في الوقت الذي لا نناقش فيه ضرورة معرفة ظروف جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي غيلة، فلا بد من الإعراب عن دهشتنا من المساحات المخصصة لهذا الحدث في بعض وسائل الإعلام، المستقلة إلى حد ما، مع تأكيدنا أنْ ليس ثمة من استقلال أي مشروع، صحافي أو غيره، عن المموّل. بات من المعروف لكل متابع، أن قتل السعودية الصحافيَّ مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالصراع بين أجهزة الدولة الأميركية ومؤسساتها. فـ«وكالة الاستخبارات المركزية» التي تبنت التعاون مع «الإخوان» في قطر وتركيا، هي التي تبنت المغدور، إذ قيل الكثير عن ارتباطه بها وأنه كان ينسق تحركاته معه، فقد كان يخطط لتأسيس حزب «إخواني» سعودي بالتعاون مع «سي آي إيه»، وفق بعض التقارير الأميركية.الدولة العميقة أو الدولة الخفية في واشنطن، ومنها بعض أدواتها من وسائل الإعلام/ التضليل مثل «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، إضافة إلى قناة «سي إن إن»، معادية لدونالد ترامب، لذا نجدها تحاول فرض قضية اغتيال خاشقجي على أجندات الإعلام العالمي، نكاية بالرئيس الأميركي، وبهدف إضعافه عبر تشويه سمعته عالمياً ومحلياً، بل حتى إقالته إن أمكن.
وما دخلنا نحن في هذا الصراع؟ ولماذا التشديد على إدانة محمد بن سلمان فقط؟ الجريمة بحق خاشقجي ارتكبتها الإدارة أو الدولة السعودية، لا شخص محدد. إن التشديد غير المقبول على إلصاق التهمة بشخص ولي العهد السعودي يعني تبرئة الدولة السعودية من الجريمة؛ إن وحشية ابن سلمان معروفة لوالده، والأخير، وفق شقيقه فهد، متهور.
سلمان اختار ابنه المتهور لأنه يمثله خير تمثيل. إن التشديد على إلصاق التهمة بابن سلمان لا بد أن يقود إلى إغفال النظر عن جرائم الدولة السعودية منذ تأسيسها، علماً بأنها قامت على الغزو والنهب والغنيمة، لذا من الطبيعي أن يكون شعارها السيفان. إنهما يشيران إلى دموية هذه الدولة التي لا تعرف سوى القتل والتدمير طريقاً للسيطرة والهيمنة.
لماذا لا يُربط الحديث عن جريمة اغتيال جمال خاشقجي بجرائم الدولة السعودية في اليمن وليبيا وسوريا والعراق وأفغانستان والصومال وغيرها الكثير، قديماً وحديثاً، كما تفعل بعض وسائل الإعلام المقاوِمة؛ وهل ننسى أن المغدور فيصل استعان بالعدو الصهيوني الذي كان ينقل الأسلحة والذخيرة إلى عصابات البدر في السعودية واليمن لمحاربة قوى الثورة والتنوير بقيادة المناضل الراحل الكبير عبد الله السلال!
المطلوب فضح جرائم نظام آل سعود وعدم السماح لأي موضوع أن يتقدم على جرائمه في سوريا ولبنان والعراق واليمن، وعدم السماح بصرف النظر أو حتى غضّ الطرف عن جرائم بقية المشيخات المستعمَرة في قطر والبحرين وعُمان وغيرها. كما وجب عدم السماح لهذه القضية بالتغطية على صرخة جماهير فريق «الرجاء» في مغرب أمير المؤمنين [!] التي تلخص آلام أمتنا المقهورة، والتي انطلقت في نفس فترة اغتيال الصحافي خاشقجي.
هذه هي الأوجاع الحقيقية لأمتنا. المطلوب أيضاً التمسك بحقيقة أن صراخ بعض دوائر مستعمرات الخليج الفارسي، المشيخات، على اغتيال خاشقجي يهدف أيضاً إلى التغطية على تطبيعها العلني الوقح والإجرامي مع العدو الصهيوني. فتحْتَ دخان قضية اغتيال الصحافي خاشقجي مُرِّر استقبال وفود ثقافية (ثقافة الاضطهاد والاستعمار والعنصرية والفصل العنصري والإبادة الجماعية)، ووفود رياضية (رياضة الاغتيالات وقنص الرجال والنساء والأطفال وضرب المتظاهرين وتدمير بيوت الفلسطينيين واعتقال الآلاف) من كيان العدو الصهيوني في المستعمرات البريطانية المسماة الإمارات المتصارعة، وقطر وعُمان والبحرين، وهذه قمة الإجرام والخيانة.
القضية تبقى فلسطين لأن فيها تختصر كل قضايانا.