‬ «أعادوني إلى هنا مقيّداً بالحديد كما العبيد!». هكذا صرّح المراكشي مردخاي فعنونو أمام محاكم الاحتلال العبري! فعنونو تقني وخبير نووي ولد في مدينة مراكش عام 1954، وعاش فيها طفولته. وقعت عائلته ضحية الدعاية الصهيونية الكاذبة،  فهاجرت إلى الكيان العبري. عمل مدة تسع سنوات داخل مفاعل ديمونة النووي وتمكّن من تصوير وتوثيق أجزاء حساسة فيه، وهرب إلى الخارج، وكشف للعالم أسرار القنبلة النووية العبرية. فعل ذلك لأنه يحب السلام. في روما التي لجأ إليها تخلى عن الديانة اليهودية واعتنق المسيحية قبل أن يقوم الموساد بخطفه وإرجاعه غصباً إلى الكيان العبري في عام 1986. حوكم بتهمة الخيانة العظمى وإفشاء أسرار عسكرية وقضى 18 عاماً في السجن، أمضى منها أحد عشر عاماً في السجن الانفرادي. لتوضيح قضية فعنونو كتب الكاتب الإسباني الراحل خوان غويتيسولو، عام 1998، رسالة إلى اتحاد كتاب المغرب تحت عنوان: مردخاي فعنونو مراكشي شرفياً! كتب الأديب النيويوركي أمييل ألكلاي نص «مذكرات مستقبلنا» في مدينة القدس سنة 1987، وذلك بعد أن تم اختطاف وحبس مردخاي فعنونو؛ التقني النووي الإسرائيلي الذي كشف للعالم أجمع أسرار القوة النووية الإسرائيلية. يقول ألكلاي: «لا يزال فعنونو حتى الآن، حبيس سجن في إسرائيل. وعوض أن يلقى دعم اليسار ومؤازرته، ودعم الحركات الأوروبية الداعية للسلام، فإنه قد تُرك ليواجه مصيره وحيداً. وليواجه من جهة أخرى ظروف منظومة اعتقال، وجد تحديداً لكي يجعل المرء مخبولاً. عندما وجهت إلى فعنونو تهمة كشف أسرار الدولة، أجاب:  «إن للمواطن الحق في محاسبة الطبقة السياسية. من حقه أن يقول لهم: أنتم مسؤولون أمامي. للمواطن الحق في أن يزيل الحجاب ويكشف عن كل الدسائس السوداء لأي نظام في العالم، وعلى جميع الأصعدة وأن يستعمل العصيان المدني أيضاً... يمكن لما قمت به أن يؤكّد للمواطنين أن تحليلاتهم الخاصة وكذلك أفكار كل فرد، ليست أقل أهمية من آراء الحكام. هم يستخدمون القوة، ويضحّون بالآلاف قرابين على مذبح جنون عظمتهم. لا تتبعوهم أبداً بعيون مغمّضة».
غادر فعنونو عام 2004 السجن، لكن سلطات الاحتلال فرضت عليه قيوداً عديدة قالت إنه انتهك عدداً منها في السنوات الأخيرة


مردخاي فعنونو، يذكّر غويتيسولو، يهودي مراكشي، وهو يروي للهيئة التي تحاكمه، كيف كبر في مدينة مراكش:  «كان الأغنياء يعيشون خارج الملاح، أما أغلب رجالات الجالية [اليهودية] فكانوا يقيمون داخله. كان ثمة في الحي مدارس يهودية، لكني كنت أدرس في مدرسة الرابطة، الواقعة خارج الملاح. كنت أقرأ في النصف الأول من اليوم اللغة الفرنسية، أما في النصف الثاني فكنت أتعلم اللغة العربية، وساعة تقريباً أقرأ العبرية. كنت معتاداً أن أتجول خلال بعض الأوقات. وما زلت أتذكر أنه كان ثمة في مراكش ساحة تدعى جامع الفناء، حيث يجتمع أناس قدموا من جهات شتى. وفضلاً عن ذلك كان ثمة العديد من الممثلين ، ومروّضي الثعابين، وبهلوانيين فوق درّاجات، والبعض كان يرتل القرآن، وثمة أيضا موسيقيون. كان الجميع معتاداً أن يتحلق حول هؤلاء، وأنا أيضاً كنت أذهب إلى الساحة وأنا ما زلت طفلاً صغيراً، حتى أتجول وأستمتع»‬. ورغم أنهم وضعوا الأصفاد في يديه وكمّموا فمه أمام هيئة المحكمة، فقد استطاع أن يصف الطريقة التي بها اختطفوه من إيطاليا: «لقد أعادوني إلى «إسرائيل» مقيّداً بالحديد كما العبيد».‬
ويمضي الراحل خوان غويتيسولو في رسالته التي تعود إلى عام 1998: «لقد تم أخيراً ترحيل مردخاي فعنونو إلى مركز للأمراض العقلية تحت سطوة السلطات الاحتلال الإسرائيلية. إني أقترح على «اتحاد كتاب المغرب» أن يعمل على تأسيس لجنة دولية من أجل إطلاق سراح فعنونو، وأن يعتبر من الآن فصاعداً «مواطن شرف من مراكش».
غادر فعنونو عام 2004 السجن لكن سلطات الاحتلال فرضت عليه قيوداً عدة قالت بأنه انتهك عدداً منها في السنوات الأخيرة. واتهم في عام 2016 بانتهاك شروط الإفراج عنه، وذلك بعد أكثر من عشرة أعوام من إكماله حكماً بالسجن. وفي عام 2010 سُجن لمدة 11 أسبوعاً بعد أن انتهك شروط الإفراج عنه من خلال لقائه شخصاً أجنبياً! وطبقاً للائحة الادّعاء الصهيونية فقد التقى فعنونو في عام 2013 أميركيين اثنين في القدس من دون حصوله على إذن. وفي عام 2014 انتقل للعيش في شقة مختلفة في المبنى السكني الذي يعيش فيه من دون أن يبلغ الشرطة. وفي عام 2015 أجرى مقابلة مع القناة الثانية في التلفزيون العبري صرّح خلالها بـ «معلومات سرية منعت الرقابة إذاعتها»، حسب لائحة الاتهام. وما زال يعيش أسيراً تحت نير كيان استعماريّ يرفضه.
أعلن فعنونو في مقابلة في عام 2015 أنه لم تعد لديه أسرار للإدلاء بها وأنه يرغب في الانضمام إلى عروسه الجديدة في النروج، لكن سلطات الاحتلال الصهيوني منعته من الهجرة تحت ذريعة أنه لا يزال يشكل تهديداً على أمنها القومي!‬
قضية فعنونو خرق واضح لحقوق الإنسان، لكن حتى الآن لم تتبنّ أية جهة الدفاع عن قضيته، والمطالبة بإطلاق سراحه وعودته إلى بلده الأصلي المغرب، أو أي مكان آخر يمكنه أن يعيش فيه بحرية وأمان. لماذا لا تتبنّى جمعيات حقوق الإنسان المغربية والعالمية، هذه القضية الإنسانية العادلة؟ لقد آن الأوان لتأسيس لجنة دولية للمطالبة بحرية مردخاي فعنونو. من مراكش نقول: شكراً لك مردخاي! الحرية لبطل السلام الذي وقف ضد امتلاك العدو الصهيوني للقنبلة الذريّة. أطلقوا سراح مردخاي فعنونو! من مراكش تحية إجلال لك أيها المراكشي الأصيل!‬

* كاتب مغربي