بلدُ اليافطات وثقافة التدجين
الحمد لله الذي لا يُحمَدُ على مكروهٍ سِواه. فمِن بين النعم الكثيرة التي خصّنا بها في هذا الوطن قبول التدْجين. نعم أصبح الشعب اللبناني العظيم مدجَّناً بامتياز.
وإذا توصَّل علماء الهندسة الوراثية في بلدان العالم المتخلف (أوروبا وأميركا والغرب عموماً!) إلى تدجين وتهجين الحيوانات والنباتات لتحسين المحاصيل الزراعية والمنتجات الحيوانية وزيادتها، فإننا في لبنان، والحمد لله، توصّلنا إلى النتيجة نفسها تقريباً.

ولكن من دون أن نُرهِقَ الخزينة الحبيبة بفلسٍ واحد. ذاكَ لإن حُكّامنا الميامين قاموا بالتدجين البشري على أحسن وجه، فبُتَّ لا ترى من الآدميين من يعرف لَهُ حقوقاً ولا واجبات.
التدجين والتهجين النباتيان ليس هَهنا المجال للبحث فيهما. ولكن نكتفي بإيراد نموذج على سبيل المثال: هل سبق أن رأيتم خسّةً خضراء يانعة، دَعْكُم من رائحتها، تجاوز وزنها خمسة كيلوغرامات؟ نعم هذا بعضٌ من إنتاج سهولنا الداخلية. كذلك نحمد الله على جَهْل السوّاح للغتنا العربية، وإلا لكانت الدولة ملزمة بتوزيع حبوب «اللعيان» على الوافدين كما تُوَزَّعُ حبوب منع الدُوار في الرحلات البحريَّة.
ولمّا لم يعُد لبنان «أخضر حلو»، وُجِبت الإستعاضة بثقافة اليافطات ننشرها هنا وهناك وهنالك كيفما اتّفق في مناسبة وفي غير مناسبة. فالضيعة الفلانية تهنّىء ابنها البار القاضي .... بتعيينه رئيساً لغرفة ما، ومدرسة «نحو الغد» تعلن نجاح أبنائها في الإمتحانات الرسمية بنسبة فاقت 150%، و«حارة البلوط» تشكر معالي وزير الطاقة على تمديد الشبكة الكهربائية... وتطول القائمة ويتهلل ذوو «المواطَنَة» بهذه الإنجازات الفَوطبيعية (فوق الطبيعة).
أوليس لمهرجانات الشكر الفولكلورية هذه من نهاية؟ لئن شُكر مغترب على تبرع من أجل ترميم ساحة الضيعة أو إنشاء صالون للكنيسة أو ناد للشبيبة لكان ذلك مفهوماً ويندرج في إطار الذوق واللياقة. أما أن تُشْكَرَ الأجهزة الرسمية للدولة على القيام بأبسط واجباتها فهذا ما لا يخطر للسائح الغبيّ على بال.
وأنتم يا دافعي الضرائب، أما كفاكم ما دفعتم وتدفعون حتى تتسابقوا على الشكر والمديح، فيما كان الأجدر بكم أن تُشهروا سيف المحاسبة في وجه كل من قصّر بواجباته تجاه الوطن والمواطن؟
ولكن، يبدو بأن الكلام قد أصبح من لزوم ما لا يلزم . فقد بلغ التَّدْجين حدّ اللارجوع وبات الخنوع سيِّد الجموع في هذه الربوع.
باسم عون