إنّ المجتمعات البشريّة استقبلت عبر العصور لاجئين هربوا من مجتمعاتهم الأصلية بسبب الخوف، والظلم، والقهر، يفتشون عن ملاذ آمن، أو عن لقمة عيشهم (سمّوا الغرباء في بعض المجتمعات التي نبذتهم، وحللت سرقتهم، وإقصاءهم، وقتلهم أحياناً)، لذلك فإن فكرة اللاجئين قديمة قدم الإنسانية. وفي عصرنا الحالي، لا يزال هذا المفهوم سائداً، بل أعطي مفهوماً خاصاً قانونياً، وذا بعد إنسانيّ نتيجة تطوّر البشريّة بقوانينها ومفاهيمها حتى أصبحت مشكلة اللاجئين من مشكلات البشريّة الكبرى، تُعالج على الصعيد الدوليّ، والأمم المتحدة.
إذ يوجد حالياً ملايين اللاجئين حول العالم الهاربين من الظلم والقهر والحروب، يواجهون تقصير المجتمع الدوليّ، وتقصير دولهم الضائعة بين الالتزام الإنسانيّ، والوقائع السياسيّة والميدانية على الأرض. هذه الإشكالية طرحت موضوع التضامن الدوليّ مع هؤلاء اللاجئين عن طريق إيجاد حلول لمشكلة اللاجئين الإنسانية بواسطة الدول أو المنظمات الدوليّة لبلورة معاهدات دولية تضمن حمايتهم وإعادتهم إلى دولهم.

من هم الشركاء في حماية اللاجئين؟

من حيث المبدأ، فإنّ حماية اللاجئين هي من واجبات الدول ومسؤولياتها أولاً وأخيراً، وخاصة الدول التي يرتبطون بها من خلال الجنسية، لكن مع تأسيس الأمم المتحدة 1945، قامت الجمعية العامة بتأسيس المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين، التي كانت مهمتها حماية اللاجئين، وإيجاد حلول دائمة لمشاكلهم. وقد اعتمدت هذه المفوضيّة في نشاطها على مجموعة من المعايير، والاتفاقيات، أهمّها الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، واتفاقيّات جنيف الأربع لعام 1949، وعلى القانون الدوليّ الإنسانيّ، واتفاقيّات دوليّة أخرى تهتمّ بحقوق اللاجئين وتأمين احتياجاتهم (توفّر المفوضية العليا المساعدة لحوالى 22 مليون شخص حول العالم من أصل 50 مليون لاجئ).
وقد سمحت الحكومات للمفوضية العليا للاجئين على أراضيها بأن تقدم العون والمساعدة للاجئين، إمّا عن طريق الدعم الدولي، أو دعم الدولة الخاص (اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والمحيط) هذا الواقع أدّى إلى دفع بعض الدول إلى السماح للاجئين بالإقامة الدائمة، ومنحهم الجنسيّة، وإيجاد فرص عمل لهم إذا لم يستطيعوا العودة إلى دولهم الأصلية.
أما النظام القانونيّ الذي ساند النظام الدوليّ لحماية اللاجئين، فقد شيّد من قبل الدول التي أكدت سعيها الدائم، وحرصها على حماية اللاجئين (لكونه مشكلة إنسانية كبرى) فوقّعت هذه الدول ودعمت اتفاقيّة جنيف 1951 المتعلقة بحماية اللاجئين. هذه الاتفاقيّة التي أعدّتها الدول برعاية الأمم المتحدة، عددت فيها حقوق اللاجئين ومسؤوليتهم، والتزامات الدول المتعاقدة. وفي أيلول 2001، كان عدد الدول المنضوية إلى هذه المعاهدة 141 دولة، وتسهم ما يقارب 57 دولة بوضع سياسات حماية اللاجئين ومساندتهم، وقد رأت هذه الاتفاقيّة الأساس القانونيّ الدوليّ للاجئين، فأعطت مفهوماً واضحاً للاجئين، ووضعت أسساً واضحة للتعاطي مع كل إنسان يُعطى صفة لاجئ، وخاصة في أوروبا قبل 1951.
لكن الأزمات الكبرى التي عانتها البشرية، وازدياد عدد اللاجئين في العالم بسبب الحروب والكوارث، دفع موقّعي هذه الاتفاقيّة إلى توسيع نطاق تطبيقها الزمنيّ والجغرافيّ، فجرى توقيع البروتوكول الإضافيّ 1967 المتعلق بوضع اللاجئين، وتعريفهم، وحقوق الدول والتزاماتها. كما أنّ هذه الاتفاقيّة كانت ملهمة أيضاً لعدد من الاتفاقيّات الإقليميّة، مثل اتفاقيّة منظمة الوحدة الأفريقية 1969، وإعلان كارتاخينا (carthagène) 1984 الخاص بلاجئي أميركا اللاتينية. ومن خلال الاتفاقيّة التي أعطت تعريفاً للاجئ، تبيّن بوضوح من هو اللاجئ، ونوع الحماية القانونية، وغير ذلك من المساعدات والحقوق الاجتماعية التي يجب أن يحصل عليها من الأطراف موقّعة هذه الوثيقة. هذا وتعرّف المادة الأولى من الاتفاقية بوضوح من هو اللاجئ: «إنه شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة، بسبب خوف له ما يبرره، من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القوميّة، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعيّة معيّنة، أو إلى أي رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرّض للاضطهاد».
لذلك، ومن خلال التعريف، هناك بعض اللاجئين الذين لا تنطبق عليهم صفة لاجئ حسب الاتفاقيّة، فلا يستفيدون من نصوصها، بل يحظون بحماية مؤقّتة، وبدعم من اللجنة العليا للاجئين (HCR) بانتظار أن يزول الخطر عنهم، ويُسمح لهم عادة بالإقامة حسب شروط البلد المُضيف أو بقرار إداري حكومي.
طبعاً، نستطيع القول إن هؤلاء اللاجئين، ولأن حكوماتهم لم تقم بحمايتهم، أو لم تستطع، فإنّ المجتمع الدوليّ يضطلع بهذا الدور من خلال الدول التي وقّعت اتفاقية 1951 والمفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة.
2ــ إضافة إلى ذلك، يجب القول إنّ الأشخاص العسكريين والمشاركين في الحرب لا يمكن النظر إليهم بوصفهم لاجئين، وكل الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم حرب، أو جرائم ضدّ الإنسانية، أو جرائم إبادة لا تشملهم هذه الاتفاقيّة.
ما هي التحدّيات التي تُطرح؟ إنّ حماية اللاجئين تطرح تحديات عديدة منها:
كيفيّة التصرّف المباشر في الحالات الطارئة.
كيفية حماية النساء والأطفال.
قضيّة المدنيين غير المشاركين في الحرب.
التمويل: إذ إن الحاجات أكبر من الإمكانات عادة.
من هنا اللجوء إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة في دعم قضايا اللاجئين في العالم ونصرتها. لذلك، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ العمل الإنساني مهما كبُر حجمه لا يمكن أن يكون بديلاً عن العمل السياسي في حلّ أزمات المستقبل واجتنابها.

حالة اللاجئين السوريين في لبنان

إنّ هذه المسألة بدأت تأخذ منحى خطيراً بالشكل الذي هي عليه، غير المنظم، وغير المحدد، الأمر الذي سيؤثر في كلّ الصعد الأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسيّة. مع العلم أنّ الاتفاقيّة المذكورة أعلاه تنصّ على تنظيم شؤونهم، والاهتمام بهم على صعيد محلي ودولي. ففي لبنان حالياً ما من إحصاءات دقيقة حول أعداد اللاجئين السوريين، لكنّ الثابت من خلال الأعداد الكبيرة أنّ الرقم تعدّى المليون ونصف المليون لاجئ سوري، وتقدّر المفوضيّة العليا للاجئين عدد المسجلين بـ700 الف نسمة، وعدد مماثل ينتظر التسجيل، يتوزّعون على الأراضي اللبنانية كافة (الميسورون منهم يستأجرون شققاً سكنية، وبعضهم الآخر عند الأقارب، والأغلبية من الفقراء الموزّعين على أماكن غير ملائمة على كل الصعد). هذا في وقت تنقسم فيه آراء القوى السياسية اللبنانية حول طريقة التعامل معهم. وهؤلاء اللاجئون، وإن كان بعضهم يدخل إلى لبنان دون حسيب أو رقيب، يتوزّعون على معظم الأراضي اللبنانية على نحو عشوائيّ في ظل أوضاع أمنية خطيرة، واقتصادية واجتماعية سيئة. فإن معظم هؤلاء يقعون ضمن تعريف اللاجئ كما نصّت عليه المادة الأولى من اتفاقية الأمم المتحدة 1951 الخاصة بوضع اللاجئين. وبالتالي، لا بدّ من تحديد أماكن إقامتهم، أو إقامة مخيّمات رسمية لهم من أجل تأمين المساعدات اللازمة لهم. لذلك، يجب على الدولة اللبنانية أن تتعاطى مع هذا الملف بجديّة أكثر، وبإنسانيّة أكبر من أجل الحفاظ على سيادتها، وعدم التخلّي عن دورها الوطني، والإنساني، ومن أجل استمالة المجتمع الدوليّ لزيادة مساعداته للاجئين السوريّين، ودعم الدولة اللبنانية في تحمل هذا العبء الكبير والخطير، وخاصة أنّ هذا الملفّ يترافق حاليّاً مع هواجس لدى اللبنانيين أمنية، واقتصاديّة، واجتماعيّة، تؤدّي أحياناً إلى تطبيق إجراءات أقلّ ما يقال عنها إنها مخالفة للقوانين الإنسانية، والدولية (كمنع السوريّين من التجوال في بعض المناطق، ردود فعل عنصرية، خوف من المتفجرات، حذر كبير من الآخر، دعارة، مخدرات، فقر، تسول إلخ...)
لذلك، من خلال هذه المعطيات، وبسبب أمد الصراع الذي يدوم منذ 3 سنوات، وبسبب عدم وجود مخارج سياسية للأزمة السورية، سيستمر القتل والعنف في سوريا، ويذهب المدنيّون ضحية ذلك، وسيزداد عدد اللاجئين إلى دول الجوار ومنها لبنان، فإن التداعيات ستكون كبيرة وخطيرة، وستؤدّي إلى انفجار اجتماعي سياسيّ ناتج عن سوء إدارة الملف للاجئين السوريّين.
من هنا، فإنّ الدولة مدعوّة إلى الاهتمام بهذا الملف، وخاصة أنّ الرئيس ميقاتي أكد من خلال تصاريحه أنّه يجب التمييز بين اللاجئ حسب اتفاقية 1951 وغير اللاجئ، بين اللاجئ والإرهابيّ، من خلال إقامة مخيمات لهم، والقيام بإحصائهم، والتحقق من أماكن الإقامة الخ... ومساعدة المفوضيّة العليا التي تقوم بتوفير بعض الغذاء، والمساعدة الطبية ضمن قيود وضعتها الحكومة اللبنانية.
وأخيراً، فإنّ المجتمع الدولي فشل في القضاء على أسباب ظاهرة اللجوء نتيجة استمرار الانتهاكات والاضطهاد، وتزايد الحروب التي تؤدّي بالهجرة القسرية لملايين البشر عبر العالم، كما أنّه بسبب مصالح ضيقة سياسية، واقتصاديّة، يجري تكريس أنظمة سياسيّة تدفع إلى موجات تشرد فرديّ وجماعيّ في الوقت عينه. فالبشريّة ليست بحاجة إلى مواقف إنسانيّة مؤقتة فقط، بل إلى مواقف سياسيّة كبرى تخفف من المشاكل والأزمات والهجرات، ويصبح اللجوء عندها ظاهرة من ظواهر الماضي.
* أستاذ جامعي