أوّل ما انفتح قلبي على عظيم، كان رسول الله «محمّد» صلّى الله عليه وآله.إذ بدأت مشوار حياتي في المتابعة للحاضرين من الزمن الماضي بيوميّات عيشنا، مع كتاب أهداني إيّاه – أنا الشيعيّ – ابن حيّنا الحاج محمّد، وهو من أهل السنّة المتديّنين. أمّا الكتاب فكان حول سيرة النبي صلّى الله عليه وآله.

وعند النبي صلّى الله عليه وآله، لم تكن العلاقة تلحظ أي خصوصيّة شيعيّة أو سنّيّة.
وأوّل درس استمعت إليه في مسجد «المصيطبة» كان أيضاً لشيخ سنّيّ، وكان الدرس حول رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله. وتتابع الأمر حتّى ولّد عندي عتباً على والديّ إذ لم يسمّوني محمّداً، وأوسموا هذا الشرف لأخي الذي تلاني ولادةً.. ممّا دفعني وبشغف الحبّ أن أطلق اسم «محمّد» على أوّل ولد رزقني به الله سبحانه.
ولا أنسى أيضاً أنّ أوّل حديث تدارسته مع إخوان لي في الحيّ وفي مسجد «المصيطبة» عينه كان يدور حول أحاديث حفظتها لرسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله. لقد كان النبي مملكة روحي وحبّي وأمن نفسي التوّاقة للصلاة والتوجّه إلى الله.. وكنت أعتقد أنّ كلّ الناس يعيشون هذا الوئام الروحي فيما بينهم إذ الجامع لهم هو رسول الله صلّى الله عليه وآله.
حتّى حصل ما لم يكن في الحسبان…
أحد النافذين الدينيين يأتيني وأنا حينذاك ابن الثالثة عشرة من سنيّ العمر ليقول لي: إذا أردت الصلاة هنا فأهلاً بك، أمّا أن تقيم جلسةً فهو أمرٌ ممنوع... اذهب إلى بيتك وافعل ما شئت.
لم أفهم ما الذي حصل، لأنّي ورفاق الحيّ لم نتحدّث في حلقتنا إلّا بما علّمنا إيّاه شيخ المسجد، وبما حفظناه من أحاديث لرسول الله صلّى الله عليه وآله تعلّمتها من المسجد عينه والشيخ عينه!!
أذكر أنّي بكيت وذهلت لأنّي لم أفهم سبب فصلي عن ما أحب. جاء بعدها من وسوس في أذني: «أنت شيعيّ... وهم سنّة»، انتفضت من الخوف... وإن يكن؟! ألم يخلقني الله شيعيّاً وخلقهم سنّة؟ أليست هذه إرادة الله؟ وهل يقبل الله ومحمّد صلّى الله عليه وآله، أن أنفصل عن المسجد والشيخ والناس الذين أحببتهم؟!
إلّا أنّ الأيّام أيقظتني... ومنها تعلّمت كيف أنّ الناس تخلط في نفس الفعل والمعتقد أمراً سيّئاً وآخر صالحاً... وهم لا يدرون ما الفارق بين الحقّ والباطل، لا يدرون أنّ محمّداً واحداً لا ينفصم، ولا يتجزّأ في التاريخ ولا بين الجماعات، وأنّ الذي يبرّرون به انقسامهم هو غير رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله «لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم»، عند الإلفة والتراحم بين المختلفين يحضر ذكر النبي محمّد صلّى الله عليه وآله، وعند الانقسام تحضر المذهبيّة والمصالح الذاتيّة واستقطابات القوى ووساوس الرجيم، وهناك يغيب وجه رسول الله صلّى الله عليه وآله.
وعندما يغيب وجه النبيّ صلّى الله عليه وآله، تغيب عنّا الرحمة والعزّة ومهابة الجانب، فيستضعفنا الأرذال ويهتكون أو يسعون ليهتكوا مقدّساتنا. وما الجواب على الإساءة التي نتعرّض لها اليوم من هذا المستكبر الأميركيّ ــ الصهيونيّ اللئيم إلّا بأن نتآلف بذكر الله، وبحبّ رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله، وننسى ما علق بسنّيتنا وشيعيّتنا من إدارة المصالح والأهواء ليبقى الفرد الواحد «محمّد» هو جوهر إسلامنا ولنمتثل قول الله سبحانه: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾.
* رئيس معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية