يبدو أن فريقاً من المستشارين الأمميين يحيط بالسيد الأخضر الإبراهيمي، ويقدم المساعدة له في إدارة جلسات مؤتمر جنيف رقم 2. كمثل الفريق الذي عاونه في بغداد بعدما احتلها الأميركيون وعمل بموازاة فريق الحاكم بريمر وبالتنسيق معه. أغلب الظن أنّ الإبراهيمي قد استدعى إلى جنيف بعض الذين ذهبوا معه إلى بغداد ... من المحتمل أيضاً أنّه كان سيتخذ مركزاً له في دمشق لو أن الأميركيين، أو جماعاتهم الوهابية «الطالبانية»، تمكنوا من دخولها واحتلالها! هل قدّم «الموفد الأممي» السيد الأخضر الإبراهيمي خدمة للعراقيين؟
ما الذي يحضّ هذا الرجل على إسداء الخدمة نفسها للسوريين؟! علماً بأنّه بلغ من الكبر عتياً، كمثل وزير خارجية آل سعود، الذي يبدو أن الأمور التبست عليه، فاختار للسوريين «فخامة رئيس»، وغاب عنه أن الأميركيين أوكلوا إليه إرساء «الديموقراطية»، في سوريا وبلاد الشام. الطبع يغلب التطبع!
من البديهي أن انعقاد مؤتمر جنيف رقم 2، بين وفد الجمهورية العربية السورية من جهة، وكل من وفد الولايات المتحدة الأميركية برئاسة السفير فورد، والأمم المتحدة برئاسة الأخضر الإبراهيمي من جهة ثانية، بعد ثلاث سنوات من الحرب على سوريا، يعتبر بحد ذاته إنجازاً كبيراً للجيش العربي السوري ولقوات الأنصار (الدفاع الوطني واللجان الشعبية) التي تسانده، الذي يعود له الفضل في منع انعقاد مثل هذا المؤتمر في دمشق، برئاسة حاكم أميركي كما حدث في العراق.
هذا لا يعني أنّ حضور وفد سوري رسمي إلى سويسرا للمشاركة في مؤتمر يبحث في الأزمة السورية لا يعدّ تنازلاً وتراجعاً، أمام القوى الغربية المدبرة الفعلية للحرب على سوريا، والتي تدير عملياً الهجمات التي يشنها الأعداء في الساحة السورية. فهي التي تمد الأخيرين بالمرتزقة والعتاد من الجهات الحدودية الأربع.
وبالتالي هي التي تملك قرار استمرار أو وقف العدوان. هذه مسألة ليست بحاجة إلى بسط وتوسع، لكثرة البراهين عليها، التي كان آخرها إعلان الإدارة الأميركية أنها ستعاود إرسال السلاح الى المتمردين في سوريا، رغم أن أعمال مؤتمر جنيف رقم 2 لم تنته بعد!
لا شك في أن القوى الغربية ألحقت بالسوريين خسائر فادحة. فلقد قتل الكثيرون وشرد الكثيرون، ومنهم من جاع ومنهم من ذلّ بعد عز، فضلاً عن الدمار الواسع. يستتبع ذلك أن الحرب التي يتعرضون لها أفقرتهم وأوهنتهم. ولكن ليس مستبعداً أن تتحول الأمانة للدماء التي سفكت والاحترام للعائلات التي ثكلت بفقد حبيب أو عزيز، إلى عبر ودروس في الوطنية والتربية والتهذيب والإيمان أيضاً، لا غنى عنها في العيش المشترك. كان بالإمكان أن تُلقّن هذه الدروس بطرق ووسائل حضارية، ولكن تهتّك الحكام استهتاراً وتسويفاً، حال دون ذلك!
واهم من يعتقد أنه إذا تنازل السوريون عن حقوقهم في فلسطين، نالوا رضى القوى الغربية المذكورة أعلاه. بل يمكن القول إن ذلك سيجر مطالب بتنازلات أخرى. إذ من المعروف أن الكلام على اتفاقيات سلام وصلح مع المستعمرين، هو خداع ألفاظ. فما تريده القوى الاستعمارية في بلاد الشام هو احتلال الإسرائيليين أراضي جديدة وإعطاؤهم حرية أكبر من دون مقاومة أو اعتراض بأي شكل من الأشكال.
ينجم عنه أن المستعمرين يحاولون إيجاد ظروف ملائمة لتوسيع مناطق وجودهم وممارسة نفوذهم. لذا نراهم يسعون دائماً إلى شلّ قدرات المتضررين من سياساتهم، ليس على الحرب دفاعاً عن النفس فقط، إذ من الصعب الانتصار عليهم في إطار مواجهة تقليدية، وإنما على إزعاجهم وتهديد أمنهم مؤقتاً، أيضاً.
ليسمح لنا جهابذة الفكر الثوري الذين يعبرون بمداد من نفط عن تفاهتهم وعقمهم، منذ أن بدأت وصاية آل سعود على لبنان، وليسمح لنا أيضاً الذين أعلنوا «حرب الردة» فحللوا ضرب الأعناق، شرط أن يتوضأ القاتل قبل الجريمة ويكبّر أثناء تنفيذها ويصلّي بعدها، أن بلاد الشام، وسوريا تحديداً، كانت دائماً ساحة منازلة بين الإمبراطوريات الناشئة وتلك التي تداعت بنيتها ونخرها الفساد والرذيلة.
يحسن التذكير في هذا السياق أنّ حرب السويس سنة 1956، وقعت بالتلازم مع ثورة حدثت في المجر، في داخل المعسكر السوفياتي. في وقت كانت فيه الولايات المتحدة الأميركية قد عقدت العزم على الحلول مكان القوتين الاستعماريتين، إنكلترا وفرنسا. وفي حزيران 1967، لم يكن الهدف ضرب نظم الحكم الوطنية في مصر وسوريا والعراق فقط، وإنما كان أيضاً توجيه ضربة ثانية للاتحاد السوفياتي، ما لبثت أن أعقبتها ضربة ثالثة بعد أقل من سنة، تمثلت بربيع براغ، في تشيكوسلوفاكيا. وليس مستبعداً، في السياق نفسه، أن يكون انفجار الأزمة في أوكرانيا حالياً، كمثل معاودة تهديد إيران بالقوة العسكرية، فضلاً عن إرسال السلاح إلى المتمردين في سوريا، وسائل ضغط على حلفاء الأخيرة في الوقت الذي يعقد فيه موتمر جنيف رقم 2. من نافلة القول إنّ الصين هي شريك أيضاً في الحرب الدائرة على الساحة السورية.
ولسائل أن يسأل، ما شأن آل سعود في معمعة هذه الحرب؟ الإجابة أنّ الأخيرين يحاولون الدفاع عن أنفسهم. فهم يريدون أن يظهروا للولايات المتحدة الأميركية أنهم لا يزالون قادرين على تأدية الأدوار المطلوبة منهم. بمعنى آخر أنهم ليسوا بالخيار بين أن يشتركوا أو لا، في الحرب على سوريا، التي من المنتظر أن يفشلوا فيها، في استحقاق البقاء. مجمل القول إن آل سعود لا يقاتلون إلا إذا كانوا مضطرين ومكرهين على ذلك! ولكن يبدو أنهم مهما فعلوا فإنهم في ميزان القوى لا يساوون إيران. هذا معطى صار معروفاً.
يبقى أن نقول إنه لا يكفي في الظروف الراهنة أن يتصدى السوريون للغزاة. فمن المرجح أنّ المعركة ستطول، وأن مؤتمرات جنيف هي مناورة وخداع. وبالتالي إذا كان الذود عن سوريا واجباً وطنياً وقومياً، وإذا كانت المحافظة على الدولة ضمانة للناس العاديين الطيبين الذين ربما استطاع آل سعود استهواء بعضهم، صار ضرورياً وملحاً أن يتفق السوريون من أهل النظام ومن خارجه، في سوريا وليس في جنيف، على الأهداف التي يمكنهم بلوغها معاً! حتى نعرف جميعاً ماذا نريد، وإلى أين نحن ذاهبون؟ المطلوب جبهة وطنية سورية وبرنامج وطني سوري!
* كاتبة لبنانية