الجامعة اللبنانية من المؤسسات العامة ذات الطبيعة الخاصة، وقد أولاها المشترع امتيازات لم يمنحها لغيرها من المؤسسات العامة. فبخلاف كل المؤسسات العامة الأخرى، الإدارية والاستثمارية، يعدّ العاملون في الجامعة اللبنانية من موظفي الدولة (المادتان 7 و35 من قانون تنظيم الجامعة اللبنانية). كما أن رئيسها، بخلاف كل رؤساء المؤسسات العامة الأخرى، منحه القانون (المادة 12) تفويضاً دائماً بممارسة الصلاحيات الادارية والمالية التي يتمتع بها الوزير، وذلك في ما يتعلق بشؤون الجامعة العلمية والادارية والمالية. وللعلم، فإن هذا التفويض لم يمنحه المشترع إلا لثلاث هيئات رقابية فقط، هي: ديوان المحاسبة ومجلس الخدمة المدنية وهيئة التفتيش المركزي. والغاية من هذا التفويض تأكيد وإصرار على تحقيق أقسى درجات استقلالية هذه المؤسسات الوطنية عن السلطة المركزية، وإعلاءً لموقعية رئيسها الذي يرتقي في المهمة والدرجة عن بقية المدراء العامين، لكونه الوحيد الحائز بالقانون على صلاحيات الوزير. ولهذا كانت صلاحية وزير التربية، كسلطة وصاية، محصورة في نطاقٍ ضيّقٍ جداً بما هو مقرر بالنص، بحيث لا وصاية أبعد من النص. وهذه الوصاية، بحسب المادة 8 من قانون تنظيم الجامعة اللبنانية، هي المتصلة بنظام الجامعة الداخلي وانظمة المدينة الجامعية او بقبول التبرعات من لبنانيين، وعلى مقررات مجلس الجامعة. أما في ما يتعلق بشخص رئيس الجامعة، فليس لوزير التربية أي سلطة رئاسية أو أمرية عليه، وذلك استناداً الى مبادئ العلاقة الوصائية التي لا تمنح الإدارة المركزية أي قدرة على ممارسة السلطة الأمرية على مدير عام المؤسسة العامة. وما يعزز فكرة استقلالية الجامعة اللبنانية أنه حتى في حال غياب مجلس الجامعة، فإن المشترع أناط صلاحيات المجلس برئيس الجامعة وليس بوزير التربية أو بمجلس الوزراء، وهذا ليس كلاماً بل حقيقة ممهورة مؤكّدة باجتهاد مجلس شورى الدولة (القرار رقم 729/2010-2011 تاريخ 31/5/2011 د. عبد الحسن الحسيني/ الجامعة اللبنانية). إذ نصّت المادة 10 من المرسوم الاشتراعي رقم 122 تاريخ 30/6/1977 على أنه «في حال تعذر انعقاد مجلس الجامعة اللبنانية، يمارس صلاحياته رئيس الجامعة على ان تقترن مقرراته بموافقة مجلس الورزاء». ومن المفيد الانتباه إلى أن النص استبعد وزير التربية، وأخضع قرارات رئيس الجامعة لمصادقة مجلس الوزراء.
كما أن الفقرة الثانية من هذه المادة أجازت لمجلس الوزراء أن يفوّض سلطة التصديق إلى رئيس الجامعة اللبنانية وليس إلى وزير التربية والتعليم العالي، بحيث يقتصر دور الوزير على التصديق اللاحق على المقررات خلال مهلة خمسة عشر يوماً. أما الفقرة الخامسة من هذه المادة، فقد أوجدت التساوي بين الوزير ورئيس الجامعة، عندما نصّت على أنه إذا جاء رأي الوزير مخالفاً لرأي رئيس الجامعة، يعرض الخلاف على مجلس الوزراء، فكانت مرجعية الفصل في النزاع بينهما عائدة لمجلس الوزراء.
مما تقدّم، فإن الصلاحيات واضحة وبيّنة وفق النصوص المرعية الإجراء، ويبقى العمل بروحية التعاون والعمل المشترك في سبيل الصالح العام ووفق قواعد المشروعية والنصوص القانونية الناظمة للعلاقة بين السلطات الإدارية، والسعي إلى تفعيل النظام المؤسساتي ومجلس المديرين بعيداً عن أطروحات غير مسندة حول «الوزير - الملك».

* أستاذ القانون الإداري في الجامعة اللبنانية.