الأزهر بين الريادية وضغوط التكفير

  • 0
  • ض
  • ض

كان ملفتاً الخبر الذي نشر حول «استنفار» في دوائر وزارة الأوقاف المصرية على خلفية العثور على بعض الكتب «الشيعية» في أحد مساجد محافظة المنيا وسط مصر. ليست هذه الحادثة الأولى من هذا القبيل. فقبلها كان إقفال مقام الإمام الحسين في القاهرة يوم عاشوراء لمنع ما أسموه البدع الشيعية الخاصة بالمناسبة، وقبلها أيضاً وزعت أخبار نشر التشيع في مصر وما يمثله من خطر على «عقائد أهل مصر» على لسان مشيخة الأزهر ورموزه. ومن الناحية النظرية والعملية لا فرق بين وزارة الأوقاف والأزهر. هذه الوقائع المستجدّة بعد ثورة يناير في مصر تطرح أسئلة متعددة ومهمة حول مؤسسة الأزهر لجهة الحالة التي تعيشها في مرحلة حساسة خطيرة يمر بها العالم الإسلامي ويواجه خطر الحرب التكفيرية وتداعياتها على المستوى العالمي، والدور الذي يفترض أن تضطلع به. لا يمكن الاكتفاء بالشعارات والكلمات حول الاعتدال والوسطية في مقابل التطرف التي يمكن سماعها أحياناً من مسؤولي الأزهر، لأن المأمول يتخطى الكلام بكثير إلى الفعل والتأثير في الرأي العام وكيفية التعامل مع الوقائع التي تشكل اختباراً لحقيقة التوجهات. وفي تحليل الموقف مع ملاحظة البعد التاريخي للمسألة، فإن الجامع الأزهر كما هو معروف تأسس في العهد الفاطمي مع المعز لدين الله عام 970م، وسمي بالأزهر نسبة إلى السيد فاطمة الزهراء كما سميت الدولة نسبة إليها بالفاطمية، وتحول سريعاً إلى جامعة علمية لا مجرد مسجد فقط. ورغم الصبغة الشيعية له لكنه شهد انفتاحاً وتعددية على المستوى المذهبي، فكان يدرس فيه الفقه المقارن بين المذاهب الإسلامية واستمر الأمر كذلك حتى سقوط الدولى الفاطمية على يد صلاح الدين الأيوبي الذي أقفل الجامع الأزهر قرابة مئة عام في إطار سياسته للقضاء على التشيع في مصر، إلى أن جاء الظاهر بيبرس المملوكي فأعاد فتحه حصراً على المذاهب السنية الأربعة ومانعاً أي حضور للتشيع في مصر. هذه الوقائع التاريخية هي تأسيس لإتجاهين عاشهما الأزهر في مصر: اتجاه الانفتاح وقبول التعددية المذهبية والفكرية، واتجاه التعصب والإصرار على الفئوية في الإطار الإسلامي. وإذا أضفنا إلى ذلك تأثير التيار الصوفي بما له من تسامح وروحانية خاصة في ثنايا الأزهر، فمن الطبيعي أن نشهد تصارعاً بين الاتجاهين السابقين في الوعي واللاوعي الأزهري، وأن نتوقع له غلبة الإنفتاح وقبول التعددية في دور ريادي ومتميز. إلا أن ذلك لم يحصل لحد الآن، فما السبب؟ ليس خفياً على المراقب والمتتبع حجم التدخل والتأثير السعودي الوهابي في الأزهر المصري، والذي يعمل على تعطيل أية بوادر لريادية الأزهر لأكثر من سبب، قد يكون الحذر من الموقع المنافس أيضاً أحد هذه الأسباب، وإلا فما معنى أن يكون أول إصدار لمركز الدراسات في جامعة الأزهر بعد ثورة يناير كتاب تكفيري مطرز بمقدمة تكفيرية لرئيس المركز المذكور، والحملة بين الحين والآخر على الشيعة والتشيع وتغييب قضية القدس وغيرها، في مسعى واضح لتحويل وتغيير الاهتمامات. إن الأزهر الشريف يواجه تحدياً تاريخاً ومصيرياً فهل ينجح فيه أم لا؟ يبدو أن النتيجة مرهونة بمدى ممانعته لضغوط التكفير وتحرره من العصبية المذهبية ليستعيد دوره الجامع من جديد.

0 تعليق

التعليقات