جرَّدت الدراسات التوراتية لفظ «فلسطين» من أيّ معنى كامن فيه، ولم يعد من الممكن فَهْمه، إلا إذا أُعيد تعريفه من خلال لفظ ديني أو لاهوتي آخر، كاللفظ المستعمل للدلالة على «الأرض المقدَّسة» أو «أرض إسرائيل». ولكن ما يلفت النظر أكثر من ذلك، أنه في حين أن لفظ «فلسطين» قد يكون مستعملاً، بشكل واسع، على الرغم من تجريده من أيّ معنى لذاته. فإن لفظ «فلسطينيون» باعتبارهم سكان هذه الأرض، هو استعمال نادر للغاية في الدراسات التوراتية، فإن كانت هناك أرض تُدعى فلسطين، فلماذا لا يمكن تسمية مواطنيها بالفلسطينيين؟تتناول هذه المقالة، في جزئها الأول، الوجود الإنساني في فلسطين منذ أقدم العصور إلى الإنسان الناطوفي. أمّا الجزء الثاني، الذي سننشره لاحقاً، فسيضيء بصورة مفصّلة على سكان فلسطين في العصور البرونزية والحديدية، فضلاً عن تفكيك الدراسة الجينية «المجتزأة»، التي صدرت حديثاً، وصولاً إلى الإجابة من هم الفلسطينيون؟ 
حتى وقت قريب، كان الاعتقاد السائد أن أقدم بقايا الإنسان العظمية في فلسطين تعود لإنسان من نوع نياندرتال، وهي التي وُجدت في كهوف جبل الكرمل مثل مغارة الطابون ومغارة السخول في فلسطين، ولكن المسوحات الأثرية والحفريات التي جرت في عدة مواقع في فلسطين أبانت أن «الإنسان وجد في فلسطين منذ أقدم العصور، وأنه عاصر أقدم النماذج البشرية».

الهومواركتوس في فلسطين
يري د. زيدان كفافي، أن دلائل وجود الإنسان في بلاد الشام عموماً، وفلسطين خصوصاً، تعود إلى حوالى مليون ونصف مليون عام. ويشير د. سلطان محيسن، إلى أن أقدم آثار الإنسان في بلاد الشام ــــ وبالطبع فلسطين ــــ تعود إلى العصر الحجري القديم الأدنى، الذي بدأ هنا منذ حوالى مليون سنة، واستمر حتى حوالى مئة ألف سنة خلت، وهذا العصر يرادف ما يسمى في أوروبا بالحضارة الآشولية، ذات الانتشار العالمي الواسع والتي اشتهرت بتصنيع الفؤوس اليدوية بخاصة، لقد سكنت منذ بداية هذا العصر بعض مناطق سوريا، ولبنان، وفلسطين، من قبل إنسان الهومواركتوس.
فقد دلت المخلفات الأثرية للإنسان منتصب القامة في فلسطين، أنه عاش فضلاً عن موقع العُبيدية، فقد وُجدت آثارة في جسر بنات يعقوب، وعلى مقربة من بحيرة الحوالة، وفي وادي قطفة في الجنوب، وفي مغارة الطابون في جبل الكرمل، وغيرها على الساحل. فقد عثر حديثاً على عظام فخذ لإنسان الهومواركتوس ﻓﻲ موقع جسر بنات يعقوب. يتراوح عمرها بين 600.000 ــــ 100.000 سنة خلت، بالإضافة إلى بقايا أخشاب متحجرة وأدوات خشبية هي الأهم من نوعها ﻓﻲ المنطقة والعالم حتى الآن. والسؤال هنا: كيف وصل الهومواركتوس إلى فلسطين؟
ويدل انتشار المواقع، وتتابعها الزمني، على أن الهومواركتوس، سلك في طريقه إلى بلاد الشام خطين اثنين، يشكلان ممرات طبيعية بين أفريقيا وآسيا، الأول ساحلي، أي على امتداد ساحل البحر الأبيض المتوسط، والخط الثاني داخلي على طول الانهدام السوري الأفريقي أو الأخدود الأفريقي العظيم الممتد من جنوب وشرق أفريقيا، مروراً بالبحر الأحمر فوادي الليطاني، وحتى نهر العاصي في سوريا شمالاً.

الإنسان النياندرتالي الفلسطيني
في مطلع العصر المطير الرابع والأخير، المُعَاصِر للعصر الجليدي الأخير؛ فيرم في أوروبا؛ دخلت مجتمعات ما قبل التاريخ مرحلة جديدة؛ تُؤرَّخ بين حوالى (100.00 ــــ 35.000 سنة خلت، يُطلق عليها اسم العصر الحجري الأوسط أو الباليوليت الأوسط. في هذه المرحلة، ظهر نوع جديد من البشر هو «إنسان النياندرتال» حاملاً معه حضارة جديدة ــــ وهي الحضارة الموستيرية، أو اللفلوزاية ــــ الموستيرية، كما أَطلق عليها البعض في بلاد الشام.
لقد اختفى الموازييك الحضاري؛ الذي ساد في العصر السابق؛ وتوارى «الهومواركتوس»؛ تاركاً المسرح لخَلَفِهِ «النياندرتال»؛ ووُجِدَتْ أولى متحجِّراته في جبل طارق بإسبانيا، في سنة 1848، وكانت تلك المتحجِّرات هي عظام جمجمة امرأة؛ ولم تُنشر المعلومات المفصَّلة عن تلك الجمجمة؛ إلا بعدما عُثِرَ في سنة 1856 على جمجمة أخرى؛ وعلى هيكل عظمي كامل لإنسان؛ في أحد كهوف وادي نياندر، بالقرب من مدينة دوزلدورف، بشمال ألمانيا. ولذلك سُمِّيَ إنسان نياندرتال.
عُثِرَ في فلسطين، على هياكل بشرية من نوع نياندرتال في جبل الكرمل ما بين عامي 1924ــــ 1929 وذلك في كهفين: كهف الطابون وكهف السخول، وكان ذلك تحت إشراف د. دورثي غارود. ولقد دَرَسَ هذه الهياكل ماك كاون وكيث في عام 1939، كما تناولها زوينر من ناحية تقدير عمرها في عام 1959. ويرى زوينر أن هياكل الطابون ترجع إلى فترة غير جليدية، بينما هياكل السخول ترجع إلى أوائل الفترة الجليدية الأخيرة (فيرم 1).
النياندرتال تحوَّل في فلسطين ــ بشكل تدريجي ــ نحو الإنسان العاقل


لقد اتَّضَحَ أن جماجم الطابون أقلّ غلظة من جماجم نياندرتال أوروبا، ولكنها مثلها، تفتقر إلى الذقن، وذات حوافّ عظيمة بارزة فوق العينين. ولو اقتصر الأمر على هذه الجماجم لاكتُفِيَ بوضعها في نطاق نوع النياندرتال. إلا أن بعض جماجم السخول أقرب شبهاً إلى الإنسان الحديث؛ فهي ذات جبهة واضحة؛ وإنْ كانت عظام الحاجبين فوق العينين لا تزال غليظة، إلا أنها مُقسَّمة في الوسط كما نرى في الإنسان الحديث فهي ــــ إذاً ــــ لا تختلف كثيراً عن عظام الحاجبين لدى الأوروبيين الحديثين، أو الأوستراليين الأصليين. يضاف إلى هذا، أن مؤخِّرَة الجمجمة مستديرة؛ وليست مُدبَّبة؛ وهي ــــ في هذه الصفة ــــ شبيهة جداً بجمجمة الإنسان الحديث؛ كما أن للجمجمة عظمة ذقن، لا شكّ فيها؛ وعظام الوجه دقيقة؛ وليست غليظة. والذي يلفت النظر؛ بشكل خاص؛ من بعض هياكل جبل الكرمل؛ أنها تُظهِر بعض الصفات التشريحية للإنسان الحديث.
تُشير نتائج الأبحاث الحديثة جداً، إلى وجود محتمل للإنسان العاقل، في فلسطين؛ منذ حوالى 100.000 سنة خلت؛ كما دلَّت على ذلك هياكلهُ، في جبل قفزة نفسهُ؛ وإذا علمنا بأن هياكل جديدة نياندرتالية، من مغارة الكبارا في فلسطين، أَرَّخَتْ لنحو 60.000 سنة، أدركنا أنه يمكن طرح نظرية جديدة تقول بأن الإنسان العاقل وُجِدَ، في بلادنا فلسطين قبل النياندرتال بزمن طويل ولم يكن متطوِّراً عنه وأن هذا النياندرتال ــــ ربما ــــ أتى من أوروبا أو غيرها، ولكنْ لا بد من المعلومات، حتى نُصبح أقرب إلى الحقيقة.

هل الإنسان العاقل أصله فلسطيني؟!
إن كل المعطيات المتوفِّرة لدينا حتى الآن تدلّ على أن الإنسان العاقل كان النوع الإنساني الرابع والأخير في عصور ما قبل التاريخ، حيث ظهر هذا الإنسان، منذ حوالى 40 ألف سنة؛ أي في العصر الحجري القديم الأعلى (الباليوليت الأعلى). ولكنْ يذهب الباحث فرنسيس أور، إلى أن ظهوره لا يتوافق تماماً مع الباليوليت الأعلى لأنه وجد قبل ذلك بقليل في موقع قفزة في فلسطين. اعتَقَدَ العلماء طويلاً وحتى الخمسينيات من هذا القرن بأن الإنسان الحديث (Homo Sapiens)، كان من أصل أوروبي، فبعدما وُلِدَ ونشأ في كرومانيون (Cro-Magnon)، انتشر في قارتَي آسيا وأفريقيا.
قد بتنا، منذ السبعينيات، نعلم علم اليقين بأن أسلافنا المباشرين (الأوروبيين) وُجِدُوا في الشرق الأوسط، قبل ذلك بنحو 60 ألف عام. وعلى ذلك، فإن ثقافتهم كانت مشابهة ــــ إلى حدّ كبير ــــ لثقافة إنسان نياندرتال (Neandertal)، وهو نوع بشري جدّ مختلف عن النوع الأوروبي. لقد أدّت الاكتشافات المتزايدة، منذ مطلع القرن العشرين، إلى تبايُن الآراء حول إنسان النياندرتال، ففي حين يعتقد بعضهم بأنه قد تطوَّر نحو الإنسان العاقل الحالي، يقول آخرون بانقراضه دون خلف ويعتبرونه فرعاً جانبياً على هامش العملية التطوُّرية.
يعتمد أنصار تطوُّر النياندرتال، على المكتشفات التي أتت من فلسطين؛ حيث وُجِدَتْ في الكثير من المَغاوِرْ ــــ مثل مغارة السخول، والأميرة، والطابون، والزطية في جبل الكرمل، ومغارة جبل قفزة قرب الناصرة، ومغارة العمود بجوار بحيرة طبرية ــــ عِدَّة هياكل عظمِية بشرية؛ لها صفات فيزيولوجية مشتركة مع الإنسان العاقل مثل حجم الدماغ الكبير وهي حوالى 1500 سم3 والقامة الطويلة (170 ــــ 180سم)، بالإضافة إلى الذقن البارزة، وكلها صفات متطوِّرة حملها الإنسان العاقل. ولقد رافقت تلك الهياكل أدوات حجرية؛ بينها نصال متطوِّرة، أيضاً؛ استخدمها الإنسان العاقل بكثافة، في ما بعد.

مكّن اعتدال الجو الناس من الوصول إلى بعض أسباب التقدم


كل ذلك يشير إلى أن النياندرتال تحوَّل في فلسطين ــــ بشكل تدريجي ــــ نحو الإنسان العاقل. ومن جهة أخرى، فإن أنصار نظرية انقراض النياندرتال، يستندون إلى معطيات أتت من غرب أوروبا؛ من بعض المواقع في فرنسا (فونتوبشوفاد) وألمانيا (شتاين هايم) وإنكلترا (سوانسكومب) التي وُجِدَتْ فيها هياكل عظمية، لا تحمل صفات مشتركة بين النياندرتال والإنسان العاقل؛ ما دَفَعَ إلى الاعتقاد بأن النياندرتال لم يكن السلف المباشر للإنسان العاقل؛ وإلا حمل هذا الأخير صفاته، حسب رأيهم، وأن هذا السلف كان الهومواركتوس؛ مستدلّين بانتقال صفات هذا الإنسان إلى الإنسان العاقل؛ كما ظهر في عِدَّة مناطق من أوروبا، وأفريقيا. هكذا الإنسان العاقل قد تطوَّر من الهومواركتوس ــــ حسب أنصار نظرية انقراض النياندرتال ــــ دون أن يمرّ بمرحلة النياندرتال من الأساس؛ حيث يكون كل من النياندرتال، والإنسان العاقل فرعين مستقلّين من حيث التطوُّر؛ حيث ذهب الأول إلى الانقراض، وجاء الثاني كتطوُّر للهومواركتوس، وليس من الفرع الأول (النياندرتال)؛ حيث تابَعَ الفرع الثاني (الإنسان العاقل) طريقهُ التطوري. والواقع أننا لا نزال بعيدين عن البتّ النهائي في هذا الموضوع؛ ولا سيما أن المُكتشَفَات قليلة، والتفسيرات النظرية أكثر ممّا يَحتمِل واقع تلك المكتشفات لأننا إذا قَبِلنا بنظرية انقراض النياندرتال فليس لدينا دليل قاطع على السبب. هل هو تغيُّر مُناخي مُدَمِّر، وكوارث طبيعية أم وباء شامل أطاح هذا الإنسان أم مذابح جماعية، نفّذها العاقل، أدّت إلى مسح إنسان النياندرتال، المُسالِم في طبيعته عن الوجود؛ كما يقولُ بعضهم.
فيما يَصعُب قبول هذا الافتراض الأخير، لسبب بسيط؛ وهو أننا لم نعثُر ــــ حتى الآن ــــ على آثار مثل تلك المذابح/ بل إننا لم نجد أيَّة هياكل عظمية نياندرتالية قُتِلَ أصحابها بأدوات الإنسان العاقل.
في ضوء ذلك كله، يمكن أن نَفترِض أن كلاً من إنسان النياندرتال والإنسان العاقل؛ كانا وثِيقَي الصلة بعضهما ببعض؛ وربما تعايشا معاً، لزمنٍ قصير؛ أو طويل؛ قبل أن يسود النوع الأكثر تكيُّفاً؛ والأفضل؛ وهو الإنسان العاقل. ومهما يكن؛ فلا بد لنا، أيضاً، من قبول الحقيقة الراهنة، على الأقل، وهي أن النياندرتال الفلسطيني هو الذي تطوَّر وحدَهُ فيزيولوجياً وحضارياً نحو الإنسان العاقل جَدّنا المباشر وصانع الحضارة الإنسانية، بمفهومها الشامل، وأما مصير النياندرتال الأوروبي فكان الانقراض. ولكنْ؛ للأسف هناك مَن يرفض قبول هذه الحقيقة؛ مثل بعض الباحثين الغربيين، وبخاصة الألمان، حيث يصعُب عليه أن يكون أصلهُ من المشرق العربي؛ مدفوعاً باعتبارات عنصرية، لا تمتّ إلى جوهر البحث العلمي النزيه، بصلة.
وأدل مثال على ذلك، عندما قال فرانز فيدنرايخ في مؤتمر علماء الأنثروبولوجيا الطبيعية (علم الأجناس البشرية) في كوبنهاغن، قبل الحرب العالمية الثانية مباشرةً: «يبدو أن الإنسان العاقل جاء من فلسطين إلى شمال أوروبا»؛ حيث ثارَ ــــ حينها ــــ المندوب النازي، وخرج من غرفة الاجتماع.

الحضارة الناطوفية
إن اعتدال الجو، وملاءمة مناطقنا لحياة الاستقرار، مكّنا الناس من الوصول إلى بعض أسباب التقدم وجعلتهم يتقدمون في بعض مراحل الثقافة، وبالأخص عندما خلف الإنسان وراءه حياته كجامع للغذاء، وأصبح منتجاً له، وأخذت تستقر جماعات منه على مقربة من موارد المياه، يزرعون الأرض ويستأنسون ببعض الحيوانات.
وتتمثل هذه الحضارة في بلادنا فلسطين بـ«الحضارة الناطوفية»، التي سميت لذلك باسم وادي النطوف شمالي غربي القدس، ودامت نحو ستة آلاف سنة اعتباراً من حوالى عام 12000 قبل الميلاد،. ويعتبر الناطوفيون خلفاء الكباريين [الحضارة الكبارية]، ولكن بخصوصية متطورة جديدة، فقد ازدادت رقعة السكن، وتطورت الأدوات المصنّعة. ينتمي أصحاب تلك الحضارة إلى عنصر البحر المتوسط، تدل الهياكل العظمية التي عُثر عليها في مواضع مختلفة، على أن أصحاب هذه الثقافة كانوا أقرب إلى قصر القامة، ويمتازون بالنحافة، يحملون صفات البحر المتوسط، برأسها الطويل، ووجهها الضيق ــــ المسكون ــــ مثل كثير من العرب الحاليين.
في هذا الصدد يقول، عالم الآثار الأميركي، وليم أولبرايت، وكان الناطوفيون أنفسهم من شعوب البحر المتوسط القديمة، التي تتميز بهياكل عظمية نحيلة، ورؤوس مستطيلة، وتقاطيع دقيقة، ومتوسط طول الرجال يزيد قليلاً على خمسة أقدام. وحيث إنه وجدت هياكل بشرية مشابهة جداً لهذه الهياكل في حضارة البداري في مصر، وكذلك من العصر النحاسي المتأخر في جازر وجبيل (بيبلوس)، فإنه يبدو أن هذه الشعوب انتمت إلى أسلاف السلالة السامية ــــ الحامية التي لم تكن قد أصبحت بعد منقسمة إلى مجموعات متباينة بعضها عن بعض تبايناً واضحاً لغوياً وقومياً كما حدث في ما بعد. ولعل التغير الوحيد الملحوظ في الصفات الجسمانية حدث في الطول، غير أنه من المعروف تماماً الآن أن التحسن في التغذية لبضعة أجيال قليلة جداً تنتج منه زيادة محسوسة في الطول.
فقد كشف تحليل الحمض النووي الميتوكوندري والنووي المستخرج من سبعة هياكل عظمية عمرها 15 ألف سنة تم التنقيب عنها وإخراجها من كهف الحمام الذي يوجد بالقرب من بلدة تافوغالت في الشمال الشرقي من المملكة المغربية، عن خليط من مجموعتين من الأسلاف: مجموعة من الشرق الأدنى، أكثر شبهاً بالصيادين ــــ الجامعين القدامى المعروفين باسم الناطوفيين، ومجموعة أخرى غير مفهومة بشكل جيد تشبه المجموعات التي استوطنت جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا.
«ثمة الآن ما يكفي من العينات القديمة من الشرق الأوسط وأوروبا للتأكد إلى حد ما من أن عينات تافوغالت كانت بالفعل أوثق صلة بالناطوفيين مقارنة بصلتها بالمجموعات الأخرى من غير الأفارقة». 
[لمزيد من التفاصيل يُراجع: ميريدث براند، وضع التسلسل الجينومي لأقدم البشر الأفارقة، نيتشر ميدل ايست، بتاريخ 24 أبريل 2018].
في (16/6/2016)، نشرت دراسة من قبل قسم الهندسة الوراثية ــــ جامعة هارفارد الأميركية بالتعاون مع مراكز بحثية أخرى، تحت عنوان، " The genetic structure of the world’s first farmers"، حيث أجريت الدراسة على رفات عدد من العيّنات من حقب تاريخية متعددة في الشرق الأوسط، ومن بينها عظام تعود للحقبة الناطوفية وما قبل الفخاريات في جنوب وغرب بلاد الشام (الأردن وفلسطين)، وكان مجموع عدد العيّنات 44 عيّنة تعود للأعوام 12 ألف قبل الميلاد إلى 1400 قبل الميلاد. وأظهرت النتائج أن العينات تنتمي للفرع E-Z830 المنحدر من E-Z827، والذي تجتمع أسفله كل من E-M123 و E-M81 و E-V1515. وتؤكد دراسة جينية نشرت بتاريخ (15/03/2018)؛ لـ 17 عالماً في الجينات يترأسهم العالم الألماني Loosdrecht، وحملت عنوان: "Pleistocene North African genomes link Near Eastern and sub-Saharan African human populations"، الأصل المشترك بين الناطوفيين والإيبوروسيين (الوهرانيون القدامى)، أقدم سكان في شمال افريقيا.
فقد جاء في الدراسة: «تعد شمال إفريقيا منطقة رئيسية لفهم التاريخ البشري، لكن الأصول التاريخية الجينية لشعبها غير معروفة إلى حد كبير. نقدم بيانات الجينوم (جينات) لسبعة أشخاص من الإنسان المعاصر القديم أعمارهم 15000 سنة من المغرب ينتسبون إلى الثقافة الإيبروموروسية. نجد تقاربًا وراثيًا (جد جيني مشترك) مع الشرق الأوسط (المشرق العربي) منذ العصر الهولوسيني، وبالتحديد مع جينات قديمة من الثقافة النطوفية المشرقية، ما يوحي بوجود علاقة ما قبل الزراعة بين أفريقيا والشرق الأوسط». وكان القرب الجيني مع النطوفيين (المشارقة) بالتحديد مع السلالة الشقيقة (E-m123 )، التي هي شقيقة السلالة (E-m78)، المكتشفة في جينات للإيبيروموريسين (أقدم سكان شمال افريقيا) مرجحة علاقة جينية مشتركة بالمشرق، كما وجدت 3 سلالات للإيبيروموريسين في جينات جثث النطوفيين في الأردن. وأكدت أن جينات الإيبيروموريسين (أقدم سكان شمال افريقيا) تتشارك في الأصول الجينية المشتركة مع النطوفيين (المشارقة) بما نسبته 63%.
يعني هذا أن كلاً من الحضارة الإيبيريسية في شمال افريقيا والحضارة الناطوفية في ساحل الشام (المشرق العربي) ينتميان إلى أصل (جيني) ــــ وسلف ــــ مشترك.
وقد أثبتت الدراسات العلمية أن المكونات السكانية المحلية بشمال إفريقيا تعود أصولها الجينية في غالبيتها العظمى إلى أصول أوراسية (غرب آسيا) ارتجاعية (عائدة) عبر الشام وسيناء.
هناك دراسات حديثة تقول إن أصوله القديمة مرتبطة بأصول مكون المشرقي. وكشفت أحدث دراسة لـ Lazaridis et al. 2018 عن وجود أصل وراثي (جيني) مشترك لدى معظم شعوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأجزاء من أوروبا، وقد سمت الدراسة هذه الساكنة اختصاراً بـ PGNE أي ساكنة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا لما بعد العصر الجليدي الأخير Post-glacial Near Easterners and North Africans.