«من الطبيعي أن ندافع عن اليد العاملة اللبنانية بوجه أيّ يد عاملة أخرى أكانت سورية فلسطينية فرنسية سعودية إيرانية أو أميركية. فاللبناني «قبل الكلّ».تغريدة وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل على «تويتر».

نشر الوزير اللبناني التغريدة أعلاه والمشكلة فيها أنّها تتقصّد، حقيقةً، السوريين والفلسطينيين حصراً، ولكنّها تضيف الجنسيات الأخرى للتظاهر بالموضوعية. أي على طريقة اليمين الغربي حين يزعم أنّه ليس ضدّ المهاجرين والعرب والأفارقة، بدليل أنه لا يمانع مجيئهم إلى بلاده على هيئة أطباء وباحثين استحصلوا عروض عمل وتأشيرات، وأنّه سيعترض على دخول الأوروبي الأبيض إلى بلاده إن تسرّب إليها لاجئاً (وهو كلامٌ لا معنى له، إذ أن السيناريو الأوّل ليس عليه خلاف والسيناريو الثاني ليس مطروحاً كاحتمالٍ واقعي). ولكنّ الطّريف هو أن ردّة الفعل لم تأتِ دفاعاً عن الفلسطينيين والسوريين في لبنان؛ وهناك - على الهامش - إشكالية أكبر في وضع الفلسطينيين والسوريين في سلّةٍ واحدة؛ فاللاجئ من فلسطين المحتلّة قد ولد على الأرجح في هذا البلد، ولا يملك مكاناً غيره ليعمل فيه ويعيش، والوزير - والقانون وجهاز الدولة اللبناني - لا يزال يصرّ على معاملته كـ«أجنبي» لا حقوق له، «يزاحم» اللبناني ويجب أن يقف خلفه في الدور.
(هيثم الموسوي)

على كلٍّ، جاءت ردّة الفعل - الحقيقية والمؤثّرة - على شيءٍ مختلفٍ تماماً، ومن جانب معلّقين سعوديّين، استفزّهم (لسببٍ ما) ذكر السّعودية في هذا السياق، ولو كمثالٍ نظريّ. ذكّر الكثيرون بوجود الآلاف من اللبنانيين الذين يعملون في السعودية، هدّد البعض بطردهم من البلد (كما يحصل في كلّ حالة خلافٍ بين بلدٍ خليجي وبلدٍ عربي غير نفطي)، وطالب آخرون باستقالة الوزير. المثير هنا هو أن الكثير من اللبنانيين قد شاركوا السعوديين غضبتهم، ولاموا الوزير على تسبيبه المشاكل للمغتربين، وطلبوا منه التراجع عن كلامه «المهين» - في حقّ السعودية فقط، وأنا لا أفهم ما هو «المهين» في التغريدة تحديداً (هل قرأتم ما ينشره باسيل عادةً وباقي الـ«تويتر» اللبناني؟)، وخطاب أولوية المواطن على الأجنبي اعتياديّ ويكرّره المسؤولون في كلّ بلد، وعلى رأسها السعوديّة. هنا نجد عنصراً آخر داخل ثقافتنا السياسيّة خلال العقود الماضية وعصر المال النفطي، وهو أولوية المال والمصلحة على أيّ شيءٍ آخر، واعتبار ذلك قيمةً سياسية لا نقاش فيها. قد تتكلّم مع عربيّ عن زعيمٍ خائنٍ أضرّ بالأمة وقضاياها فيردّ «ولكنّه دعمنا هنا» أو «كان جيّداً معنا حين احتجنا إلى المساعدة» أي، بمعنى آخر، أعطانا بعضاً من ماله. كأنّ هناك علاقة بين ذلك وبين السياسة والخيانة والمبادئ، وكأن فعل التبرّع بالمال يوازي الدّم والموقف والتضحية الحقيقية. من ضمن هذا المنطق، كان موقف الوزير باسيل ضعيفاً ففي نظر الكثير من اللبنانيين، إن كان الأمير يُشعر بالإهانة، فالأمير دوماً على حقّ.

الانتقام من السوري
قد تكون هناك «عدالةٌ شعريّة» في أن يواجَه الخطاب اللبناني الفوقي بالخطاب الوطني السعودي بنسخته الخشنة والعدائية. أن يصطدم اللبناني اليميني، الذي ينهل من عقد التفوّق على من حوله وأحلام الصفاء «الجيني»، بسعوديٍّ يكلّمه بفوقيّة وكأنّه خادمٌ لديه: «من أنت لتتكلّم على السّعودي وكأنّه «عمالة»؟ أنت تعتاش من خيري. سوف أطرد مواطنيك من بلدي». على الهامش: أنا كتبت سابقاً عن هذه التهديدات المتكرّرة بطرد اللبنانيين، ونظريّتي مع أي تهديدٍ من هذا الصنف هي في المسير وفق منهجية «إذا هبت أمراً فقع فيه»، فلا إمكانية للردّ على من يلوّح باستخدام مواطنيك رهائن، أو الانتقام من موقفٍ سياسي عبر موظفين لا علاقة لهم بالأمر، سوى أن تطلب منه تنفيذ تهديده، فتتعامل مع الموضوع ساعتها أو تبني علاقةً على أساس سليم، بدلاً من أن يظلّ الابتزاز سيفاً مسلطاً في كلّ مناسبة (ولكنّي أعرف أن أغلب أبناء بلدي لا يحبّون المخاطرة في هذه المسائل).
في لبنان، هناك مشكلة لاجئين حقيقية سببتها الحرب المدمّرة في سوريا، وهي لا يمكن أن تكون حالة مستمرّة أو دائمة في البلد الصغير، ولكن من الممكن أن نتعامل معها من غير التحريضٍ والتخويفٍ والتمييز ضدّ أضعف الفئات على الأرض اللبنانيّة. ومن الممكن أيضاً طرح الموضوع في سياقٍ من الحرص والتعاطف مع السوريين في البلد، والاعتراف بأنهم ضحايا وتحت المعاناة (لا أنّهم مذنبون لأن الحرب اقتلعتهم من أرضهم وشاء سوء حظّهم ألّا يجدوا ملجأً أفضل من لبنان). النفاق السياسي يلفّ الموضوع إلى درجةٍ تجعل الحديث العقلاني عنه مستحيلاً، وبين الذين يخوّفون من السوريين، كأنهم جاءوا لغزو أرضنا، وهمّهم «التخلّص» منهم بأي شكل، وبين من يطالب - تحت زعم الدفاع عن اللاجئين - بإبقائهم في لبنان ومنع عودتهم إلى سورية خيطٌ مشتركٌ في الفوقية والاستغلال؛ فالاثنان يريدان التحكّم بأجساد اللاجئين وتقرير ما هو الأفضل لهم - بحسب مخاوفهم هم ومصالحهم وأجنداتهم السياسية.
الكراهية لم تعد حالةً فرديّة بل هي مؤسسة وفكر ونظام


واجه هؤلاء اللاجئون، خلال السنوات القاسية التي مرّت، بالكثير من العنف والاستغلال - من المستويات السياسية العليا وصولاً إلى القرى التي عاملتهم بشكلٍ سيئ، فيما هي تطالب بـ«حصة» من التمويل الدولي لاستضافة مخيمات اللاجئين، حتى لا نتكلّم على «ناشطي» المنظّمات الدولية الذين تحوّلت الحرب واللجوء عندهم إلى مصدر رزق. العذر الوحيد الذي يمكن أن ألتمسه لبعض أبناء شعبي هو أنّنا، مثلما كنا سيئين مع الغرباء الفقراء، فإننا سيئون بالقدر ذاته وقساة مع بعضنا البعض، أو هكذا أصبحنا.
أستغرب أن المجتمع اللبناني لم يعامل الفقراء السوريين على نحوٍ أفضل لا لأسباب تتعلق بالتعاطف والإنسانية، ولا لأنهم أكثر الفئات لطفاً في لبنان (وهذا ليس دائماً أمرٌ حسن، فاللطف الذي تلمسه من البائع أو العامل السوري في بيروت ليس مريحاً، بل هو من نوع «اللطف» والتهذيب الذي يخالطه الخوف والانكسار). كان من مصلحة اللبنانيين أن لا يزرعوا ذكرى سيّئة في نفس كلّ سوريٍّ حلّ في أرضنا لأسباب أنانية بحت. بوليصة تأمين للمستقبل. إذ أنّه، إن كان هناك ثابتٌ في إقليمنا، فهو أنّ أي بلدٍ من بلادنا معرّضُ، كل عقدين أو ثلاثة، لحربٍ أو غزوٍ يدمّر المجتمع ويهجّر الناس بالملايين. وأنت بلدٌ صغير ولديك سوابق، وقد تحتاج في المستقبل إلى هؤلاء النّاس.
مقولة أن اللجوء السوري كان «ثقيلاً» ومكلفاً على البلد هي صحيحة ظاهراً، ولكنها تخبّئ واقع أن تأثير اللجوء لم يكن متشابهاً على كلّ الفئات في لبنان. اللجوء السوري، أساساً، كان بمثابة «حزمة دعم» (subsidy) هائلة لقطاع الأعمال في لبنان. عُرض أمام كل المصالح في البلد «جيشٌ من العاطلين» بمئات الألوف، يمكن أن توظّفهم بأجور بخسة وأن تسحق ظروف العمل لدى اللبنانيين، وبخاصة في قطاع العمل اليدوي والبيع والخدمات (وهو القطاع الأساسي للتوظيف في البلد، الذي لم يراهن في اقتصاده على شركات التكنولوجيا والإنتاج الصناعي). في حالاتٍ كثيرة يكون من يتربّح من السوريين هو نفسه من يحرّض عليهم. في المقابل، فإن السنوات الماضية كانت على الأرجح أصعب فترةٍ تمرّ على الطبقة العاملة اللبنانية منذ نشوء البلد (لديّ صديقٌ بروليتاري فقير، كنت أحاول إقناعه باستمرار - ومن دون فائدة - بأن يتوقّف عن التحرّش بالسوريين الفقراء والتهجّم عليهم واعتبارهم سبب مشاكله وفقره. هو غيّر رأيه مؤخّراً و«تاب» بفضل التجربة المباشرة، إذ سافر إلى سورية، وكانت المرة الأولى في حياته التي يجتاز فيها الحدود اللبنانية، وقد صدمه تعامل السوريين معه وتبرّع الناس في الشارع لمساعدته، وهو هناك غريبٌ وحيد يحتاج إلى العون).

كراهية «مقبولة»
خلال صعود حالة الشيخ السلفي المتطرّف، أحمد الأسير، في مدينة صيدا، اختبرت بالعيان ما تقوله النظرية عن العنصرية وخطاب الكراهية. الفكرة هي أنّ العنصرية ليست حالة فرديّة أو نتاج طفرةٍ فجائية ولا هي ردّة فعل أوتوماتيكية على أيّ شيء. الفرضيّة العنصرية موجودة دوماً في كلّ مكان وفي كلّ مجتمع، بمعنى أنّه سيخرج دوماً أحمد أسير من حولك، أو صوتٌ تحريضي أو رأيٌ يحقّر أقواماً وطوائف. الفارق في النتيجة يتعلّق بالتعامل مع هذا الخطاب حين يظهر: هل تحاصره النخب وتدينه وتتوحّد لتحويله إلى شيءٍ منبوذ؟ أم تتواطأ على نشره وتبريره وجعله رأياً «طبيعياً» من بين آراء. بهذا المعنى المشكلة ليست في أحمد الأسير، بل في أنّنا «خلقنا» أحمد الأسير: من الإعلامي الذي استضافه وقدّم أفكاره باحترام، إلى السياسي الذي غطّاه وحاول الاستفادة من حالته، إلى القيادات المحلية والمثقفين الذين لم تكن لهم الجرأة لمواجهة هذا الخطاب منذ البداية والوقوف بحزمٍ في وجهه قبل أن يصل خطاب التحريض إلى نهايته الطبيعية.

المهمّ في مسألة عبد الباسط الساروت هو ليس الساروت نفسه، بل كلّ هذه النخب التي «عقلنت» خطاب الإبادة والحرب الطائفية


بالمثل، فإنّ المهمّ في مسألة عبد الباسط الساروت هو ليس الساروت نفسه، بل كلّ هذه النخب التي «عقلنت» خطاب الإبادة والحرب الطائفية، وراهنت عليها بتواطؤ، وهي اليوم تحاول أن تقدّم كلام الإبادة على أنّه «تفصيل» أو شيءٌ يمكن تجاوزه. الرجل دعا بوضوحٍ إلى الإبادة، فحين تجعله رمزاً لك ولقضيتك، ما هي الخلاصة التي تتوقّع من أيّ مراقب أن يستخرجها؟ إن لم يكن خطاب الإبادة الصريح في عرفك خطّاً أحمر، فأين الخطّ الأحمر بالتحديد؟ الأساس هو أنّك، فعلاً، لا تقدر على أن تحاكم آراء الساروت كما تحاكم المثقّف والمتعلّم. يمكن أن تقول أنه كان قد خُدع، أو حتى أنّه كان ضحيّة، ولكن المثقّف والسياسي لم يتمّ خداعهما، وهو كان يعرف تماماً ماذا يفعل وهو «يصنع» عبد الباسط الساروت، ويحوّل الكلام الذي سمعناه منه إلى خطابٍ سائدٍ ومقبول ومحترم (وعلى مستوى ما، فإن الساروت أفضل منهم جميعاً، وأكثر صدقاً؛ هو على الأقل عاد من تركيا وقاتل، وكم منهم قد أقفل راجعاً، بعد أن وصل إلى أوروبا أو قطر، ليكون في سورية؟ هذا قد يرجع إلى أصله الريفي والفقير، واختلاف منبته الطبقي عن أكثر «النخب الثورية» التي تنعاه).
البعض يتجاهل الكلام على الإبادة (كأن مسألة مديح «داعش» و«القاعدة» هي أهمّ)، والبعض يستنكر «التركيز» على هذه الجوانب في خطاب الساروت (الرجل أنشد للقتل الطائفي، على ماذا يفترض أن نركّز؟)، وهناك من لا يزال يرفض أن يفهم البديهيات، وأنّ الناس لا يمكن أن يأخذوك على محملٍ حسن حين تمجّد وتبرّر كلاماً يدعو إلى قتلهم جماعياً، تحت أيّ عنوان. ولكنّ بعض هذا الجهل مقصود أو «اختياري»، وكان من الممكن أن تلاحظه منذ سنوات: ناشط لبناني «ليبرالي»، مثلاً، لا يجد غضاضة في أن يشارك أغنية فيها أسطر تقول أن «سوريا أحلى» من غير العلويين، على أنها أدب ثوري. المشكلة ليست هنا، بل هي في تخيّل السيناريو التالي: كان يمكن أن يقوم مثل هذا المثقّف بعملٍ مشابه فيما لو كانت أمامنا أغنية سياسية تدعو إلى إبادة اليهود؟ هل كان من الممكن أن «يتجاهل» هذا التفصيل؟ وهل تراتبية القوة في العالم هي التي تحدّد من يتمتّع بـ«حماية» من خطاب الإبادة ومن لا يستحقها؟ بعض من ساهم في احتضان هذا الخطاب المميت يحمل حساسية عالية تجاه الهولوكوست، وبعض من يصدح في لبنان اليوم «لا للكراهية»، ويرفع شعارات التضامن الإنساني، لم يجد شيئاً مسيئاً في كلام الساروت. المشكلة في حالة هؤلاء ليست عقلانيّة، بل في أنّهم - كما قال جوزيف مسعد عن مشهدٍ مشابه - لا يمكن لهم أن يعترفوا بالتحريض ومداه من غير أن يعترفوا ضمنياً بأنهم كانوا جزءاً منه.

خاتمة
في لبنان، يجب أن تعود إلى الإنثروبولوجيا حتّى تفهم مصادر الشراسة اللبنانية وقسوة البلد على من فيه (والإنثروبولوجيا هي الفرع الوحيد في العلوم الإنسانية الذي لم أتآلف مع أدبياته، ولا أفهم ماذا يعمل بالضبط). هناك نظريّة بأن تحوّلات التسعينيات ومرحلة ما بعد الحرب، وصعود الحريرية وإعادة تشكيل مراكز القوى في المجتمع والسوق اللبناني، قد جعلت من لبنان مكاناً «تنافسياً» لا يرحم: المجتمع من حولك يتغيّر بسرعةٍ، البعض يصعد والبعض يهبط، والخوف يدفع الناس لفعل أيّ شيء حتى لا يكونوا من الخاسرين في هذا السباق. في هذا الجوّ لا مكان للكرم واللطف والتسامح، أو حتى التعاطف مع من هو أضعف منك (من غير دراسات إنثروبولوجية، الكبار في السنّ سيجمعون أن اللبناني لم يكن دوماً عدائياً كما هو اليوم، ولا كان الهوس بتحديد مكانك الطبقي بالشكل ذاته قبل التسعينيات، ولا كانت قيادة السيارة في الشوارع عبارة عن صراعٍ إراداتٍ بين متحاربين).
العبرة هنا هي أن العنصرية لا تختفي حين تقول «الكلام الصحيح» أو تسمّي نفسك ليبرالياً (أسوأ أنواع العنصرية هي تلك التي لا نعيها، أو لا نعتبرها أصلاً كذلك)، بل تُهزم الكراهية حين تختفي أسبابها، وتنتفي الحوافز التي تجعل منها خطاباً منتشراً و«ناجحاً»؛ وهذا - كما رأينا في لبنان - لا يحصل بالضرورة حين تنتهي الحرب. العنصرية لا تظهر فجأة في السياسة وفي الأناشيد بل هي نتاج عملية اجتماعية، وبعض النظم والمؤسسات والعقائد – بطبيعتها – تنتج العنصرية. دبي هنا مثالٌ متطرّف على ذلك، إذ في ظروف التنافس بين «الوافدين» من أجل العمل فيها، والتمييز في الراتب والمرتبة والاحترام على أساس الجنسيّة، يصبح أغلب من يتأقلم مع المدينة متماهياً مع التقسيمات العنصريّة. أكثر من عمل في دبي «الكوزموبوليتية» يعود إلى بلده محمّلاً بالنظريات العنصرية: يكره الهنود جملةً، ويغار من الغربيين، ويحتقر العربي الفقير، إلخ (الطريف أنك تجد ديناميات مشابهة في «أرقى» المؤسسات الدولية، كالبنك الدولي والأمم المتحدة، حيث يسهّل نظام التوظيف بناء «مافيات» قومية وعرقية داخل المؤسسة، لبنانيين أو إيطاليين أو مصريين إلخ، وهي ترتبط مع التكتلات الباقية بصلاتٍ من الحقد والاحتقار).
حين ترى الجانب الأسوأ من الإنسانية يتجلّى في كلماتٍ وشعارات وتواطؤ أناسٍ منتفعين، تتذكّر أيضاً أن العنصرية والتمييز لم يختفيا من مكان، لأنّ أهل الكراهية فيه قد «تنوّروا» فجأةً واكتشفوا الحقيقة، بل لأنهم أجبروا على ذلك وتمّ ضبطهم وتأديبهم، والتوافق على منعهم عن تخريب المجتمع. في أميركا، مثلاً، بعض أشكال التمييز والكراهية قد زالت من المجال العام ببساطةٍ لأن الموظّف هناك يعرف أن حياته العملية ستنتهي لو ارتكب خطأً من هذا النوع، وأنه سيواجه حساباً عسيراً لو قال كلاماً مهيناً في حقّ عرقٍ أو قومية. أمّا في بلادنا فإن الكراهية لم تعد حالةً فرديّة بل هي مؤسسة وفكر ونظام، وطريق المواجهة معها، كما شهدنا في الأيام الماضية، لن يكون سهلاً أو قصيراً.