يُطلّ الأول من أيار هذا العام، وعمّال العالم بأسره، وعمّال لبنان خصوصاً، يواجهون ظروفاً اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة في ظلّ استغلال الظروف المحيطة بجائحة «كورونا»، في محاولات تقوم بها الطبقات المهيمنة على الأوضاع السياسية والاقتصادية في العالم، لكي تحمّل الطبقة العاملة ومعها الطبقات الشعبية والوسطى، مسؤولية الفشل الذريع الذي أصاب النظام الرأسمالي بتجلّياته المتوحّشة الذي لم يفشل في تحقيق العدالة لمواطنيه فحسب، بل فشل في توفير الأمن والأمان والصحة لمليارات السكان.أمام هذا الواقع المر الذي يعيشه عمّال العالم عموماً، وعمّال لبنان خصوصاً، لا بدّ من التأكيد على ما يلي:
1ـ أنّ المسؤول عن تردّي الحالة الاجتماعية الاقتصادية في البلاد، لا سيّما لجهة انهيار سعر صرف العملة الوطنية انهياراً غير مسبوق انعكس غلاءً قياسياً، وبطالة تجاوزت الـ50% من العمّال والموظفين، إنما هو الطبقة الفاسدة الجشعة التي تولّت مقاليد الأمور منذ عقود، ثمّ تمادت في جشعها وفسادها، وأيّ محاولة لإخفاء هذه الحقيقة لن تحقّق أهدافها في ظلّ وعي شعبي متنامٍ عبّر عن نفسه بانتفاضة 17 تشرين الأول 2019، وما زال يعبّر بأشكال وصيَغ مختلفة.
2ـ أنّ ما يواجهه اللبنانيون عموماً، والكادحون والفقراء خصوصاً، هو حرب حقيقية عليهم، كما على أمثالهم في بلادنا العربية والعالم، غايتها مصادرة حرياتهم، وضرب استقلال أوطانهم، ومحاصرة أيّ محاولة جديّة لتنمية اقتصادات بلادهم، وتمهيد الأجواء في وطننا العربي لهيمنة المشروع الصهيو ـــ استعماري على مقدّراتنا، والرامي إلى تمزيقنا وتفتيتنا لإحكام سيطرته علينا.
إنها الحرب الاقتصادية الاجتماعية، بكلّ أبعادها التي تأتي لتستكمل الحروب العسكرية والأمنية والسياسية والثقافية والإعلامية، التي شهدناها منذ عقود والتي فشلت في تحقيق معظم أهدافها.
3 ــــ إذا كانت لمواجهة هذه الحرب، على المدى القصير والمتوسط، آلياتُها وأساليبها المتمثّلة أساساً في استعادة الأموال المسروقة، وعودة الأموال المهرّبة، وتحرير الأملاك العامة من استغلال أصحاب النفوذ، فإنّ المواجهة الجذرية والعميقة لهذه الحرب تتطلّب إسقاط العصبيات، الطائفية والمذهبية والفئوية والمناطقية، التي تحمي الفساد والفاسدين، والتي يغذّيها في المقابل الفساد ونظام المحاصصة وعلاقات الزبائنية المدمّرة.
إنّ اسقاط المعوّقات أمام العدالة والتنمية والحرية والتقدّم في مجتمعاتنا، لا يتمّ إلا حين تبدأ أحزابنا ونقاباتنا ومنظماتنا المجتمعية بمراجعة جريئة وجذرية لتجاربها، فتتجاوز تغليب المصالح الذاتية، حزبية أو فئوية أو شخصية، على المصلحة الوطنية العليا، فتعود الأحزاب إلى جماهيرها، والنقابات إلى منتسبيها، ومنظّمات المجتمع المدني إلى مهمّاتها، فنستولد مجتمعاً حقيقياً يفرض نفسه على الدولة، ونخرج من «مجتمع عميق» كان دائماً سنداً لـ«دولة عميقة» يحميان معاً الفساد والجشع والاحتكار.
4 ــــ الإدراك الواعي والعميق أنّ لا خلاص للبنان، بل للوطن العربي كلّه، إلا بقيام الاقتصاد المنتج وعماده الصناعة والزراعة، وصناعة المعرفة، والسياحة، والتي بدورها لا تقوم إلّا في ظلّ سوق عربية وإقليمية مشتركة، بوّابتها بالنسبة إلى لبنان تمرّ بسوريا، لتصل إلى كلّ بلد عربي أو في الإقليم.
إنّ استدراج العديد من البلدان في العالم، لا سيما البلدان الرأسمالية الكبرى، إلى الاقتصاد الريعي والافتراضي، هو المصدر الرئيسي للخلل الذي تدفع ثمنه هذه البلدان اليوم، والتي يسعى الكثير منها إلى معالجته عبر تحميل الطبقات العاملة والشعوب الفقيرة أثمانه الباهظة.
5 ــــ أنّ الطغمة الجشعة المحتكرة المهيمنة في الداخل والخارج، إنّما تسعى عبر آليات وأساليب ووسائل متعددة، إلى أن تصادر آخر ما تمتلكه الشعوب الصغيرة، لا سيما في لبنان، عبر ما يسمى بـ«الخصخصة»، لتُصادر أملاك الوطن وموارده بعدما صادرت كلّ خيراته الأخرى، في وقت بات واضحاً فيه أن اعتماد الخصخصة في العديد من الدول الكبرى والصغيرة، لم يأتِ بالنتائج المرجوّة، بل زاد الخلل خللاً، والمشاريع الاقتصادية الاجتماعية تعقيداً. ولعلّ اعتمادنا في لبنان على المستشفيات الحكومية، التي طالما أهملتها الدولة في مواجهة جائحة «كورونا»، هو دليل على أنّ المرافق العامّة هي ملاذ المواطن الفقير، خصوصاً إذا تمّ تطهيرها من الفساد والمحسوبيات.
6 ــــ أمام هذا الواقع البائس والمرير الذي يعيشه اللبنانيون عموماً، والعمّال والفقراء خصوصاً، لا بدّ من التذكير أن الوعي الشعبي بات أكبر، والنقمة الشعبية على المتسبّبين بافتعاله من الطبقة الحاكمة باتت أشدّ وضوحاً، وهو ما عبّرت عنه انتفاضات شعبية متوالية وصلت إلى ذروتها في انتفاضة 17 تشرين المبارَكة التي تبقى، رغم كلّ محاولات استغلالها وتشويه جوهرها، نقطة مضيئة في حياة اللبنانيين، وخطوة مهمّة وجريئة على الطريق الصحيح، تشكّل دعماً وسنداً لكل جهد صادق، ومبادرة مسؤولة، على طريق إنقاذ البلاد من الفساد والفوضى.
7 ــــ إنّ تنظيم المواجهة الشعبية مع معسكر الفساد والجشع والاحتكار المهيمن على البلاد، لا يمكن أن يتحقق من دون توحيد جهود كل المخلصين الراغبين في تنظيم ورشة وطنية كبرى يشارك فيها مناضلون وحزبيون ونقابيون وجامعيون ومثقفون وخبراء ومتخصصون، لوضع برنامج عمل يحدد أولويات المعالجة والتصحيح، ويعيد الحيوية إلى هياكلنا الحزبية والنقابية لتقوم بدورها في إحياء التلازم بين مقاومة الاحتلال الخارجي ومطامعه، والاختلال الداخلي ومصادره.
نضع هذه الأفكار أمام كلّ مهتمّ بإخراج البلاد من النفق الذي وضعتها فيه الشبكة الحاكمة، وأرادت إطفاء كوّة النور في آخره، لدفعنا إلى الاستسلام لمشيئتها والرضوخ لإملاءاتها في الداخل والخارج في آن. وهو ما لم نفعله سابقاً، ولن نفعله اليوم أو غداً بإذن الله.
* المنسق العام لتجمّع اللجان والروابط الشعبية