لم أفهم يوماً السعادة التي يعيشها «الجوكر» داخل رأسه، فلقد نشأتُ على حب باتمان، الملياردير، بطل مدينة غوثام. رمز العدل والطمأنينة. إلى أن خسرته في شوارع بيروت، لم أفهم بداية السعادة التي ساورتني، وأنا أقود السيارة بين الإطارات المشتعلة في الشوارع و«عكس السير»، لم أكن وحيداً، عشرات السيارات تفعل ذلك، لا أحد يتذمّر، حتى أبواق السيارات لا تطلق. جاءت الراحة هذه المرّة... من النيران والفوضى.
كل مواطن يقف في الساحات، لديه ثأر شخصي مع هذه السلطة
في ساحة الشهداء، المنتفضون بمئات الآلاف، يرددون الشتائم لرموز السلطة من دون ملل، حتى إنهم لحّنوا بعضها. أشهرها الـ«هيلا هوو»، التي ما يكادون ينتهون من تردادها، حتى تنتاب الجميع حالة من الضحك الهستيري. الضحك هنا ليس لما يمثله هذا السياسي أو ذاك، بل صدمة الثائرين من أنفسهم، لقد أصبحوا أحراراً.
المطالب لا تحصى، فضلاً عن أن كل مواطن يقف في الساحات لديه ثأر شخصي مع هذه السلطة، تحديداً جيل التسعينيات، إذ تميزت هذه الفئة بنقلة نوعية «حينها» في ألعاب الفيديو، الأفلام الأجنبية وكارتون الأبطال الخارقين. يمكن القول إن هذا الجيل تلقى ثقافة تلفزيونية، غير أن صدمته كانت عندما حاول استنساخ الحريات والعلاقات الاجتماعية الموجودة في الغرب (لا يعني هذا بالضرورة أنها مثال يحتذى) في وطنه، فاصطدم بكل شيء من حوله. بداية اصطدم بتركة الآباء، لقد أورثوهم وطناً طائفياً قاتل فيه بعضهم بعضاً، ووضعوا أمراء الحرب في مواقع السلطة. اصطدمنا بسلطة عفنة، طائفية وتقليدية، تشبه أحافير الديناصورات. الصدمة الثانية بدأت عندما نضج هؤلاء الشباب، وأصبحوا بعمر الثلاثين، وبدا لهم بوضوح أن الأمور لن تتغير، يشاهدون أحلامهم تنهار تحت وطأة العمر، وقريباً سيصبحون في الأربعين، ضاع العمر في هذا الوطن.
صحيح أن الانتفاضة أشعلها الوضع الاقتصادي المتردّي، لكن الساحات اليوم تغصّ بمن يثور ضدّ بيئته و«الجماعة». الساحات هي الحرية، هي التفلّت من القيود الخانقة: الآباء والمعتقدات بنكهاتها كافة. اليوم يقول الشباب الثائر، لا نريد أبطالاً لينقذونا، سنحرق هذا الإرث ونبني شيئاً أفضل.