حضرة معالي وزير السياحة الأستاذ ميشال فرعون المحترم،تحية طيّبة وبعد،
نكتب إليكم هذه الرسالة المفتوحة إيماناً منّا بأنّ لوزارة السياحة في لبنان دوراً رئيساً في تحصين سيادة بلدنا وكرامته الوطنيّة وهويّته المعادية ــ تاريخيّاً ووجودياً ــ للصهيونيّة وللكيان الصهيونيّ.
معالي الوزير، منذ سنواتٍ تقام في لبنان حفلاتٌ لفنّانين عالميّين سبق أن أحيوْا (قبل مدّة قد لا تتجاوز 48 ساعةً!) حفلاتٍ في الكيان الغاصب. نحن، في «الحملة»، لا نطالب، في هذا المجال تحديداً، بأكثر ممّا تطالب به حملةُ المقاطعة العالميّة التي ترى أنّ أيّ نشاطٍ عالميّ في هذا الكيان يبيّض صفحته الملطّخة بالدماء والتهجير والعنصريّة، بغضّ النظر عن مقاصد الفنّانين.

فكيف إذا كان بعضُ هؤلاء (مثل رون ثال من فرقة «غانز آند روزز») قد عزفوا في حفلاتهم هناك النشيدَ «الوطنيّ» الإسرائيليّ، أو غنّوا (مثل جولي زيناتي) أغنيةً تمجّد «استعادةَ» العدوّ لـ «أورشليم» كلّها سنة 1967، أو جهروا برغبتهم في القتال في صفوف الجيش الإسرائيليّ سنة 1967 (كجوني هاليداي)، أو أيّدوا الوحشيّة الإسرائيليّةّ في عرض المياه الدوليّة (كبرايان مولكو من فرقة «بلاسيبو»)، قبل أن يتوجّهوا إلى لبنان؟
ألا تروْن معنا، يا معالي الوزير، أن تعمد وزارةُ السياحة إلى رسم سياسةٍ وطنيّة سياحيّة، تتضمّن توجّهات عامّة تحثّ منظّمي المهرجانات في لبنان على الامتناع عن دعوة فنّانين متصهينين أو يغضّون الطرفَ عن الجرائم الإسرائيليّة؟
إنّ رسم سياسةٍ وطنيّة سياحيّة ليس انتقاصاً من «حريّة الرأي»، يا معالي الوزير، ولا ممارسةً لـ «رقابةٍ» مقيتةٍ كالتي تجيدُها الأنظمةُ القمعيّةُ التوتاليتاريّة، وإنّما هو تطبيقٌ عمليٌّ لالتزام لبنان بموقفه التاريخيّ المعادي لـ «إسرائيل»، شعبيّاً ورسميّاً. وهذا أضعفُ الإيمان، ولا سيّما حين نعْلم أنّ عشراتِ آلاف الناس في العالم ينخرطون اليوم، فعليّاً، في حملاتٍ لمقاطعة إسرائيل، وأنّ أكثر من 700 فنّان بريطانيّّ تحديداً تعهّدوا في شباط الماضي بعدم إحياء أيّ حفلٍ هناك ما دامت إسرائيلُ تحتلّ أراضيَ عربيّة وتقيمُ جداراً للفصل العنصريّ وتمارسُ التمييزَ ضدّ فلسطينيّي 48 وتمنعُ ملايينَ اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى بيوتهم منذ 67 عاماً. أيكون لبنان، يا معالي الوزير، أقلّ من هؤلاء «الأجانب» مقاومةً للعدوّ الذي قتل عشراتِ آلاف اللبنانيين على مدى عقود، ودمّر بنيتَه التحتيّة غيرَ مرّة، وما زال ينتهك سيادتَه بشكل منهجيّ؟ أنكافئ الفنّانين المتصهينين، أو الذين أغمضوا أعينَهم عن عذاباتنا، بدعوتهم إلى ربوعنا، والتصفيق لهم، وإغداق الأموال عليهم؟!
معالي الوزير فرعون،
لعلّه تناهى إليكم أنّ واحداً من أبرز العلماء في العالم، ستيفان هوكينغ، رفض دعوةً لحضور مؤتمرٍ في القدس المحتلّة، برعاية الرئيس المجرم شيمون بيريز، في حزيران 2013؛ وأنّ رودجر ووترز، وهو أبرزُ أعضاء فرقة «بينك فلويْد» البريطانيّة، يُعدّ اليوم واحداً من قادة مقاطعة إسرائيل في العالم. كما أنّ لائحة مقاطعي الكيان الغاصب تضمّ اليوم مئاتِ الفنّانين العالميين من وزن ألفيس كوستيللو وكارلوس سانتانا، فضلاً عن فرق موسيقيّة شهيرةٍ مثل كلاكسونز وغوريلاز ساوند سيستم وذا بيكسيز. أفلا تشاطروننا الرأيَ، يا معالي الوزير، في أنّ على لبنان الرسميّ، وعلى وزارة السياحة تحديداً، أن يتّخذا موقفاً حازماً من دعوة بعض منظّمي المهرجانات الفنيّة في لبنان لفنّانين لا يعيرون بالاً إلّا لجيوبهم وشهرتهم على حساب تاريخنا وشهدائنا وأسرانا وكرامتنا الوطنيّة؟ هذا ونحن واثقون بأنكم تعلمون أنّ الحفلات الفنيّة قد باتت المصدرَ الماديّ الأوّل للفنّانين، وأنّ أسلوب المقاطعة قد نجح في دفع عشرات الفنّانين إلى التفكير مرتيْن على الأقلّ قبل تلبية الدعوة إلى «إسرائيل» خشية أن يتعرّضوا لمقاطعة الآلاف من أنصار العدالة في العالم.
معالي الوزير،
بعد أيّام، وتحديداً في 9 آب، تستضيف مهرجاناتُ بعلبك الفنّانة "هندي زهرة". زهرة أحيت حفلًا في تل أبيب، بعنوان «مساء الخير يا تل أبيب»، في 12 تشرين الثاني 2011، وذلك ضمن «مهرجان التسامح» (نعم التسامح!)، وبرعايةٍ جزئيّة من السفارة الفرنسيّة في «إسرائيل»؛ وشاركتها آنذاك فنانةٌ إسرائيليّة مقيمة في باريس اسمُها «ريف كوهين»، وأبدت حماساً للزيارة، خصوصاً أنّ «الجميع أخبروها عن الحيويّة (الطاقة) في تل أبيب». وقد وجّهت «الحملة الفلسطينيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثقافيّة لإسرائيل» إليها رسالةً، قبل شهرٍ من موعد زيارتها تلك، تناشدها فيها عدمَ إحياء حفلها في تل أبيب؛ واستغربت الحملة موافقة زهرة على «الترفيه عن مجتمعٍ يمارس الاحتلالَ والتفرقةَ العنصريّةَ والتطهيرَ العرقيّ... في حين أنّ لاجئينا ـ وهم غالبيّةُ شعبنا ـ يُحرمون باستمرارٍ حقَّهم غيرَ القابل للتصرّف في العودة إلى بيوتهم». ومع ذلك فقد جاء ردُّ زهرة «مليئاً بالكراهية»؛ وحين حاول فنّان أمازيغيٌّ إقناعَها بالعدول عن الذهاب إلى تل أبيب جاء ردُّها «بالغَ السوء». وقد اعتصم عددٌ من المواطنين المغاربة، ينتمون إلى «حركة 20 فبراير»، في الدار البيضاء أمام قاعة المهرجان التي كانت «زهرة» تزمع الغناءَ فيه في كانون الأوّل 2011 احتجاجاً على حفلها في تل أبيب، واعتبرت الحركة نشاطَ زهرة في إسرائيل «تطبيعاً» مع الدولة العبريّة. كما قام ناشطون مغاربة بتنظيم حملاتٍ إلكترونيّة ضدّ زيارة زهرة إلى الكيان الصهيونيّ.
معالي الوزير،
لقد وجدنا في استضافة مهرجانات بعلبك لـ «هندي زهرة» مناسبةً للحديث المباشر إليكم عن قلقنا من تنامي مظاهر التطبيع الثقافيّ مع عدوّنا، وعن رغبتنا في أن نرى موقفاً رسميّاً حاسماً منها لا يتعارض مع انفتاح بلادنا على التثاقف الحضاريّ مع العالم. وكلُّنا أملٌ في أن تستجيبوا لما جاء في رسالتنا هذه. وتقبّلوا منّا، في الختام، كلَّ التقدير والاحترام.


حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل» في لبنان