفيّاً، استعمال الناس أدوات في وجه منافسيهم على المال والسلطة، وتخوين كلّ من يتجرّأ على معارضتهم بمختلف الوسائل المتاحة.
2- شخصنة مؤسّسات الدولة، وبالتالي تدميرها كمؤسّسات عامّة، بحيث لا يعود ممكناً للمواطنات/ين الحصول على حقوقهم العاديّة إلّا تحت مسمّى «الخدمات» من خلال العودة إلى «الزعماء» وأزلامهم في الإدارات المختلفة، ما يرسّخ سلطتهم عبر عمليّة ارتهان الناس.
3- إهمال سياسات سوق العمل والتعويض عن هذا الإهمال وما يترتّب عليه من استفحال البطالة، بالتوظيف العشوائي أو بخلق الوظائف والمؤسسات الوهمية لإرضاء أكبر عدد من المناصرين على حساب الدولة والشعب، وهو ما يزيد من شخصنة مؤسّسات الدولة وعمليّة الارتهان.
4- استتباع واستغلال وسائل وشخصيّات إعلاميّة لتمرير مشاريعهم وتلميع صورتهم، وصرف الأنظار عن المشاكل الأساسية من أجل تمرير صفقات مشبوهة.
5- تسخير الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة والقضائيّة للقمع وترسيخ سلطتهم على حساب أمن المجتمع.
6- التذرّع بالأزمات الأمنيّة والسياسيّة الإقليميّة أو الأزمات الصحية العالمية، لتأجيل أيّ نقاش حول طبيعة النظام ومسؤولياتهم الشخصيّة عن تدهور الأوضاع.
7- اعتماد سياسات ما زالت تهمّش مناطق معيّنة وأدّت اليوم إلى حالة إفقارٍ جماعيّ، من أجل إشغال المواطنات/ين بتأمين لقمة عيشهم وصحّتهم، وثَنْيهم عن المطالبة بحقوقهم.
هذا كلّه يُنتج ما نراه اليوم من انعدام الأمان الصحّي والاقتصاديّ والاجتماعيّ، في بلد بلغت فيه الفوارق الطبقيّة وانعدام العدالة الاجتماعيّة مستويات غير مسبوقة ولا يمكن السكوت والتغاضي عنها. إنّ إنقاذ لبنان يتطلّب تغييراً جذريّاً في بنية النظام السياسي الاقتصادي يبدأ بحكومة انتقالية، من خارج دائرة المنظومة السياسية الفاسدة، تتمتّع بصلاحيّات تشريعيّة استثنائيّة لإعادة إنتاج السلطة من خلال إقرار قوانين جديدة، منها قانون انتخابي خارج القيد الطائفي، واتّباع سياساتٍ تحقّق المواطَنة وتعزّز العدالة والأمن الاجتماعي والاقتصادي. كما أنّ إنقاذ لبنان يتطلّب بناء دولة ذات سيادة قادرة على الدفاع عن نفسها وفرض سيادتها واسترجاع أراضيها المحتلّة، وفي هذا الإطار يعتبر المنتدى أنّ الدفاع عن سيادة لبنان وتحقيق مصالح شعبه يتعارضان مع أيّ طرح تطبيعي.
هذا النظام هو لبّ المشكلة وتغييره الجذري هو أصل الحلّ، وأيّ محاولة لإصلاحه أو ترميمه لن تجدي نفعاً. بناءً عليه، فإننا في المنتدى نرى أن هناك حاجة ماسّة لاتّخاذ بعض الخطوات الأساسية من قِبل الحكومة الانتقاليّة المقترحة:
1- إجراء جردة بموجودات الدولة كشرطٍ أساسيّ للبدء بأيّ تخطيط صلبٍ ومتماسِك.
2- معالجة الدَّين العامّ وتوزيع الكلفة على المصارف والشركات الكبيرة وكبار المودعين الذين استفادوا من السياسات الماليّة وضمنها الفوائد الخياليّة التي أنهكت خزينة الدولة وقضت على الاقتصاد اللبنانيّ.
3- إرساء مظلّة أمانٍ اقتصاديّ واجتماعيّ وصحّيّ للمواطنات/ين والمقيمات/ين.
4- الامتناع عن خصخصة أيّ قطاع تحت أيّ مسمّى ورفض وصفات صندوق النقد الدولي والتأكيد على عدم المسّ بممتلكات الدولة ومداخيلها عبر بيعها أو رهنها للمصارف أو لكبار المودعين ولأصحاب المنافع الخاصّة. مُمتلكات ومداخيل الدولة هي ملكٌ للشعب.
5- إقرار حزمة قوانين تكافح الفساد والهدر وتعزّز الشفافية في مواقع المسؤوليّة.
6- إصلاح القضاء وتحصينه واستقلاله التام عن التدخّل السياسي.
7- رفع مستوى التعليم الرسمي المجاني واستعادة استقلالية الجامعة اللبنانية.
8- تحديث وتفعيل قانون محاكمة الرؤساء والنواب والوزراء.
9- إعادة النظر في قوانين النظام المصرفيّ.
10- تطبيق قوانين الإثراء غير المشروع.
11- إغلاق مؤسسات ومجالس التنفيعات والصناديق السوداء ومحميّات الفساد.
12- إطلاق ورش العمل في مشاريع إصلاح البنية التحتية بشفافيّة تامّة.
13- إعادة هيكلة القطاع العام وفق الاحتياجات الضرورية وتفعيل الهيئات الرقابية.
14- إقرار قانونٍ عادلٍ للجنسيّة وللأحوال الشخصيّة.
إنّ المنتدى في صدد بناء تحالفاتٍ وشراكاتٍ مع أكاديميّين متعدّدي الاختصاصات، وبناء جسور تواصلٍ مع أطراف مهتمّة بتحقيق العدالة الاجتماعية، وذلك بهدف دعم بناء دولة مدنية ديمقراطية في لبنان. إنّنا إذ نكرر التأكيد على أنّ أصل المشكلة هو في النظام السياسيّ المتسلّح بالطائفية هو المشكلة وتغييره هو الحلّ. وإنّنا في المنتدى ندعو جميع الأكاديميين الكنديين من أصولٍ لبنانيّة (من جهة الأمّ أو الأب)، للانضمام إلى هذا المشروع والمساهمة الفكريّة والعمليّة فيه من أجل العبور بلبنان من دولة الطوائف إلى لبنان الدولة المدنية الحرّة. للتواصل مع الهيئة التأسيسيّة بإمكانكم مراسلتنا بالبريد الإلكتروني: [email protected] كما يمكنكم زيارة موقعنا على الإنترنت www.claf-facl.ca للمزيد من المعلومات.

* الهيئة التأسيسّية للمنتدى الأكاديميّ الكندي اللبناني (بالترتيب الأبجدي): د. علي برّو، د. مازن حطيط، د. عماد رعد، د. محمّد صوّان، د. ناهدة العاصي، د. عبد المطّلب الصّديق، د. أمل غزال، د. جلال كعوش، د. يحيى اللهيب، د. خريستو المرّ

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا