تكاد تكون سمةُ الموضوعيّة العلميّة، وخصوصاً تلك المتعلّقة بالعلوم الطبيعيّة، واحدةً من المقدّسات القليلة التي تؤمن بها هذه العلوم. تُعرّف «موسوعة ستانفورد الفلسفيّة» الموضوعية العلميّة على أنّها «الخاصية التي تشترط على الادّعاءات والمنهجيّات والنتائج العلميّة أن لا يظهر عليها أيّ تأثّرٍ بمنظورٍ محدّد، التزاماتٍ قيميّة، انحيازٍ مجتمعيّ أو مصالح فرديّة». ويظهر أحياناً أنّ مجرّد التلويح بفكرة أنّ العالِم أو العالِمة قاما باستنتاج شيء لينسجم مع دوافعهما الشخصيّة، أو أنّهما طوّرا نظريّةً لا تأخذ في الاعتبار جميع المتغيّرات بشكلٍ موضوعيّ، مثلاً، كافياً لدحض عملهما مهما علا شأنه. إلّا أنّنا غالباً ما ننسى أنّ عملية الإنتاج العلميّ التي كثيراً ما ترتكز على تحويل الطبيعة إلى ثقافة، إنّما تتمّ عبر وسيطٍ ثقافيّ لا طبيعيّ، هو الإنسان العالِم أو العالِمة. أي أنّنا ببساطة، نتحدّث عن شخصٍ مثلنا، ابن أو ابنة بيئةٍ ثقافيّةٍ محدّدة، يتكلّم لغةً معيّنة، قد ينتمي (أو لا) إلى عقيدةٍ دينيّةٍ فلسفيّةٍ ذات أنتولوجيّاتٍ خاصة. ولأنّ الكثير من العلماء الأنتروبولوجيّين، على رأسهم كلود ليفي شتراوس، يعتبرون أنّ اللغة كانت أصل انفصال الإنسان عن الطّبيعة ليُصبح كائناً ثقافيّاً لا طبيعيّاً وحسب، فإنّنا لا نستطيع أن نغفل أنّ المجرى العقليّ في ذهن هذا العالم أو العالمة يتأثّر حكماً عند تحليل المعلومة الطبيعيّة الخام بالتصوّرات العقلية المُسبقة الناتجة عن تصوّرات لغوية وفكرية تُشكّل فئاتٍ تحليلّة جاهزة. وقد لا تظهر هذه «الثغرة» إلّا عند دراسةٍ لسانيّةٍ للوصف العلميّ للمُكتشفات. ثمّ إضافةً إلى خطر اتصال اللغة الحميم بالثقافة على الموضوعيّة العلميّة، يتوجّسُ العالم لدويغ فليك من طبيعة الفكر العلميّ الـ«مكتفي ذاتيّاً»، إذ يقول: «إنّ التفاعل بين ما سبق وتمّ اكتشافه، ما بقيَ ليُكتشف وبين أولئك المنوطين باكتشافه، يتمّ عبر ضمانة انسجام هذا النظام. ولكنّ هذا الانسجام نفسه إنّما يُهدّد بالمحافظة على اتّساق أوهامٍ تبقى آمنةً ضمن تخوم نمطٍ فكريٍّ معيّن».
«هجوم» ــ ماريلينا ناردي

أي ببساطةٍ، فإنّ الفكر العلميّ كثيراً ما يعمل على أخذ اللّغة التّي يستعملها كمسلّمة ممّا يُصعّب عمليّة النقد الذاتي ويُهدّد بدوره الموضوعيّة العلميّة. تكمن خطورة الموضوع عندما نتذكّر أنّ الكثير من المُعطيات الثقافية إنّما يتمّ بناؤها على ما يُرى على أنّه بديهيٌّ في الطّبيعة. أي إنّ اللغة العلميّة ليست مجرّد استعارات بل تُشكّل حلقة تغذيةٍ راجعة، لأنّ اللغة التي نستخدمها لوصف الاكتشافات العلميّة مُحبّلةٌ بالبنى الثقافيّة التي تُظهِر هذه البنى على أنّها طبيعيّة، ما ينعكس بالتالي تأكيداً لهذه البنى. قد يبدو كلّ هذا تجريديّاً. لذلك نستشهد في ما سيأتي بمثالٍ يدحضُ موضوعيّة لغة الفكر العلميّ، عبر حكاية البويضة والحيوان المنويّ وكيف أنّها أقرب إلى قصص الأميرات منها إلى الموضوعيّة العلميّة.
تُحلّل العالمة الأنتروبولوجيّة إميلي مارتين في مقال بعنوان «البويضة والحيوان المنويّ: كيف بنى العلم قصّة رومانسيّة بالاستناد إلى القوالب النمطية للأدوار الجندريّة»، كيف تُساهم العلوم الطبيعية في خلق حكايات الجنّ أو الـFairytales حول البويضة والحيوان المنويّ. تقول مارتين مفتتحةً مقالها: «كعالمةٍ أنتروبولوجيّة، أنا مفتونةٌ باحتمال أنّ الثقافة تسبك الطريقة التي يصف بها العلماء البيولوجيّون ما يكتشفونه حول العالم الطبيعي. إن كان الأمر كذلك، فنكون قد تعلّمنا في صفوف علوم الأحياء في المرحلة الثانويّة عن المعتقدات الثقافيّة أكثر منه عن العالم الطبيعيّ. لقد توصّلتُ خلال بحثي مثلاً أنّ صورة البويضة والحيوان المنويّ، المرسومة في المُعتقد الشعبي والعلمي على حدّ سواء، إنّما تستندُ إلى قوالب نمطيّة تُعدّ أساسيّة لتعريفنا الثقافيّ للذّكر والأنثى. ولا تقتضي هذه القوالب النمطيّة ضمناً أنّ العمليات البيولوجيّة الخاصة بالجسد الأنثويّ هي أقلّ جدارةً من تلك الخاصّة بنظيرها الذكريّ فحسب، بل إنّ النّساء أقلّ جدارةً من الرجال أيضاً».
قصدت مارتين كتباً جامعيّةً لطلّاب الطبّ في جامعة جونز هوبكنز، وهي واحدة من الجامعات المرموقة في الولايات المتحدة الأميركية، تُستخدم كتبها في جلّ أنحاء البلاد أيضاً على نطاقٍ واسع. وتصف هذه الكتب التّي درستها الباحثة، بشكلٍ عام، أنّ الجهازين التناسليّين للذكر والأنثى مهمّان لأنّهما ينتجان موادّ نفيسة هي البويضة والحيوان المنويّ. في حالة النساء، تبرز الدورة الشهريّة أو الدورة الطمثيّة كدورة من التغيّرات الطبيعيّة في الرحم بهدف تجهيزه للحمل، والمبيض بهدف إنتاج البويضات. ولكنّ الحماسة تنتهي هنا بحسب مارتين، فبعد مدح الدورة الشهريّة لكونها مؤسّسةً إنتاجيّة، يأتي - «للأسف» - الطمث أو الحيض، ويتمّ تصويره كالإخفاق الأعظم للجسد الأنثويّ. إذ تصف الكتب العلميّة دم الطمث بـ «فضلات» الرحم أو نتيجة موت الأنسجة. تشرح مارتين: «تلمح الشروحات حول موضوع الطمث إلى أنّ النّظام انحرف عن مساره، منتجاً فضلاتٍ لا نفع لها.. كما تُوضح رسومات للطمث أنّه عبارة عن فوضى في تحلّل الشكل، وتصف كتب علميّة الدورة الشهريّة بمصطلحاتٍ كالإحجام، الموت، الخسارة، التعرية والطرد»، على عكس مثلاً فيزيولوجيّة الجهاز التناسليّ الذكري التي يتمّ الحديث عنها بشكلٍ مختلفٍ تماماً. تلحظ مارتين كيف يتمّ الحديث عن الحيوان المنويّ بشكلٍ نثريٍّ تقريباً، إذ يتمّ وصف تحوّل النطفة الأروميّة إلى حيوان منويّ ناضج بالتحوّل «الغامض» و «الباهر»، كما يُشار بذهول إلى «الوفرة» في تكوّن الحيوانات المنويّة فـ «فيما تطرح الأنثى خليّة مشيجٍ (خليّة استمرار النموّ) ناضجةً واحدة شهرياً فقط، تُنتج النبيباتُ النّاقلة للمني مئات الملايين من الحيوانات المنويّة كلّ يوم».
يكمن خطرُ الإسقاطات الثقافيّة عبر اللغة العلميّة على عمليّة التلقيح في أنّها تحوّل القوالب النمطيّة للأدوار الجندريّة إلى «طبيعيّة»


حتى عند التحدّث عن عمليّة الإباضة بشكلٍ مُستفيض، لا نجد حماساً علميّاً كذلك المرافق للحديث عن تكوّن الحيوانات المنويّة. فتُصوّر البويضات، على عكس الحيوانات المنويّة الحديثة والنضرة يوميّاً، على أنّها حاضرةٌ وتنتهي منذ الولادة وكأنّها «تجلسُ على الرفّ، بانتظار أن تهترئ وتشيخ»، كما لو أنّ لا شيء ملفتاً جديراً بالحديث عنه هنا. يُشدّد الكتاب كيف أنّ المبيض لا يفرز سوى حوالى 400 أو 500 بويضة على أكثر تقدير في دورة حياة المرأة التناسليّة (من البلوغ وحتى انحباس الطمث أو ما يُعرف بـ«سن اليأس» ونستطيع أن نرى الآن أيضاً ما يجزمه هذا المصطلح من معطيات «طبيعيّة» أي ربط جسد الأنثى بقدرتها على الإنجاب وحين تضمحلّ هذه القدرة تُسبّب اليأس للمرأة حكماً، مع أنّه مفهوم متعلّقٌ بالطبّ الغربيّ، فالعديد من النساء الآسياويّات واليابانيّات خصوصاً لا يُعانين من عوارض اليأس). يُتّهمُ جسد الأنثى بأنّه غير فعّال لا بل بأنّه مُبذّر، إذ تذكر الكتب كيف يتلف المبيض حوالى 7 ملايين من خلايا البيض الأولى في جسد الجنين الأنثى و«تستمرّ العمليّة في الفترة التي تفصل الولادة عن البلوغ (معدّل 12 سنة) حتّى لا يبقى في جسد الأنثى سوى 30000 بويضة في المبيضين».
حسناً، قد يُحاجج البعض أن موت هذا العدد الهائل من البويضات في المبيض هو عمليّة تبذيريّة في أسوأ تقدير أو غامضة إن حملنا الرحم على حسن النيّة، ولكنّ السؤال الذي نطرحه هنا هو لماذا لا يُتّهم الجهاز التناسليّ الذكريّ بالأمر نفسه مع أنّه يُنتج أكثر من مئة مليون حيوان منويّ طوال حياة تناسليّة تمتدّ على 60 سنة. تُحلّل مارتين: «وإذا كانت المرأة تفقد بويضة كلّ شهر قمريّ، أيّ ثلاثة عشر بويضة في السّنة، فإنّها طوال حياتها التناسليّة لا تفقد سوى خمسمئة بويضة. وإن احتسبنا أنّ المرأة أنجبت طفلين أو ثلاثة أطفال فمقابل كلّ طفلٍ تساهم في إنتاجه المرأة تُضيع حوالى مئتي بويضة فقط، أمّا للطفل نفسه فيضيّع الرّجل حوالى أكثر من تريليون حيوانٍ منويّ». لماذا إذاً لا يُمدح المبيض مثلاً لكونه يُنتج بويضةً ناضجةً مرّةً شهريّاً عند الحاجة إليها فقط على عكس الحيوانات المنويّة التّي تُنتج بكميّاتٍ كبيرة، وبالتالي فإنّ على الجهاز التناسليّ الذكريّ أن يتعامل مع مشكلة اهتراء الأنسجة بشكل يوميّ؟

الآنسة الضعيفة والصلب الشجاع
هذا عن تشكّل البويضة والحيوانات المنويّة، أمّا عن صفاتهما، فنستطيع بعد مسحٍ لسانيٍّ سريعٍ أن نتعقّب الصفات التي تُلصق بكلّ منهما والمبنيّة على القوالب النمطيّة للأدوار الجندريّة حصراً دون أيّ تفسيرٍ علميّ يبرّرها. تُلحق بالبويضة مثلاً صفاتُ «أنثويّة» فيما يُوصف الحيوان المنويّ بمصطلحات «ذكوريّة». فيبقينا التصوّر العام مقتنعين أنّ البويضة آنسةٌ ضعيفةٌ بحاجةٍ لإنقاذ من قبل الحيوان المنويّ الصلب الشّجاع. تُوصف البويضة بأنّها تلزم مكانها بالكثير من اللافاعليّة والاستسلام السلبيّ لأنّ الأفعال التي تصف تحرّكها إنّما تصفها بصيغة الغائب فهي لا تتحرّك بل «تُنقل» وحتى «تُجرف» في «قناة فالوب» على عكس الحيوان المنويّ الذي يُحكى عنه بصيغة الحاضر المُبادر فهو «صغير ممّا يُسهّل حركته ويكادُ لا ينكفئ عن الحراك». وهو الّذي «يُقدّم الجينات اللازمة للبويضة حتّى تنمو»، كما لو أنّ البويضة، آنسة عزباء بائسة، تنتظر باستماتةٍ الرجل الذّي سيُغيّر مجرى حياتها على شكل حيوان منويّ.
كما يشبّه جيرالد وهيلين شاتين مثلاً دور البويضة بقصّة أورورا الأميرة النائمة: «العروس النائمة التي تنتظر القبلة السحريّة من رجل أحلامها، التي تبعث فيها الرّوح من جديد». فالبويضة «بعد افتراقها عن بيئتها الحاضنة في المبيض، تموت في غضون ساعات ما لم يُنقذها حيوان منويّ» بحسب أحد كتب الطبّ التي درستها مارتين. إنّ المصطلحات المُستعملة تُؤكّد الصور النمطيّة الملتصقة بالدور الجندريّ للمرأة كالكائن الواهن الضّعيف المُحتاج إلى إعالة ورعاية، مع أنّ الحيوانات المنويّة أيضاً لا تعيش إلّا بضع ساعاتٍ بعد إطلاقها، فإنّها لا تُوصف بالمعتمدة على البويضة لإنقاذها. يبدو الحيوان المنويّ على العكس من ذلك، كمن ينتظر «مهمّةً» فهو يشقى في الظلمة الداكنة، ولأنّ ذنَبه قويّ وفعّال، معاً، ومع قوّة القذف، يستطيعان دسر السائل المنويّ إلى أقاصي ردوب المهبل، ثمّ «يخترقُ» الحيوان المنويّ الأقوى البويضة بعنف كما لو أنّها عمليّة اغتصابٍ. وتصف بعض الكتب العلميّة الحيوانات المنويّة التي تنجح بالوصول إلى البويضة بـ«الناجين» الذّين يتحوّمون حول الـ«جائزة». ومن الاستعارات أيضاً اعتبار الحيوان المنويّ «مفتاحاً» والبويضة «قفلاً» ممّا يوضح بشكلٍ لا لبس فيه من يُنظر إليه على أنّه الفاعل ومن المفعول به. وعند وصف عمليّة التلقيح والالتحام، تذكر الكتب كيف «تختارُ البويضة شريكاً مُلائماً، ترضخُ للالتحام به، ثمّ تحمي مولودها من أيّ أذى»، وهي الصورة النمطيّة للمرأة صعبة المنال التي إبّان زواجها بالرجل المنشود تُصبح راعيةً ومكتملة.
يكمن خطرُ هذه الإسقاطات الثقافيّة عبر اللغة العلميّة على عمليّة التلقيح، أو عند الحديث عن البويضة والحيوانات المنويّة، في أنّها تُحوّل القوالب النمطيّة للأدوار الجندريّة إلى «طبيعيّة»، وتُصبح البويضة رمزاً للمرأة، والحيوان المنويّ رمزاً للرجل، ويُصبح التفاعل ما بين هاتين الخليّتين ذا دلالةٍ ثقافيّة. فنرى مثلاً شيخاً يُنادي المرأة بالعفّة والتستّر وأن تتمنّع ولا تبذل نفسها إلّا لرجلٍ واحدٍ، لأنّ البويضة تدعُ حيواناً منويّاً واحداً فقط يخترقها. أو نُتابع مواقع غربيّةً لنصائح المواعدة الغراميّة، تدعو المرأة إلى أن تنتظر بسلبيّة الرّجل ليقوم بالمبادرة للاقتراب منها والمنطق الذّي يُستعان به لشرح ذلك هو أنّ الحيوان المنويّ هو المُبادر في عمليّة التّلقيح لا البويضة، وعلى المرأة بالتّالي أن تنتظر بصبرٍ رجلاً مُبادراً يتقرّب منها لا أن تقوم هي بالخطوة الأولى وتُعاكس الطبيعة! هذه هي التغذية الراجعة التي نقصدها: يكون للعالِم أو العالِمة تصوّرات ثقافيّة عن الأدوار الجندريّة مثلاً، ولكنّ أحدث الدراسات التي قام بها علماء الجامعة نفسها، أظهرت أنّ الحيوان المنويّ مُصمّم بحيث يستطيع تفادي الالتصاق بسطح أيّ خليّة يحتكّ بها، ما يعني أنّ سطح البويضة مُصمّم بشكلٍ يُمكّنها من الإمساك به بفاعليّة. فتُحكم البويضة القيد وتمنعه من الانحلال. يُحاول الحيوان المنويّ تحريك رأسه يمنةً ويساراً إلّا أنّ القوّة الميكانيكيّة لذنبه «ضعيفة» بشكل يُصعّب عليه الأمر. تتدخّل هنا الأنزيمات الهاضمة التي يفرزها الحيوان المنويّ فتلين البويضة ما يُتيح له أنّ يتّجه داخلها. وبعد هذا الاحتكاك الأوّل تتصّلُ الخليّتان معاً بفضل جزيئيّاتٍ لاصقةٍ يتمتّع بها كلّ منهما. ما يعني أنّ عمليّة التّلقيح هي عمليّة تشاركيّة بين الخليّتين، لا عمليّة سيطرة واحدةٍ على الأخرى.
تُنوّه مارتين بانفتاح العلماء على نشر الاكتشافات العلميّة التي تحاول إعطاء دورٍ أكبر للبويضة على عكس الخرافات العلميّة السّابقة التي كانت تُصوّر حركة الحيوان المنويّ على أنّها اقتحامٌ فاضلٌ وشرس للبويضة المتمنّعة، لكنّ هذا الدّور المتعاظم للبويضة أتى على حساب تصويرها على أنّها عدائيّة وشرسة فهي تُصوّر على أنّها تلتقط الحيوان المنويّ عنوةً عبر منطقتها اللاصقة «كالعنكبوت في شبكتها» كما جاء في أحد الكتب حديثاً. ما يُعيدنا إلى نقطة الصّفر من حيث الإسقاطات الثّقافيّة على هذا المسار «الطبيعيّ» بحيث يتمّ إسقاط صورة المرأة الخطرة femme fatale المنتشرة في العديد من الإنتاجات الثقافيّة في العالم الغربيّ. يعني إمّا أن تُجسَّد البويضة على أنّها امرأةٌ يائسة غثّة نصف مكتملة، وإمّا أن تُصوّر على أنّها امرأةٌ خطرةٌ جلّ همّها إغواء الرّجل للإيقاع به.
وإن كان الطّريق الأسرع لإيجاد أجوبة شافية هو صياغة الأسئلة الأعقد، نسأل: لماذا تُحرم أجساد النساء من التصوّرات العلمية الإيجابيّة لهنّ؟ وكيف يعكسُ هذا الأمر الصور النمطيّة الجندريّة الثقافيّة الاجتماعيّة بحقّهن؟ ثمّ كيف تعمل التصوّرات الثقافيّة التّي تُسبغ عليها صفة «الطبيعية» زوراً كحلقة تغذيةٍ راجعةٍ للقوالب النمطيّة الآنفة الذكر؟ وما العمل لتحويل اللّغة العلميّة إلى لغةٍ موضوعيّةٍ بحقّ؟
*طالبة ماجستير في الأنتروبولوجيا في الجامعة الأميركيّة في بيروت