من التبسيط المخلّ مقاربة قضية المفكر السويسري من أصل مصري طارق رمضان (الذي يواجه ثلاث دعاوى بتهم اغتصاب أمام القضاء الفرنسي) من الزاوية القضائية البحت، ذلك لما تتضمنه القضية من عناصر وأطراف غير قضائية لا تتعلق بشخص طارق رمضان كمتّهم بقدر ما تتعلق بما يمثله من ظاهرة أو حالة فكرية في صراع شبه متواصل مع الإعلام الفرنسي، وبالأخص مع شخصيات تنتمي للنخبة الثقافية والسياسة المحسوبة على اللوبي الصهيوني الفرنسي، من المهم بمكان الإضاءة عليها للإحاطة بهذه القضية من جوانب مسكوت عنها في الإعلام الغربي.من هنا، ليس هدف هذا المقال مناقشة النظريات أو المواقف السياسية لطارق رمضان، والتي يمكن الاختلاف أو الاتفاق معها، ولا ما إذا كان رمضان مذنباً أم بريئاً في ما يخص التهم الموجّهة إليه، إنّما الغرض عرض مشهدية تدور رحاها منذ سنوات في فرنسا، ليست هذه الدعوى القضائية إلا فصلاً من فصولها إذ إنها تخطّت، ومنذ انطلاقها، الإطار القضائي البحت لتغذّي الجدلية القائمة وتخدم أهدافاً سياسية وإعلامية ما برح اللوبي الصهيوني الفرنسي يعمل على تحقيقها.
سنة 2014 وجّهت منظمة غير حكومية تدعى «وجه إسرائيل» (ذا فيس أوف إيزرائل) دعوة لشخصيات فرنسية يمينية لزيارة الكيان الصهيوني في إطار «التقارب مع إسرائيل والاستفادة من تجربة هذا البلد الجاذب والمتميّز ديمغرافياً واجتماعياً واقتصادياً» حسب موقع مجلة «لا تريبيون جويف» (المنبر اليهودي). الزيارة تخللتها جولة على الكنيست وبعض المستوطنات اليهودية ولقاء مع مسؤول كبير في الجيش الصهيوني يدعى دان كاتاريفاس! كان من بين هذه الشخصيات الفرنسي جوناس حداد، محامي الدفاع الأول عن هندا عياري المدّعية الأولى في قضية تهمة الاغتصاب الموجّهة لطارق رمضان (شهر تشرين أول 2017)، قبل أن يتم استبداله منذ حوالى ثلاثة أسابيع بالمحامي فرانسيس سزبينر المقرّب من مجموعة «كريف» (المجلس التمثيلي للجمعيات اليهودية في فرنسا) والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي. ليس هذا بالحدث العابر، إذ إن كلاً من حداد وسزبينر هما من الشخصيات المقرّبة من الدوائر الصهيونية الفرنسية النافذة التي يمكن وصفها باللوبي الصهيوني، أي السياسيون والمفكرون والصحافيون والمؤسسات الثقافية والإعلامية ودور النشر... الذين يساهمون مباشرة أو غير مباشرة في الترويج للمصالح الصهيونية وتبرير سياسات وجرائم الكيان الصهيوني والسياسات الأميركية بشكل عام.
قبل تناول المشهد الحالي وتوضيح مفرداته إن كان من ناحية البعد القضائي وما يحيط به من جدل (عقب توقيف رمضان ووضعه في الحجز المؤقت في أوائل شهر شباط الماضي) دفع أكثر من ثلاثين شخصية من مفكرين وكتّاب فرنسيين ودوليين مثل ألان غريش، جون إسبوسيتو، أو المناضلة النسائية كريستين دلفي وغيرهم لتوقيع عريضة نُشرت على موقع ميديابارت في الواحد والعشرين من الشهر ذاته تطالب القضاء الفرنسي بمعاملة طارق رمضان «معاملة عادلة وغير متحيّزة»، أم من ناحية الحملة الإعلامية الشرسة المرافقة للقضية والتباين الفاقع مع قضايا مماثلة (حسب وصف المفكر الفرنسي ألان غابون)، من المفيد بمكان ولفهم أعمق لما يحصل حالياً، استعراض طبيعة وحيثيات المواجهة القائمة منذ وقت طويل بين المنظومة السياسية - الثقافية - الإعلامية التي تضم الكثير من الشخصيات الصهيونية من جهة، والحالة الفكرية التي يمثل طارق رمضان أحد تجلياتها.
من التبسيط المخلّ مقاربة قضية رمضان من الزاوية القضائية البحت


على مدى سنوات مضت، حاول العديد من مفكرين وسياسيين وإعلاميين صهاينة على وجه التحديد مواجهة خطاب طارق رمضان إعلامياً، ذلك من خلال وصفه بنعوت كالغموض والازدواجية والغوغائية ومعاداة السامية والعمل على أسلمة فرنسا وأوروبا، عدا عن التذكير الدائم بكونه حفيد حسن البنّا (مؤسس حركة الإخوان المسلمين) وحصر شخصيته ببعدها «الإسلاموي» المنفّر تلقائياً للمجتمعات الغربية (تساعدها في ذلك موجة الإسلاموفوبيا التي تجتاح أوروبا والعالم منذ سنوات) ترمي لتشويه صورته والمسّ بمصداقيته الفكرية لدى جمهوره، سعياً لإبعاد هذا الأخير عنه وخلق الشكوك في أذهان المتأثرين بأفكاره تنتهي بإقصائه ونبذه نهائياً. فلماذا هذا الاستهداف؟
إن التهديد الذي تشكله الحالة الفكرية التي يعبّر عنها رمضان بالنسبة للوبي الصهيوني الفرنسي بشكل خاص، وللحركة العنصرية الفرنسية بشكل عام، يتمثل في المساحة التي يشغلها هذا الرجل لدى مسلمي فرنسا وقدرته على استقطاب جمهور كبير والتأثير فيه لا سيما في ما يتعلق بعدد من القضايا أهمها المواقف الداعمة للقضية الفلسطينية والمناهضة «لإسرائيل» وممارساتها الإجرامية على الشعب الفلسطيني. ثانياً، في القدرة على خلق حالة جماهيرية بين مسلمي فرنسا تفكر خارج الأطر التي ترسمها النخبة الحاكمة والتي تروج لها الماكينة الإعلامية في كل ما يتعلق بحقوق المواطنين والعدالة الاجتماعية والمساواة، الأمر الذي يمكن أن يؤسس لطبقة اجتماعية من المواطنين المسلمين مسيّسة وواعية بحقوقها، لا سيما أن الكثير من كتابات وخطابات طارق رمضان شديدة النقد للسياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة الفرنسية تجاه مواطنيها المسلمين و/أو ذوي الأصول الأفريقية. ثالثاً، في مواجهة الخطاب المناهض للإسلام: فغالباً ما يجد الجمهور الفرنسي المسلم والعربي نفسه مغبوناً في النقاش العام حول الإسلام وقضاياه إن كان لجهة غياب شخصيات مسلمة و/ أو عربية وازنة فكرياً وثقافياً في المشهد الإعلامي الفرنسي أو من حيث إبراز هذا الإعلام لشخصيات تقدّم على أنها تمثل مواطني فرنسا المسلمين لكنها ركيكة وهزيلة فكرياً (ومنها من لا يتقن اللغة الفرنسية جيداً) غالباً ما تتهاوى في أول مواجهة كلامية أو نقاش مع الشخصيات ذات التوجهات الصهيونية.
طارق رمضان من بين قلائل يتقنون تفاصيل المواجهة والنقاش الفكري ويتمتعون بالقدرة اللغوية العالية والقدرة على الرد بالشكل المناسب على الخطاب الإعلامي الذي يصف المسلمين بالتطرّف والتخلّف وعدم إرادة الاندماج في المجتمع الفرنسي، أو في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي تشكل موضوع تجاذب حادّ ودائم في فرنسا، حيث، وبشكل منهجي وتلقائي، يتم إبراز «إسرائيل» كضحية، والفلسطيني أو العربي كمعتدٍ.
ازدادت حدة المواجهة مع رمضان وانعكست في تصريحات ومقالات متكررة لشخصيات صهيونية استعادت المفردات القديمة التي عادة ما توجّه لرمضان كمعاداة السامية والعمل على «أسلمة» فرنسا وأوروبا...، عندما بدأ طارق رمضان حوارات فكرية مع مفكرين وصحافيين فرنسيين كبار كعالم الاجتماع إدغار موران (الذي شاركه في كتابة كتاب يتناول قضايا اجتماعية وسياسية) والكاتب ألان غريش، والصحافي إدوي بلينيل، وأوروبيين كالمفكر البلجيكي ميشال كولون، تشاركوا معه في عدّة ندوات وحلقات حوارية تناولت قضايا وتحديات المرحلة. عندها بدأت سمعة طارق رمضان تكسر إطار النمطية «الإسلاموية» التي وضعه فيها الإعلام الفرنسي، لا سيما عندما بدأ الرجل بخطاب جيوسياسي يستنكر السياسات الخارجية لفرنسا في ما يتعلق بأفريقيا والبلاد العربية ويلفت انتباه الجمهور الفرنسي وخاصة المسلمين والجالية العربية إلى أن غالبية المناهضين للإسلام وللعرب هم صهاينة متشابكو المصالح وذوو تواصل وتنسيق عالميين من خلال دور النشر والمؤسسات الثقافية والإعلامية العالمية بل وبكثير من الأحيان بإشراف من جهاز الاستخبارات الصهيوني «الموساد» من خلال عملائه كبرنار هنري ليفي (الذي يصفه طارق رمضان «بالعميل الثقافي للموساد»).
لا شك في أن أي خطاب مماثل لأي شخصية غير طارق رمضان يمكنه أن يخلق حالة وعي لدى المواطنين المسلمين في المجال الاجتماعي والسياسي وحتى الجيوسياسي، لكن الفرق أن لطارق رمضان تأثيراً وكاريزما (حتى باعتراف مناهضيه) عدا عن رصيده الأكاديمي، يشكلان فارقاً يمنحه أفضلية لدى الجمهور الفرنسي المسلم و/أو الجالية العربية. من هنا فإن أي متضرر من تأثير طارق رمضان ووقع خطابه على الجيل الشاب الفرنسي المسلم قد يسعى للحد من هذا التأثير والوعي الذي يتبع ذلك.

أهم الشخصيات الفرنسية ذات التوجهات الصهيونية
إلى جانب التيار العنصري الفرنسي والمتمثّل بحزب الجبهة الوطنية (لو فرون ناسيونال)، فإن الأغلبية الساحقة من المناهضين للحالة الفكرية التي يمثلها طارق رمضان هي كما ذكرنا آنفاً شخصيات محسوبة على الدوائر الصهيونية وتدين بالولاء للكيان الصهيوني. يتجلى ذلك الأمر في كل مرة يشن فيها الجيش الصهيوني حرباً على الشعب الفلسطيني أو اللبناني أو حين تستعر المواجهات في الأراضي الفلسطينية المحتلة بوجه جيش الاحتلال الصهيوني. كذلك في كل مرة يحتدم النقاش في الداخل الفرنسي حول أمور تتعلّق بالمسلمين وحريتهم بممارسة معتقداتهم لا سيما قضية حجاب المرأة المسلمة، حيث يُطلق النفير الإعلامي ويتزاحم هؤلاء على المنابر لتبرير جرائم الجيش الصهيوني أو وصم المسلمين والإسلام كمعضلة العصر التي يواجهها المجتمع الفرنسي (كما لو أن المواطنين المسلمين أو من أصول عربية أو أفريقية ليسوا جزءاً من هذا المجتمع).
من أهم هؤلاء برنار هنري ليفي، ألان فينكلكروت، إيريك زمور، مانويل فالس، فريديريك هازيزا، باسكال بروكنر، ألكسندر أدلير، ميشال كوتا، فرانز أوليفييه جيزبير، فيليب فال، فريديريك أنسل، كارولين فوريست، جان بيير ألكاباش وغيرهم. أغلبيتهم كتّاب و/أو صحافيون و/أو أصحاب شركات إنتاج إعلامي يمثّلون خط الدفاع الأول للأيديولوجية الصهيونية. الشبكة العنكبوتية تتيح الولوج لمعظم كتاباتهم وإنتاجاتهم الفكرية ومواقفهم من حروب «إسرائيل» ومن الإسلام والمسلمين. كما يمكن التحقق من العداء الذي يكنّه هؤلاء لطارق رمضان وما يمثله من حالة فكرية، لتتبيّن العلاقة العضوية بين العداء الذي يكنّه هؤلاء لرمضان وانتمائهم للصهيونية.
وفي ما يتعلق بالقضية المرفوعة ضد طارق رمضان، فبالتوازي مع الهجمة الإعلامية المنتشية، نجد أن الأغلبية الساحقة ممن تجنّد للدفاع الإعلامي عن الفتاتين الأوليين المدّعيتين على رمضان، وذلك قبل أن تبدأ التحقيقات وقبل أن يصدر أي حكم (لم يصدر بعد)، هم من خلفية صهيونية. على سبيل المثال لا الحصر:
نجد مانويل فالس، رئيس الوزراء السابق، المعروف بولائه المعلن «لإسرائيل» والذي لا يجد حرجاً كسياسي فرنسي بالتصريح علناً أنه «مرتبط أبدياً بالجالية اليهودية وبإسرائيل» (يمكن مشاهدة المقابلة على الإنترنت) والذي على مدى السنوات الماضية ما برح يجهد لتحطيم سمعة رمضان ويتهمه بمعاداة السامية (دون تقديم أي إثبات أو إدانة قضائية لرمضان بمعاداة السامية) والذي بمجرّد انطلاق قضية تهمة الاغتصاب التي طالت هذا الأخير أخذ موقفاً مؤيداً للفتاتين اللتين رفعتا الدعوى، دون حتى انتظار نتائج التحقيقات القضائية أو حتى إصدار حكم، وأخذ يروّج لإدانة رمضان. هو ذاته مانويل فالس الذي انبرى للدفاع عن دومينيك ستروس خان سنة 2011 (في قضية اغتصاب عاملة فندق السوفيتل في نيويورك) وعن حقه بمبدأ البراءة إلى أن تثبت التهمة عليه. وهو أيضاً الذي وصف وقتها الخطاب الإعلامي بالهراء واللامسؤول لمجرّد تناول وسائل الإعلام الفرنسية تفاصيل كان يبثها الإعلام الأميركي عن القضية في ذلك الحين.
نجد أيضاً الكاتبة والصحافية كارولين فورست المقربة من الصهيوني برنار هنري ليفي والتي انبرت منذ بداية هذه القضية للترويج إعلامياً لروايات الفتاتين اللتين رفعتا الدعوى ووصفهما كضحايا يجب التعاطف معهما (بالرغم من أن القضاء لم يثبت أو ينفي أياً من هذه الروايات). وهي التي تسخّر عملها ومداخلاتها الإعلامية منذ زمن لمهاجمة طارق رمضان، والتي تلقى كتبها ترحيباً وترويجاً هائلين لدى الشخصيات الصهيونية وفي وسائل الإعلام الفرنسية لا سيما عند نشرها كتاباً عن طارق رمضان («أخ طارق») حيث زعمت أنه يتضمّن دلائل على ازدواجية وغموض طارق رمضان. الكتاب لاقى دعماً كبيراً في الإعلام الفرنسي وبالأخص من برنار هنري ليفي الذي روّج له في مقابلات وافتتاحيات عدّة. بيد أنه تعرّض لانتقادات لاذعة من خارج دائرة المروّجين الصهاينة المعتمدين، لما يتضمّنه الكتاب من افتراضات ومقاربات غير موضوعية.
كذلك نجد المدعو جان كلود الفاسي، صحافي فرنسي حامل للجنسية «الإسرائيلية» والذي منذ بداية القضية كتب عدّة مقالات مناهضة لطارق رمضان في مجلة الأكسبرس الفرنسية ونشر نداءات (على الإنترنت) للبحث عن فتيات قد تكنّ «ضحايا لطارق رمضان» (حسب قوله) وهو مقرب من مانويل فالس حيث يرافقه في زيارات للكيان الصهيوني. والجدير بالذكر أن مجلة الأكسبرس هي واحدة من أكبر المجلات الفرنسية التي يملكها الفرنسي باتريك دراهي (الحامل للجنسية «الإسرائيلية») الذي يتربع على عرش إمبراطورية إعلامية من بينها القناة التلفزيونية «الإسرائيلية» إي24، وجريدة ليبراسيون الفرنسية وراديو «أر إم سي» وتلفزيون «بي أف أم تي في» وغيرها لا سعة لذكرها جميعاً... كلّها وسائل إعلامية تنتج وتروّج لخطاب متجانس مع مصلحة الكيان الصهيوني، وللكثير من الاسلاموفوبيا المغلّفة في الداخل الفرنسي. هي ذاتها هذه الوسائل مجنّدة منذ سنوات لمناهضة طارق رمضان وخطابه. للتحقق من ذلك يمكن إجراء بحث بسيط على الشبكة العنكبوتية من خلال إدخال اسم أي من هذه الوسائل إلى جانب كلمة «إسرائيل» أو كلمة «فلسطين/ فلسطيني» أو كلمة «إسلام/ مسلمين» أو كلمة «حجاب» أو اسم «طارق رمضان».

الزوايا الرمادية في الملف القضائي
في ما يتعلق بالملف القضائي البحت، نجد أن عدداًَ من الوقائع يثير التساؤلات حول تعاطي القضاء مع قضية طارق رمضان، بعضها تُرجم تساؤلات لدى محامين فرنسيين كبار وشكوك لدى فئة كبيرة من الجمهور لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي التي بدأت تتساءل عن نزاهة القضاء الفرنسي:
ـــ أولى تلك الوقائع، كما نشرت جريدة «لوباريزيان» الفرنسية في الخامس من شباط الماضي، تتمحور حول اختفاء، من ثم إهمال، دليل (مستند سفر) بعد أن سلّمه محامو الدفاع للقضاء يدحض رواية إحدى المدعيات ويضعها محل شك بل ويمكن أن يثبت عدم تواجد طارق رمضان في مدينة ليون الفرنسية في الوقت الذي ادّعت فيه المدّعية ذات الاسم المستعار «كريستيل» حصول فعل الاغتصاب، ما من شأنه أن يؤدي لإسقاط هذه الرواية قضائياً.
ـــ لقاء حصل عام 2009 (أي قبل ثماني سنوات من رفع أول دعوى قضائية على طارق رمضان) كما أتى في مقال نشره موقع جريدة «لو جورنال دو ديمانش» الفرنسية في السادس من شباط الماضي، جمع المسماة «كريستيل» وكارولين فوريست (ألد أعداء طارق رمضان) والقاضي ميشال ديباك الذي يقول إنه أخذ علماً من «كريستيل» منذ عام 2009 بما تزعم أنه فعل اغتصاب، ولكن القاضي لم يبلّغ القضاء فور معرفته بفعل الاغتصاب المزعوم كما يتوجب عليه بحسب القانون كونه موظف دولة (حتى لو لم يكن متأكداً من حصول فعل الاغتصاب). ديباك هو الآن واحد من القضاة الثلاثة المشرفين على القضية حالياً.
ـــ نشر معلومات قدمها الإعلام الفرنسي على أنها تفاصيل من داخل التحقيقات القضائية وأخذ يتداولها كحقائق دامغة تدين طارق رمضان وتعزز رواية المدّعيتين (وذلك قبل صدور أي حكم)، ما دفع أحد محامي رمضان، إيمانويل مارسيني، للتقدّم بطلب من المدعي العام في باريس بنشر بيان «لتصحيح المعلومات غير الصحيحة وغير الدقيقة التي نقلتها الصحافة» وأن يوقف «حملة التضليل لأنها لا تتوافق مع احترام افتراض البراءة والتوازن الضروري لحقوق الأطراف». حسب ما صرح به المحامي في مقابلة هي الأولى من نوعها في الخامس عشر من هذا الشهر على قناة «فرانس 5» التلفزيونية.
ـــ منع السلطات القضائية رمضان عن العلاج الطبي لأمراضه المزمنة، وعدم الأخذ بالإفادات الطبية وتلك الصادرة عن طبيب السجن حيث يتواجد رمضان قيد الحجز والتي تفيد بعدم قدرته الصحية على البقاء في الحجز المؤقت (مع أنه نُقل إلى طوارئ المستشفى أكثر من مرّة خلال الشهر الماضي)، بالإضافة لمنعه عن الزيارات العائلية أو التواصل مع عائلته، ذلك دون تقديم أي شرح أو مبرر قانوني من قبل السلطات القضائية.

حاول العديد من مفكرين وسياسيين صهاينة مواجهة خطاب رمضان إعلامياً


كلها إجراءات غير اعتيادية بل واستثنائية في قضية تتعلق بتهمة اغتصاب وذلك باعتراف الكثير من المحامين والأخصائيين الفرنسيين في مجال القضاء، لدرجة طلب أحد المحامين الفرنسيين الكبار إيريك دوبون موريتي على إذاعة «أوروب1» الفرنسية في التاسع من هذا الشهر «بضرورة إصدار قانون جديد يحد من انحراف وسائل الإعلام التي تحوّلت لمحكمة على الهواء». حتى أن المحامي ريجيس دو كاستلنو (وهو من المناهضين لطارق رمضان) عبّر في مقال له على موقع «فو دو دروا» المختص بالمسائل القضائية، عن ذهوله أمام ما وصفه «بالمهزلة القضائية حيث أن كل التحقيقات التي أدّت إلى توقيف وحجز طارق رمضان إنما أجريت بشكل كامل وحصري ضده». بينما يُلزم القانون القاضي والمحققين بجمع ليس فقط الدلائل/ الأدلّة التي تدين المتّهم بل أيضاً تلك التي تبرّئه.
أما من الناحية الإعلامية والسياسية، فإن أغلبية المناهضين لرمضان ووسائل الإعلام هم في ما يمكن وصفه بحالة نشوة حيث كل التعاطي الإعلامي الفرنسي يصب باتجاه واحد: إدانة طارق رمضان. ولخدمة هذا الغرض يثابر هؤلاء على الدفاع عما يصفونه بـ«ضحايا طارق رمضان» وعلى الترويج لرواياتهنّ كوقائع دامغة بالرغم من عدم صدور أي حكم قضائي أو إدانة لرمضان تثبت صحة الروايات المروّج لها أو تثبت التهمة على هذا الأخير. بل إن هذا الإعلام وكل النخبة المتزاحمة على أبوابه لا تتحلى بأدنى درجات الموضوعية المهنية أو الحيطة عند تناولها للقضية، كمبدأ براءة المتهَم حتى إثبات التهمة عليه، بينما نراها تتبنى أقصى درجات الحذر والتذكير بمبادئ الموضوعية المهنية عند تناولها قضايا مماثلة كقضية دومينيك ستروس خان الذي واجه تهمة اغتصاب سنة 2011 والذي لاقى وقتها تعاطفاً ودعماً هائلين في الإعلام والأوساط السياسية والثقافية الفرنسية، أو كقضية الوزيرين الحاليين نيكولا هولو وجيرالد دارمانان المتّهمين بقضايا اغتصاب حيث كانت التغطية الإعلامية متعاطفة جداً معهما وحيث سُخرت لهما المنابر الإعلامية (على عكس رمضان قبل توقيفه) لشرح مواقفهما بل وإدانة الأصوات التي تجرأت على التعاطف -ولو بالهمس- مع الفتاتين علماً بأن إحدى المدعيات هي حفيدة الرئيس الفرنسي الراحل فرانسو ميتران، أما الوزيران فقد تلقيا دعم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء حتى قبل أن يبت القضاء بالدعاوى المقدّمَة ضدهما! إلى أن تم إقفال الملفين قضائياً وإعلامياً بعد بضعة أيام من رفع الدعاوى دون تبعات أخرى!

خاتمة
بغض النظر عما سيؤول إليه الملف القضائي، في حال أدين طارق رمضان أم لم يُدَن، فذلك لا يغيّر شيئاً من طبيعة الواقع القائم منذ سنوات. واقع لا يتعلق بالتهمة الموجّهة لهذا الرجل بقدر ما يتعلق بمناخ تصادمي يخص شريحة واسعة من مسلمي فرنسا وما يواجهونه من عنصرية مغلّفة وإسلاموفوبيا ترّوج لها منظومة اللوبي الصهيوني في شقّيه الثقافي والسياسي وماكينته الإعلامية. واقع ترفضه هذه الشريحة وينازله طارق رمضان.
من هنا، لنا أن نتساءل إن كان محض صدفة تزامن قضية طارق رمضان مع المشروع الذي أطلقه رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب والذي يرمي لتثبيت إجراءات «استباق والتعامل مع التطرف» تتضمّنها آليات مراقبة يوميات وتصرّفات «الأفراد المعرّضين للتطرّف» (المقصود ضمناً المسلمين) في المدارس والجامعات كما في ضواحي المدن، حيث يلحظ التركيز الكلي في هذا المشروع على الجانب الأمني والقمعي البحت لظاهرة التطرّف، دون التطرّق لكيفية معالجة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية الرديئة التي يعاني منها المسلمون وذوو الأصول الأفريقية والتي عادة ما تشكل بيئة مؤاتية ترفع من احتمالية الانعزال و/أو التطرّف. جوانب، لطالما طالب طارق رمضان الحكومات الفرنسية المتعاقبة بضرورة معالجتها كأولوية.
* باحث لبناني فرنسي