المشاركة الشعبيّة في الحكم هي من أبرز سمات الدولة الحديثة وما ارتقى إليه الإنسان عبر قرون طويلة من التطوّر الاجتماعي والسياسي. صاحَبَ هذا التطوّر تبدّل في مفهوم السيادة وانتقالها من الحاكم الفرد إلى المجموعة الشعبيّة، فأصبحت الإرادة الشعبيّة هي أساس السيادة في الدولة ومصدر الشرعيّة فيها.مع انتقال الحكم من سلطة الحاكم الفرد إلى السلطة الشعبيّة جرى تغيير أساسي في شكل الحكم ومقوّماته، وهو الانتقال من تراتبيّة سلاليّة، كانت عبر قرون طويلة أساس السلطة والاستقرار في الحكم، إلى علاقة تعاقديّة تطوّرت إلى ما بات يعرف بحكم القانون. وأصبح القانون هو السيّد الفعلي الذي يخضع لأحكامه حاكم ومحكوم.
هل يشارك اللبناني فعلاً في صناعة نظام الحكم للمجتمع الذي يتمنّى الانتماء إليه؟(مروان طحطح)

فعوضاً عن قواعد إلزاميّة أساسها ومصدرها الحاكم الفرد، أو مصادر غيبيّة يقوم صاحب السلطة، أو مأموروه بتفسيرها وتطبيقها بما يتلاءم ورغباته الشخصيّة، أصبحت القواعد الإلزاميّة تصدر في الدولة الحديثة بموجب إجراءاتٍ أساسها عقد اجتماعي يوصف بالدستور أو القانون الأساسي في الدولة.
وينصّ الدستور على إقامة سلطات متمايزة ومتكاملة (تشريعية وتنفيذيّة وقضائيّة) ويحدّد صلاحيّات كلّ منها، كما يؤكّد مبدأ الفصل في ما بينها، كي لا تستأثر في الحكم سلطة واحدة. وينصُّ كذلك على حقوق وحرّيات أساسية يعكس احترامها والتقيّد بها درجة رقيّ المجتمع ونضجه السياسي.
السلطة التشريعيّة، خصوصاً في الأنظمة البرلمانيّة، هي أمّ السلطات في الدولة التي اختارت وتعيش في ظلّ نظام ديموقراطي، وأقربها إلى الإرادة والمصلحة الشعبيّتين. وهي كذلك انعكاس لوعي الشعب وفعاليّة مشاركته في الحكم. فالسلطة التشريعيّة هي مصدر القوانين، ووسيلة هندسة اجتماعيّة. وهي، في لبنان مثلاً، من يختار رئيس الجمهوريّة ويزكّي رئيس الحكومة، وهي من يمنح الحكومة الثقة بعد الاطلاع على برنامج عملها، وهي من يمارس رقابة عامة على أعمال الحكومة للتأكّد من فعاليّة المؤسسات والتزام تطبيق القوانين.
فاختيار أعضاء السلطة التشريعيّة هو من أهمّ مسؤوليّات المواطن، ليس فقط بالنسبة للتعبير عن مشاركته الفعليّة في الحكم وعن ممارسته لحرّيته كمواطن، وإنّما وبالخصوص عن مدى وعيه ونضجه السياسي ورغبته في المشاركة لصنع المجتمع الذي يودّ الانتماء إليه والعيش فيه. فاختيارُه نوّابَه في السلطة التشريعيّة هو اختيارٌ لمهندسي المجتمع الذي يتوق للعيش فيه والوطن الذي يتمنّى الانتماء إليه.
هل يعي اللبناني هذه المسؤوليّة؟ وهل يشارك فعلاً في صناعة نظام الحكم للمجتمع الذي يتمنّى الانتماء إليه والعيش فيه، فيرقى بذلك فعلاً إلى كونه إنساناً حرّاً، أي شريكاً أساسيّاً في تقرير مصيره؟
الواقع أنّ الغالبيّة الساحقة من اللبنانيين لا تعي مسؤوليتها هذه ولا تشعر بأنّها تعيش في ظلّ نظام حكم تتمنّاه وترتاح إليه. والمرجّح كذلك أنّها لا تتمتّع بثقة بالنفس أو بالقدرة على المشاركة الفاعلة في تغيير النظام السياسي الذي تشكو منه.
سأتناول في ما يلي، وباقتضاب، بعض المعوّقات لمشاركة شعبيّة فاعلة في الحكم في لبنان، أي معوّقات النجاح في بناء مؤسّسات حكم تعكس مصلحة شعبيّة ومجتمعاً يوفّر لأبنائه الأمن والاستقرار والنموّ والقدرة على تفعيل طاقاتهم الإبداعيّة والإنتاجيّة.
في طليعة المعوّقات يبرز الجهل والتفكّك الاجتماعي، وكذلك انتشار آفة الفساد كمعوّق أساسي لبناء مؤسسات فعّالة لنظام ديموقراطي ومشاركة شعبيّة في الحكم. فالفساد السياسي الذي يعاني منه اللبنانيّون هو، في جوهره، قيام المسؤول المؤتمن على مصلحة عامة بتقديم مصلحته الخاصة عند تعارضهما، أي مخالفة مبدأ تجنّب تعارض المصالح.
فالجهل المخجل لماهيّة وأهمّية مؤسسات الحكم الديموقراطي وضرورة حمايتها وتفعيلها بدقّة، وذلك من أجل ضمان تماسك المجتمع وتحقيق المساواة في الحقوق والواجبات بين أبنائه، هذا الجهل لا يزال سائداً لدى الأكثريّة الساحقة من اللبنانيّين. كذلك جهل اللبنانيّين، نخباً ومواطنين عاديّين، لمساوئ الفساد والضرر الذي يلحقه بكلّ مؤسسة يطاولها أو جسم يصله. كلّ ذلك يلعب دوراً أساسيّاً في حالة التخلّف وأكاد أقول الاختناق السياسي الذي يعاني منه اللبنانيّون.
أوّل معالم النجاح في عمليّة الإصلاح هو وعي العلّة الواجب علاجها وما تفرزه من عقبات يجب التغلّب عليها. فلو نظرنا إلى المجتمع اللبناني بهدف معرفة العلل التي يعاني منها والمعوّقات الواجب التغلّب عليها، نرى مجتمعاً يعاني من تفكّك يقضي على مناعته وعلى الحدّ الأدنى من التماسك الوطني الذي هو المبرّر الأساس لقيامه كدولة مستقلّة. ونرى كذلك انتشاراً لآفة الفساد يكاد يقضي على فعاليّة مؤسسات الحكم الأساسيّة في الدولة واضعاً لبنان على مشارف الدول الفاشلة إن لم يكن في مصافها.
السبب الرئيس للتفكّك الاجتماعي هو تجذّر ثقافة طائفيّة يعزّز انتشارَها وتعميقَ جذورها نظامٌ سياسي يضمن نموّ الهويّات الفرعيّة المانعة من توحّد المجتمع، وبخاصة إزاء القضايا والأخطار الكبرى. تفكّك يذهب بمناعة المجتمع وقدرته على مواجهة التحدّيات، الداخليّة منها والخارجيّة. أمّا انتشار الفساد وتجذُّرُه فسببه غياب حكم القانون، نصّاً وتطبيقاً. وتعطيل مؤسسات الحكم الديموقراطي فيه، أي المشاركة الشعبيّة في الحكم.
فإلى أيّ مدى ينعكس تنبّه الناخب اللبناني لهذه العلل وهذه المعوّقات في الدوافع التي تكوّن خياره عندما يدلي بصوته في صندوق الاقتراع؟ هناك أدلّة قاطعة بأنّ الدوافع الأساسيّة للناخب اللبناني هي في الغالب الأعمّ تدفع به إلى اختيار القوى الضامنة لاستمرار حكم الإقطاع الطائفي وهيمنة قوى الفساد.
لا يجوز الجزم بأنّ المعرفة بفساد المسؤول ضمان لعدم إعادة انتخابه


الثقافة الاجتماعيّة السائدة، والنظام السياسي وكذلك قانون الانتخاب، كلّها تجعل من تعزيز نموّ الهويّات الفرعيّة، والانغلاق الطائفي مكوّنين مركزيّين لخيار الناخب عند الإدلاء بصوته. فإذا أمعنّا النظر في الأحزاب والحركات والتيّارات الأكثر نشاطاً في الحقل العام والأكثر تمثيلاً في الحكم، والتي تهيمن على الأكثريّة الساحقة من الناخبين، نجدها تشكّل العمود الفقري للنظام السياسي الحافظ لاستمراريّة الثقافة والممارسات الطائفية الضامنة لاستمرار تفكّك المجتمع وتأخير نضوج حكم ديموقراطي وبناء مؤسسات فاعلة لضمان الحقوق والحرّيات لجميع المواطنين.
لذلك يحقّ لنا أن نسأل: ما عدد أعضاء الأحزاب والتيّارات والحركات القابضة على نواصي الحكم الذين يمكن اعتبارهم أعضاء عابرين للطوائف في انتمائهم الحزبي ونشاطهم السياسي؟ وأين هي برامج هذه الأحزاب والتيّارات والحركات التي تهدف إلى تغيير فعلي للنظام الطائفي المانع من تماسك المجتمع والذاهب بمناعته حيال ما يواجه من تحدّيات؟ وأين هي إنجازات هذه الأحزاب والتيّارات والحركات في إزالة معوّقات التطوّر نحو إقامة مؤسسات حكم فاعلة تضمن وحدة المجتمع وأمنه واستقراره؟
أودّ الآن التركيز على العلّة الأكثر خطراً والمعوّق الأكثر تأثيراً في منع بناء مؤسسات الدولة الضامنة لحقوق ومصالح شعبها ألا وهي آفة الفساد.
الفساد السياسي ليس فقط انحرافاً عن طاعة القوانين واغتراباً عن قواعد أخلاقيّة - عقلانيّة ومبادئ أساسيّة في الدولة الحديثة، إذ إنّه يتجلّى أكثر ما يتجلّى في تلاعب السلطات الحاكمة بصياغة القوانين وبكيفيّة تطبيقها، وكذلك بعمل مؤسسات الدولة، جاهلين أو متجاهلين احترام مبدأ تجنّب تعارض المصالح. ولعلّ السبب الرئيس لانتشار الفساد في لبنان، هو غياب حكم القانون وثقافة حكم القانون على الصعيدين الرسمي والشعبي، خصوصاً فاعليّة القواعد القانونيّة الواجبة التطبيق في مساءلة الحاكم وتقييم عمله.
فحكم القانون هو انعكاس للنضج السياسي في المجتمع وتعبير عن إرادة الشعب في الحكم الذاتي، وهو يسود في الدول التي بلغت مرحلة متقدّمة من تنمية القيم والمؤسسات الديموقراطيّة والمشاركة الشعبيّة في الحكم. فحكم القانون، بما يحتوي من قيم وأهداف، هو انعكاس للإرادة الشعبيّة ورمز سيادتها، وهو الحاكم الفعلي في الدولة التي اختارت نظاماً ديموقراطيّاً.
غياب حكم القانون، لا بل جهل المسؤولين والنخب المثقّفة لأهمّية حكم القانون، كمعبّر عن الإرادة الشعبيّة وحافظ للحقوق والواجبات في المجتمع، هو برأيي من أهمّ معوّقات التطوّر في لبنان، كما في محيطه العربي. فالقانون نصّاً وتطبيقاً، هو وسيلة هندسة اجتماعيّة، وهو الطريق الأفعل والأسلم والأرقى لكلّ تغيير في المجتمع. والقانون هو وسيلة توضيح وتعديل في العلاقة بين المواطن والدولة، وبين المواطنين في ما بينهم. وهو وسيلة إنشاء المؤسسات، وتطبيقه بدقّة هو ضمان فعاليّتها. وهو كذلك الضامن الفعلي لحقوق المواطنين ونموّهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
والجهل بأهمّية القانون، وغياب ثقافة حكم القانون في لبنان، هما من موانع إقامة عقد اجتماعي فاعل في دولة يكون هو الرابط القيمي فيها، والجاذب الأساس في الانتماء الوطني، والمانع من نموّ هويّات وانتماءات فرعيّة تعمل على تمزيق النسيج الاجتماعي -كما نشاهد ونعيش- كما تحقّق أهداف من لا يريد سلاماً أوّ تقدّماً في لبنان.
ولعلّ الملاحظة الأهمّ الواجب التوقّف عندها، عندما نفكّر في بناء دولة ذات ركائز صلبة، تكمن في ديناميكيّة العلاقة بين الفساد وحكم القانون، علاقة تفرض صراعاً وجوديّاً بين الاثنين. فالفساد يمنع تبنّي قوانين تحدّ من مضاره، ويعمل على تعطيل المؤسسات المولجة بالتطبيق الفعّال للقوانين. وترسيخ ثقافة حكم القانون وتطبيق القانون بفعاليّة، هما أضمن الوسائل للقضاء على الفساد. وفضلاً عن دوره في إضعاف أو تغييب حكم القانون، يشكّل الفساد مانعاً أساسيّاً من بناء حكم ديموقراطي. فالشفافيّة والمساءلة والانفتاح التي هي من أهمّ مقوّمات الحكم الديموقراطي، أيّ المشاركة الشعبيّة في الحكم، هي كذلك عناصر أساسيّة في نجاح محاربة الفساد.
وللفساد السياسي تأثير سلبي جدّاً في العلاقة بين الحاكم والمحكوم وفي تدنّي الثقة بمؤسسات الدولة والقيّمين على الحكم فيها. كما أنّ انتشار الفساد في المجتمع يحدّ من حماسة المواطنين ويبعدهم عن الاشتراك في تفعيل مؤسسات الحكم وعن المشاركة الفاعلة في العمليّات الانتخابيّة. وهو كذلك يعزّز العلاقة الزبائنيّة بين المرشّح والناخب.
وفي المجتمع الذي يعمّ فيه الفساد وتتدنّى ثقة المواطن بمؤسسات الدولة ونظامها السياسي، تعتري صورة الأحزاب والمنظّمات السياسيّة (أي أدوات التغيير الأساسيّة) ضبابيّة بسبب سواد الاعتقاد بأنّ جميع السياسيّين فاسدون. ففي هذا المناخ يتحوّل اهتمام الناخب للمرشّح الذي يعتبره الأفضل بالنسبة للمعايير والأولويّات التي تشكّل لديه الدوافع الأهم للاقتراع، فتصبح الدوافع مرتبطة بمصالح شخصيّة مع أفراد وليس بمؤسسات، وتتعزّز مزيداً العلاقة الزبائنيّة بين الناخب والمرشّح. وفي المجتمعات التي يعمّ فيها الفساد السياسي يتمسّك شاغل المنصب بمنصبه بسبب سيطرته على موارد ماليّة يستغلّها في تعزيز العلاقة الزبائنيّة مع بعض القوى الناخبة حتّى لو كان مثل هذا السلوك يعاقب عليه القانون.
فإزاء أخطار الفساد هذه على وحدة المجتمع وعلى تفعيل طاقاته وتسهيل مسار تطوّره، ما هي احتمالات النجاح في مكافحة الفساد؟
النجاح في مكافحة الفساد هو رهن نضوج وتفعيل مؤسسات الحكم الديموقراطي، خصوصاً مؤسسات الرقابة والمحاسبة، التي تحدّ من القدرة على استغلال الوظيفة العامّة لجمع الثروة وتوسيع النفوذ، كما تحدّ من السلوك غير الشرعي بعامة. فتطبيق مبدأ فصل السلطات بدقّة يعزّز الشفافيّة في الممارسة السياسيّة وتوافر المعلومات عن ممارسة كافة السلطات في الدولة. والشفافيّة تسهّل نشر المعلومات عن الفساد والمطالبة بالمحاسبة، فتصبح دوافع الملاحقة والمحاسبة أكثر إلحاحاً، ويتحوّل الفساد بالنسبة للفاعل من خطر ضئيل إلى خطر جسيم.
هناك دراسات عدّة، وفي مجتمعات مختلفة، تثبت أنّ المجتمعات الناضجة سياسيّاً تعاقب المسؤول الفاسد وتبعده من السلطة، وترى أنّ المحاسبة السياسيّة نافعة وضروريّة لأنّها تقرّب المسافة بين الحاكم والمحكوم، فيصبح الحكم بالفعل تعبيراً عن إرادة ومصلحة شعبيّتين. وهي تولي الانتخابات اهتماماً خاصاً وتعتبرها ممارسة فعليّة للمشاركة الشعبيّة في الحكم. كما أنّ هناك دراساتٍ وابحاثاً عدّة تثبت أنّ انتشار الفساد في الديموقراطيّات الناضجة هو أدنى بكثير منه في مجتمعات لم تبلغ بعد حدّاً متطوراً من ترسيخ الحكم الديموقراطي والوعي للقيم التي تبرّر وجود مؤسساته.
لكن لا يجوز الجزم أنّ المعرفة بفساد المسؤول ضمان لعدم إعادة انتخابه وإبعاده من السلطة. فجهل الناخب لأخطار الفساد عامة، إضافة إلى العلاقات الاجتماعيّة والثقافات السائدة في المجتمع لها جميعها التأثير الأكبر في إيصال المرشحّين الفاسدين إلى سدّة الحكم. خصوصاً عندما يكون المرشّح قد نجح في جعل بعض الناخبين، أو جعل من له سيطرة على أصواتهم، شركاء له في ريع فساده. ويتكرّر ذلك عندما لا يكون الناخب قد بلغ حدّاً أدنى من النضج السياسي ووعي القيم والأهداف والوظائف الأساسيّة لمؤسسات الحكم الرشيد في الحفاظ على مصالحه ومصالح مجتمعه بعامة.
يعاني لبنان من علل عدّة وعلى رأسها تفكّك اجتماعي وفساد هو العلّة الأساس في عدم فاعليّة مؤسسات الحكم فيه. فما هي بوادر العمل من أجل الانتقال إلى نظام حكم، ووطن يشعر فيه المواطن أنّه مشارك أساسي في تقرير مصيره؟
للأسف ليس من بوادر جهود تَعِدُ بالنجاح في علاج هذه العلل. فالنخب اللبنانيّة والمؤسسات التي يفترض بها أن تكون أدوات التغيير الأساسيّة، هي إمّا في حالة غيبوبة أو تعاني من عجز مزمن عن الإتيان بالخطط والبرامج الأكثر ملاءمة للعلاج.
وبما أنّ ردود فعل المجتمعات الحيّة حيال التحديّات الكبرى وما يواجه المجتمع من صعوبات وأخطار، تنعكس عملاً منظّماً وفاعلاً للنجاح في مواجهة التحديّات في التغلّب على الصعوبات والأخطار، فمن المحزن القول، إنّنا لا نرى في لبنان دليلاً على أيّ نشاط مجد في هذا الاتجاه، والسبب الأساس في ذلك هو غياب الثقة بالنفس، والشعور بالمسؤوليّة عن تغيير الواقع، خصوصاً غياب الربط بين الجهد والنتيجة في كل ما يبذل من جهد وما يرجى من نتائج في إصلاح ما يجب إصلاحه.
فمن الواضح أنّ قوى التغيير التي تحمل شعار الدفاع عن مصالح الوطن والمواطن، والتي عليها العمل على تفعيل مؤسسات الحكم بما يضمن مشاركة شعبيّة فاعلة، هي في حالة عجز مخجل عن التغلّب على القوى ذات المصلحة في استمرار التفكك الاجتماعي وتفشي الفساد وفي تعطيل مؤسسات الحكم وتعطيل مشاركة شعبيّة فاعلة فيه.
الإصلاح ممكن وضروري ولكنّ الجهد اللّازم من أجل ذلك هو رهن وعي وإرادة وعزم النخب اللبنانية بالدرجة الأولى.

*أستاذ محاضر في القانون في جامعة جورجتاون في واشنطن