أحداث مهمة عديدة مرّت على العالم في الفترة السابقة تستحق الوقوف عندها وتأملها، وفي مقدمتها استمرار العدوان الوهابي التكفيري على اليمن ومواصلة قتل الأطفال والنساء والرجال، من مختلف الأعمار، جماعياً، وموقف جامعة الأنظمة العربية الأخرس من ممارسات أنظمة «سايكس ـ بيكو» لمحميات الخليج الفارسي.
لنتذكر الآن أن عمليات الإبادة التي تمارسها مشيخات الخليج الكاريكاتورية بحق شعب اليمن استفزت حتى مجلس الشيوخ في واشنطن، لكنها لم تحرك أي خلية في أجساد الأنظمة التي لا تكفّ عن النعيق بحديثها التافه عن اهتمامها بالأمن العربي والأمن القومي العربي وما إلى ذلك من الشعارات البائسة التي لم تعد تنطلي حتى على الرضَّع. لكن، مع ذلك، وربما من الأفضل القول، بسبب خرس الجامعة المدمن، علينا الاستمرار في رفع الصوت عالياً مطالبين بوقف حمام الدم الوهابي الإجرامي، وهذا أضعف الإيمان. ونأمل في الوقت نفسه أن لا يتحول الصدام في صنعاء وانقلاب الرئيس المخلوع على حلفاء الأمس، أعداء ما قبل الأمس، إلى صراع يمني مثلث الأضلع، يمني ـ يمني ـ وهّابي تكفيري.
ولنتذكر أيضاً أن رأس تلك الجامعة التي حان وقت دفنها، وعد بكسر أيدي الفلسطينيين وأرجلهم إن عبروا من القطاع المحاصر إلى سيناء. جامعة كهذه لا تستحق سوى «رأس» كهذا.
مذابح وهابيو جزيرة العرب من آل سعود، أحفاد مسيلمة الكذاب، في اليمن، ليست بالأمر الجديد. فهي تكرار لممارساتهم عندما انقضّت قطعانهم على أهالي نجد وعسير والحجاز والأحساء وجيزان ونجران، بمساعدة أنغلو ــ أميركية، وهي صورة مكبرة لممارسات بن سلمان بحق أعمامه وأبناء عمومته، كما وردت في مختلف وسائل الإعلام والتضليل. هذه هي أخلاق الصحراء؛ الغزو والسبي والغنيمة. لم يتبدل أي أمر منذ قديم الزمن، ولا يمكن الثقة بهم، ولنتذكر قول التنزيل في سورة التوبة: «الأعراب أشد كفراً ونفاقاً». وبعد التجارب الرهيبة التي عايشناها في سوراقيا على يد النيو ــ وهابية، وما زلنا نعيشها في ليبيا وسيناء، نقول حان وقت ابتعاد أهل الاختصاص كل البعد عن كيل المديح لحياة الصحراء وسكانها التي عايشناها في سوراقيا وما زلنا نعيشها في ليبيا وسيناء. يجب إعادة كتابة المؤلفات التعليمية التي تكيل المديح لنمط حياة لا يعرف سوى القتل والنهب، حماية للأجيال القادمة.
الفظائع في اليمن وسوراقيا وغيرها تأخذنا إلى المحكمة الجنائية الدولية وأحكامها الصادرة أخيراً على مجرمي الحرب من الصرب والكروات وانتحار زعيم الأخيرين في حرب الإبادة تجاه المسلمين «من أهل السنة» في يوغوسلافيا السابقة ــ مع الاعتذار من القراء لاضطرارنا إلى استخدام هذا المصطلح.
لنتذكر في هذا المقام عشرات آلاف الضحايا من أهل تلك البلاد المفجوعة ببعض أهلها قبل نحو عقدين من الزمن، وموقف حماة الإسلام من وهابيي جزيرة العرب وبقية أذناب الغرب الاستعماري من التطهير العرقي وتلك الإبادة الجماعية.
الجنون العنصري أوصل أولئك العسكر ومن خلفهم السياسيين إلى الادعاء أن مسلمي تلك البلاد هم من العثمانيين ووجب بالتالي إعادتهم إلى تركيا. لكن الحقيقة المعروفة أن مسلمي يوغوسلافيا السابقة هم من المسيحيين البوغميل الذين اعتنقوا الإسلام خوفاً من اضطهاد الكنيسة الأرثوذكسية التي عدتهم هراطقة ‹بيزنطيا أقدمت على حرق رئيسهم باصيل حياً في القسطنطينية) وقطعان الحملات الصليبية التي كانت تهدد بلادهم.
على أي حال، المذابح الرهيبة تلك كانت ماثلة للعيان، إذ إن المجرمين كانوا يرتكبون فظائعهم في وضح النهار. الغرب الاستعماري وأذنابه في شرقي أوروبا، وقف متفرجاً، بل مرحباً بهذه المذابح: رومانيا والمجر وفرنسا، بل وحتى اليونان، وغيرهم، لم يتحركوا لوقف الإبادة الجماعية. بل إنهم قدموا التغطية والمسوغات لتلك الجرائم مدعين أنها نتاج قرون من الكراهية!
الغرب الاستعماري، ممثلاً على نحو رئيس ببريطانيا وفرنسا، منع أي تدخل لإنقاذ عشرات آلاف الضحايا الذين يذرف الآن دموع التماسيح عليهم في المحكمة الجنائية الدولية. بل إنهم قدموا للعنصريين في يوغوسلافيا السابقة كل العون السري، وهذا تواطؤ فضحته الأيام.
تركيا بدورها لم تجرؤ على التدخل، فوقفت متفرجة على مختلف الفظائع الخسيسة بحق بشر تدعي هي أنهم من مواطني إمبراطوريتهم البائدة. الفظائع ضمت إقامة معسكرات لاغتصاب النساء المسلمات، ومعسكرات للمسلمين المعتقلين الذين تركوا بلا غداء ليتضوروا والموت جوعاً.
لكن أين كان العالم الإسلامي والذين عيّنوا أنفسهم قادة عليه، وأين المنظمات الإسلامية المهترئة؟!
في المكان نفسه الذي يقف فيه اليوم من مذابح اليمن والروهينغا. الأمر الوحيد المختلف هو التاريخ. عدا ذلك، التواطؤ نفسه، والعميان والخرسان أنفسهم.
الصحفي الأميركي إرِك مرغُلِس، الذي عايش تلك الأحداث عن قرب ونشر عشرات المقالات عن تلك الأحداث والجرائم، كتب أن «حماة الإسلام» من آل سعود وبقية أعضاء مجلس التآمر في الخليج، الذين عينوا أنفسهم قياداته، كانوا مشغولين في ذلك الحين ببناء القصور والدوام في مواخير أوروبا وكازينوهاتها، يمارسون فيها فهمهم للإسلام ولدورهم بصفتهم حماته!
المشهد ذاته، في جزيرة العرب من قبل وفي اليمن اليوم، يتكرر اليوم في بورما حيث يقضى الآلاف من الروهينغا، أطفالاً ونساءً ورجالاً جوعاً وتعباً، وغيرهم ذبحاً وحرقاً واغتصاباً وغير ذلك من الجرائم الخسيسة. لا وقت لدى «حماة أهل السنّة» للالتفات لمعاناة الروهينغا، أطفالاً ونساءً ورجالاً وشيوخاً، فقد منحوا كل وقتهم لذبح أهل اليمن.
الصحفي الأميركي أكد أن الدعم الوحيد الذي حصل عليه مسلمو يوغوسلافيا السابقة جاء من إيران («الروافض العجم»)، وبعض «المجاهدين» الأفغان.