سيبدو العنوان ملتبساً للوهلة الأولى، بل ربما صادماً لمن يعتقدون بأبدية الهويات وسياساتها، وأولئك الذين ألِفوا تصنيف الدول وفقاً لعقائد ومذاهب نُخبها الحاكمة، أو أغلبياتها السكانية، أو باعتبارها استنساخاً لما سبقها من دول في الحيِّز الجغرافي الذي تشغله. كأنْ نجدهم، مثلاً، يصفون الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالصفوية، قدحاً في هويتها المذهبية والقومية، أو آخرين، في الجهة المقابلة، يصفون تركيا الإردوغانية بالعثمانية، أو حتى بالسلجوقية، غمزاً على مطامعها التوسعية والتسلطية. لكن الصورة قد تبدو مختلفة، أو حتى معكوسة، إذا ما اعتمدنا الخطاب السياسي والأدوار التاريخية التي أدّتها (أو تؤدّيها) كلٌّ من الدول الأربع المعنية (العثمانية والصفوية مقابل تركيا وإيران المعاصرتين) كمعيار للمقارنة في ما بينها. وبطبيعة الحال، عناصر هذا المعيار غالباً ما تكون متغيّرة على مدى المراحل المختلفة لتاريخ كل دولة، وبتغير الظروف المحيطة. ولذلك، سنلجأ إلى تقويم ومقارنة توجهات كل منها في المجمل والأعم، وعلى نحو نسبي، محاذرين في الوقت عينه، من اختزال توصيفاتها إلى ثنائيات مانوية بالأبيض والأسود.نلاحظ، بداية، أن كلاً من هذه الدول قد صاغت هويتها وخطابها واستراتيجياتها انطلاقاً من اعتبارات جيوسياسية، ومن رؤاها لمصالحها وعلاقاتها بمحيطها وليس بناءً على انتمائها المذهبي والإثني. بل سنجد أن تطور فِقهها المذهبي عينه كان تلبية لتلك الاعتبارات.
فلو أخذنا الدولة العثمانية، مثلاً، لوجدنا أن زمان ومكان نشأتها، وطبيعة التحديات التي واجهتها، قد حددت وظيفتها وأيديولوجيتها للقرون الأربعة الأولى من حياتها، على أقل تقدير. فزماناً، كان ذلك أواخر القرن الثالث عشر، إبان تصفية آخر معاقل الفرنجة (الصليبيين) في المشرق، فيما كانت غاراتهم البحرية لا تزال مستمرة على امتداد سواحل الشام والأناضول. أما المكان، فكان الضفة الجنوبية لمضيق البوسفور، مقابل القسطنطينية، العدو التاريخي للمشرق الإسلامي، التي كانت أيضاً معبراً لسائر الحملات الصليبية البرّية. وهكذا، كرَّست الأقدار وظيفتها كحارس للثغور الشمالية للمشرق. فبرزت إذّاك، بوصفها القوة الإسلامية الوحيدة التي أثبتت اقتدارها وكفاءتها الميدانية في مقارعة العدوانية الأوروبية المتصاعدة.
وكان سلاطين بني عثمان الأوائل على وعي تام بأهمية رسالتهم تلك، سواء لحفظ بقاء دولتهم وإغناء مواردها، أو لتعزيز مكانتهم المعنوية بين شعوب العالم الإسلامي؛ فحملوا جميعاً، وبفخر، لقب «الغازي»، الذي كان يزهو به كل «مجاهدي الثغور» على اختلاف مراتبهم. كما حرصوا على قيادة جيوشهم بأنفسهم في معظم معاركهم الكبرى. بل إن ثالثهم، مراد الأول، لقي حفته في أرض المعركة (كوسوفو 1389). وفيما كان الوجود الإسلامي في الأندلس مستمراً بالانحسار أمام الحملات الصليبية الإيبيرية، كان العثمانيون يتوغلون عميقاً في البلقان، فيُسقطون القسطنطينية وبلغراد وبودابست. ويحاصرون ڤيينا، ويخططون لغزو إيطاليا. بل أرسلوا أساطيلهم إلى سواحل الأندلس لنجدة غرناطة المحاصرة، وإنقاذ وإعادة توطين المطرودين من أهلها.
كذلك إن خصومتهم مع المماليك لم تمنعهم من الانضمام إليهم في حملة مشتركة لردع القرصنة البرتغالية ضد سفن المسلمين في المحيط الهندي. وبعد إسقاطهم المماليك، الذين فشلوا في تلك المهمة، تابعوا الصراع مع البرتغال على مدى نحو سبعة عقود أخرى، سواء بالاشتباك المباشر معهم، أو بتقديم الدعم العسكري للدول الإسلامية المطلة على المحيط الهندي: من القرن الأفريقي إلى الهند، بل حتى سومطرة (آتشيه) في أندونيسيا.
بمثل هذه المآثر، اكتسب العثمانيون الأوائل احترام العالم الإسلامي وثقته، فنجحوا في ضم العديد من أقاليمه إلى دولتهم دون قتال يُذكر مع أهاليها. وكان ذلك، في الغالب، إما تلبية لطلبات حكامها وأعيانها (كما في حالتي الجزائر والحجاز)، أو كمحررين من احتلال أو تبعية أجنبية (كما في ليبيا المحتلة من قِبَل فرسان مالطا أو تونس الحفصية الخاضعة للحماية الإسبانية)، أو مطيحين حكاماً أجانب غير مرغوب فيهم (كما سوريا المملوكية والعراق الصفوي)، أو في سياق صراعهم البحري مع البرتغال (كما في سواحل شبه الجزيرة العربية والسودان وإريتريا).
أما داخلياً، فلم تكن الدولة العثمانية لتميز بين أقاليمها أو مواطنيها على أساس العِرق، فيما كان تَمييزها بينهم على أساس الدين (النظام المِلّي) يقوم على احترام معتقداتهم وشرائعهم، فيمنح الطوائف نوعاً من الحكم الذاتي. وفي ظل ذلك النظام، ازدهرت الطوائف غير الإسلامية (خصوصاً الأرمن واليونان واليهود) نتيجة استئثارها بالتجارة الخارجية والصيرفة والوظائف الدبلوماسية الرفيعة. أما تحاملهم على العلويين والشيعة، فلم يكن ليتَّصف بالمنهجية، بل يمكن رده إلى عوامل ظرفية، مثل: صراعهم الجيوسياسي مع الصفويين، أو لفرض هيبة الدولة، سواء في جباية الضرائب والتجنيد، أو لقمع حركات التمرد (كما في حملة أحمد باشا الجزار على جبل عامل)، أكثر منه تعصباً لمذهبهم السنّي. فالاستقطاب المذهبي لم يكن قائماً وقتها بالحدة التي هي عليها في أيامنا.
شهدت العلاقات الصفوية الأوروبية طفرة حقيقية في عهد عباس الأول


فقبل انفجار صراعهم مع الصفويين، وما واكبه من ثورات لعلوييّ الأناضول، كان التصوف المولوي (السُنّي) الذي تبناه العثمانيون أقرب إلى العلوية البكتاشية منه، مثلاً، إلى التسنن الأيوبي أو المملوكي. بل إن حاجي بكتاش نفسه، مؤسس العلوية البكتاشية، لم يكن إلا تلميذاً لجلال الدين الرومي وأحمد اليسوي (السُنيّين)، وكان الرومي بدوره مُريداً وتوأماً روحياً للمتصوف (الشيعي) شمس الدين التبريزي. وكان هؤلاء جميعاً (عدا اليسوي طبعاً) يفخرون بكونهم تلاميذ الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي. بل إن العثمانيين الأوائل لم يجدوا بأساً في حصر مهمات الإرشاد والتربية الدينية والقضاء العسكري في جيشهم الانكشاري بالبكتاشيين. وهكذا، أصبحت البكتاشية العقيدة الفعلية للانكشارية، فازدانت رايتهم الحمراء برسم «ذو الفقار» وغيره من الرموز العلوية. كذلك يُروى أن السلطان محمد الثاني (الفاتح) أظهر ميلاً إلى الطريقة الحروفية النسيمية (نسبة إلى عماد الدين النسيمي)، وهي «شبهة» ستلاحق أيضاً السلطان المملوكي قانصوه الغوري.
وقد قاد ذلك التناغم والتداخل بين التصوف السُنّي والتشيّع العلوي في الأناضول بعض المستشرقين، كالألماني فرانز بابينغر، إلى الاعتقاد بأن العثمانيين الأوائل، ومن قبلهم سلاجقة الروم، إنما كانوا علويين. ويبدو أن ابن بطوطة وقع في هذا الالتباس أيضاً، ولكن على نحو معاكس؛ فعلى رغم ما عُرِف به من تحامل على الشيعة، ودأبه على تسميتهم «الروافض»، فهو لا يأتي على ذكرهم إطلاقاً في تسجيله لوقائع رحلته في الأناضول، في الثلاثينيات من القرن الرابع عشر. بل نجده يُثني، أيما ثناء، على فتيان «الآخيات» البكتاشية. وهو ما يشير إلى أنه لم يكن ليدرك هويتهم المذهبية، نظراً إلى حالة الوئام والسيولة المذهبية التي طبعت المجتمع التركي آنذاك.
ويُذكر أيضاً أنه عندما زار السلطان سليمان القانوني العتبات المقدسة بعد انتزاعه العراق من الصفويين، عام 1534، حرص على دخول كربلاء راجلاً، إظهاراً للتواضع والاحترام. وعندما وجدها تغرق بمياه الفيضان، أمر بشق قناة مائية لتصريف المياه بعيداً عنها، وريِّ بساتينها، وهي لا تزال قائمة حتى الآن (النهر السليماني أو الحسينية). كذلك أمر بإكمال كل أعمال البناء والترميم والتحسين التي كان قد بدأها الصفويون في العتبات قبل خسارتهم العراق. وقد جرى من أعقبه من السلاطين والولاة المحليين على سيرته في العناية اللائقة بالعتبات.
ويروي الشيخ كامل الغزّي (1853-1933) في كتابه «نهر الذهب في تاريخ حلب»، أن احتفالات عاشوراء كانت تقام في المدينة بحضور الوالي، وتُتلى فيها مرثية ابن معتوق الموسوي البصري، وتُصرف نفقاتها من الخزينة السلطانية الخاصة. وتؤكد مثل هذه الوقائع بوضوح أن العثمانيين كانوا من مُحبّي أهل البيت، لا من «النواصب». كما يشير التعاون بين ثورة الشيخ صالح العلي (1918-1921) ضد الاحتلال الفرنسي، والكماليين الأتراك، إلى أن علاقات علويي سوريا مع الأتراك ظلت إيجابية عموماً حتى أواخر الحكم العثماني. وأن أدلوجات شيطنة العثمانيين كانت نتاجاً للحقبة الاستعمارية، وخطابات الأنظمة القومية التي أعقبتها.
ولئن كانت الدولة العثمانية قد صاغت هويتها وإيديولوجيتها مقابل الآخر الأوروبي، فإننا نجد أن الدولة الصفوية صاغت هويتها انطلاقاً من عداوتها المريرة للدولة العثمانية، وبدرجة أقل، للشيبانيين الأوزبك ومُغال الهند. ولتجنب ابتلاعها أو اختراقها من هؤلاء الجيران، وكانوا جميعاً من السُنّة وذوي ثقافات تركية، ابتدع الشاه اسماعيل هوية جديدة لدولته العتيدة، تقوم على توليفة من الشعوبية الفارسية الكلاسيكية، وصيغة بالغة الغلوّ والاستفزاز من التشيّع الإمامي، عرفت في ما بعد بـ«التشيع الصفوي»، وعمل على فرضها بالقوة على سائر رعاياه.
كان التشيع الصفوي، كما يصفه علي شريعتي، مزيجاً من قشور وشكليات مشوَّهة من الإمامية الإثناعشرية، وسرديات ملفقة تنسب الصفويين إلى آل البيت، وتزعم أن الشاه إسماعيل مذكور في «القرآن»، وأن الإمام الرابع، علي زين العابدين (السجّاد) كان ثمرة زواج الإمام الحسين بالأميرة شاه زنان (أو شهربانو) ابنة يزدجرد الثاني آخر ملوك الساسانيين، وذلك لإضفاء طابع القداسة على القومية الفارسية. كذلك، ابتدع الصفويون عادات السبّ العلني للخلفاء الأوائل، أبي بكر وعمر وعثمان، وغيرهم من الصحابة، والمغالاة في اجترار مآسي ومظلوميات تاريخ الصراع السياسي والمذهبي في الإسلام، واتبعوا أكثر الأساليب وحشية واستفزازاً في فرض كل ذلك على رعيتهم. بل بلغ بهم الغلو الشعوبي حد الاحتفاء بأبي لؤلؤة، قاتل عمر بين الخطاب. ولم يكن كل ذلك حباً بآل البيت أو غيرة عليهم، بقدر ما كان يهدف إلى اختلاق فالق مذهبي ووجداني عميق بين الشيعة والسنة، بما يحصِّن رعيتهم من التأثر بالعثمانيين، ويشحذ عصبيتها في الصراع معهم، ويُسوِّغ التحالف مع الآخر الأوروبي ضدهم.
وقد حاول الشاه إسماعيل في وقت مبكر عقد تحالف مع جمهورية البندقية، الغريمة التقليدية للدولة العثمانية، لكن الأخيرة لم تستجب له بسبب انشغالها يومئذ بحروبها الأوروبية، ولأنها كانت تحاذر إغضاب العثمانيين أو إثارة مخاوف المماليك من إمكانية تحالف إسماعيل مع أعدائهم البرتغاليين. كذلك جرت مراسلات متعثرة بين إسماعيل وألفونسو دي البوكيرك، الحاكم البرتغالي للهند، لكنها لم تُفْضِ عملياً إلى أي نتائج ملموسة، بسبب توتر العلاقة بينهما جراء احتلال البرتغال لجزيرة هرمز. وفي 1523، جرت مراسلات أخرى بين إسماعيل وكلٍّ من كارل الخامس، عاهل إسبانيا والإمبراطورية الرومانية المقدسة، ولودفيغ الثاني ملك المجر، وذلك للتنسيق في شن هجوم مزدوج ومتزامن ضد الأتراك خلال ربيع العام التالي، لكن المنية عاجلت الشاه قبل أن يتحقق له ذلك.
وفي ما بعد، حاول خلفه، الشاه طهماسب (1524-1576)، استئناف الصلات الدبلوماسية مع أوروبا، فأرسل مبعوثين إلى كارل الخامس والبرتغال وقبرص. لكن المسافات الشاسعة التي كان عليهم أن يقطعوها للالتفاف حول مناطق سيطرة العثمانيين (براً عبر روسيا أو بحراً حول أفريقيا)، وما يحفُّ بها من محاذير وأخطار، حالت دون تطور تلك الصلات إلى المستوى المأمول. وفي 1529، بينما كان السلطان سليمان يتقدم نحو ڤيينا، طلب كارل الخامس من طهماسب مشاغلة العثمانيين من الشرق، واتفقا على شن هجومين متزامنين في العام التالي، لكن مبعوثه تأخر في الطريق إلى إيران لأكثر من عام، وعندما وصل، كان طهماسب قد أبرم هدنة مع العثمانيين للتفرغ لقتال الشيبانيين في خراسان. وفي 1532، بينما كان السلطان سليمان يتجه لإعادة فرض الحصار على ڤيينا، دبر طهماسب اغتيال حاكم بغداد الموالي للعثمانيين، واستمال حاكم بِتْلِز (بدليس) للتمرد على الدولة العثمانية. وهو ما فجر الحرب الصفوية ــــ العثمانية الثانية، التي استمرت حتى 1555. ومُذّاك، تكرر سيناريو تخادم الصفويين والهابسبورغ في مشاغلة الدولة العثمانية بفتح جبهة ثانية في كل مرة تنشب فيها الحرب مع أحدهما.
أما في عهد عباس الأول (1587-1629)، فشهدت العلاقات الصفوية ــــ الأوروبية طفرة حقيقية في مختلف المجالات. فأصبحت عاصمته الجديدة، أصفهان، مَحجَّاً لدبلوماسييها وتجارها ورحّالتها وبعثاتها التبشيرية. كما أصبح الميناء الجديد الذي أنشأه على مدخل الخليج الفارسي، بندر عباس، مقراً لمراكزها التجارية ومرسى لسفنها. كذلك أشرف عباس على عملية تطوير شاملة للجيش والصناعات الحربية بمساعدة المغامر الإنكليزي روبرت شيرلي.
عام 1593، في غمار ما يسمى «الحرب التركية الطويلة»، وفي سياق سعيه لتشكيل «الحلف المقدس» لطرد العثمانيين من أوروبا، أرسل البابا كليمنت الثامن موفداً إلى عباس يحثه على قتال العثمانيين. وقد أعلن قيام الحلف الذي موله البابا وضم الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وترانسلڤانيا، ووالشيا ومولدوڤا، في 1595. ومع أن عباس لم يكن طرفاً رسمياً في ذلك الحلف، المسيحي بطبيعته، اغتنم فرصة انشغال الدولة العثمانية في قتاله، ليزج بجيشه المُحَدَّث للتو، في حرب طويلة (1603-1618) ضدها، تمكن خلالها من استعادة كل الأقاليم التي كان قد خسرها سلفه في الحرب السابقة، بما في ذلك أذربيجان وجورجيا وأرمينيا، وضم البصرة وأراضي جديدة شمال القوقاز.
في 1622، بعد أكثر من قرن من الاحتلال البرتغالي، تمكن عباس من تحرير جزيرة هرمز، بالاشتراك مع الإنكليز الذين سرعان ما حلوا محل البرتغاليين في استعمار السواحل العربية للخليج، والحصول على مزايا حصرية في ساحله الصفوي، بما في ذلك منحهم ميناء جاسك لتصدير الحرير الإيراني واستيراد البضائع البريطانية. وكان ذلك بداية الوجود الاستعماري البريطاني هناك، والذي ما انفك يتعاظم على مدى بقية الحقبة الصفوية، ثم القاجارية، وصولاً إلى البهلوية.
لسنا هنا بصدد عرض شامل لتاريخ الدولتين الصفوية والعثمانية، ولا شيطنة هذا أو تقديس ذاك؛ فتاريخ الثانية، أيضاً، لا يَخلو من تحالفات وصفقات مُخزية مع الغرب، كانت تضطر إليها مع استمرار تردّي قواها العسكرية والمالية، أو مهادنةً للعدو البعيد (إنكلترا وفرنسا) للتركيز على العدو القريب (النمسا وروسيا). ولكن العينات التي تطرقنا إليها تظهر، في المجمل والأعم، أننا إزاء نموذجين لدولتين تصدرتا المشهد الإسلامي في القرون الأولى من العصر الحديث: عثماني ذو توجه أممي إسلامي، بمعنى أنه يسعى إلى توحيد شعوب «الأمة الإسلامية» تحت زعامته، بكسب ثقتها واحترامها عبر تبني قضاياها الكبرى، وقيادة مقاومتها ضد العدوانية الأوروبية، وآخر صفوي قومي نرجسي، بلبوس مذهبي صارخ، بالَغ فيه عمداً لافتعال قطيعة مع الأول، واستدامة العداوة معه، والتحالف ضده مع أعدائه الأوروبيين، فيما هو يتساكن ويتعايش مع الهيمنة الأوروبية على بعض من مجاله السيادي والجيوسياسي.
(يتبع)
* كاتب وباحث سوري