لم يكن مفاجئاً إقدام النظام السعودي على إعدام العلامة الشيخ نمر باقر النمر وبالطريقة الوحشية التي جرى الكلام عنها. فهذا النظام الأسري والقبلي قد تحالف مع الحركة الوهابية وشيخها المؤسّس محمد بن عبد الوهاب لإقامة كيان هجين في أرض الحجاز ونجد، وعلى نقيض من كل النسيج الاجتماعي والديني هناك. قد لا تعني بالضرورة العقيدة الوهابيّة الشيء المهم لإبن السعود بقدر ما تعنيه السلطة والعصبية المساندة لها، والمشروعية الدينية التي يمنحها المشايخ والمفتون الوهابيّون لهذه السلطة.
أما الوهابية فهي عقيدة متحجّرة منحرفة عن الفهم الصحيح للتوحيد والدين فعمّمت الحكم بالشرك والتكفير على معظم المسلمين، ورفضت بصلف كل تطوير للفهم أو المعاصرة أو التعدّدية والتنوّع. كانت خاتمة الشهيد الشيخ النمر متوقّعة ولا مفاجأة فيها. فالشيخ الشهيد كان معارضاً صلباً وعنيداً لسلطة آل سعود، لا ترهبه التهديدات ولا يثنيه الاعتقال ولا حتى لوم الأقارب أو الأباعد. والنظام السعودي لن يتحمّل طويلاً هذه المعارضة التي جعلت "ولي الأمر" السعودي غير شرعي وغير مطاع بالمعنى السياسي فضلاً عن المسّ بمشروعيّته الدينيّة أو إذا أضفنا إلى ذلك سياق الأحداث الذي حمل في الأشهر الأخيرة إخفاقات خطيرة عسكريّة واقتصاديّة وسياسية للسياسة السعوديّة، وشعوراً بالسخط والنقمة تجاه المحور الذي ينتمي إليه الشيخ الشهيد، وضيق أفق "ولاة الأمر" فلنتوقّع التصفية والإعدام.
حاول النظام السعودي أن يبرّر الجريمة بتوجيه تهم لا تخرج عن كونها معارضة بالرأي، مثل "الخروج عن طاعة ولي الأمر" و"التحريض" و"تعبئة وتجييش الناس"، ثمّ زجّ اسمه في لائحة إعدامات لمتّهمين بالإرهاب من داعش والقاعدة ليوحي بذلك أنّ ما تقدّم يندرج تحت عنوان الإرهاب. وهذه مفارقة خطيرة لم يسبق أحد النظام السعودي إليها، أن يصبح معارض الرأي والمعارض السياسي إرهابيّاً تطبّق عليه عقوبة الإرهاب.
وطوال مدّة المحاكمة لم يتمكّن القاضي والادعاء من أن يثبت واقعة مسلّحة واحدة في حق الشيخ فلا هو حمل سلاحاً ولا دعا إلى سلاح، بل تمسّك بسلميّة الاعتراض ولكن بلغة حادّة مرتفعة. الأمر المثير للحزن وللسّخرية معاً ما صدر من ردّ على أصوات الاحتجاج على إعدام الشيخ، والقول إنّه مواطن سعودي طبّقت عليه قوانين وأحكام دولته. مغالطة متعمّدة من جهتين: الأولى أنّنا لم نعهد من آل سعود الكلام عن المواطنيّة والقوانين. هل توجد مواطنيّة في مملكة قطع الرقاب والأيدي وكمّ الأفواه؟ في الواقع هم يقبلون برعايا للملك وبشر من قبيل قطعان الأغنام والجمال تدار بالهشّ عليها يمنة ويسرى، أمّا المواطنيّة فشيء آخر. والثانية أن أمثال العلّامة الشيخ النمر لا يصحّ التعامل مع قضيّتهم على أساس الحدود الوطنيّة خصوصاً في زمن انهيار حدود الكيانات الوطنيّة وتحوّل الإقليم بأسره إلى ساحة واحدة في الأخطار والمخاوف والآمال والأحلام. ولإنعاش الذاكرة لزمن مضى عندما حكم القضاء المصري في عهد الرئيس جمال عبد النّاصر بالإعدام على سيّد قطب بعث المرجع الديني الأعلى في النجف الأشرف السّيد محسن الحكيم برسالة إلى الرئيس عبد الناصر يطلب منه التّراجع عن هذا الحكم وعدم تنفيذه، وعندما حصل الإعدام كانت موجة الاستنكار من المراجع الدينيّة للمسلمين الشّيعة هي الأعلى وسبقت كلّ ردود الفعل الأخرى. كان سيّد قطب مواطناً مصريّاً لكنّه كان رمزاً إسلاميّاً يتخطّى حدود الوطن المصري وكان ذلك مفهوماً، وبقطع النظر عن الموقف الخاص من الرجل وآرائه وصحة التهمة الموجّهة إليه.
العلامة الشهيد الشيخ نمر باقر النمر كان مواطناً في المملكة السعوديّة، لكنّه كان رمزاً إسلاميّاً يتخطّى حدود موطنه سواء أعجب ذاك البعض أم لا، فلماذا لا يكون ذلك مفهوماً؟

*عالم دين وأستاذ جامعي