ثمة رأي عام سائد يقول إن البوذية ليست بدين وإنما فلسفة، مسالمة ومتسامحة إلى أقصى الحدود. هذا الرأي سائد في بلادنا كما في الغرب. فالدراسات الاستشراقية عن البوذية، التي قدمها مجموعة من المستشرقين المتخصصين صوّرتها على أنها «فلسفة سرمدية»، أو «دين طبيعي/ الفطرة».
وذهب بعضهم إلى القول إن موقف البوذية من الأديان الأخرى حيادي ومتسامح تجاه أتباعها، وسهلة الانقياد تجاه التقدم العلمي. بل إن الأكاديمي الألماني كارُس دافع عن رأيه في سلمية البوذية وانفتاحها ووبّخ البوذيين عندما أطلقوا نقاشاً جدلياً مع الإرساليات المسيحية، وذهب إلى القول إن بوذا نفسه ما كان ليقبل بذلك!
العالم السويدي فترلنغ ذهب أبعد من ذلك عندما أكد أن البوذية دين التسامح، والأخوية الأممية، والعدالة والاستقامة، بل إن البوذية لم تتسبب في هدر قطرة دم واحدة عندما كانت تنمو إقليمياً وعالمياً.
كما تعزز هذا الرأي في نهايات القرن الماضي عن سلمية البوذية وتسامحها من خلال فيلم برناردو برتلوتشي (بوذا الصغير - 1993).
هنا يكمن خطأ الاعتماد على المصادر الشعبوية والدراسات شبه العلمية أو على مصدر واحد أو رأي واحد إذ إن التاريخ يعطينا صورة مختلفة عن البوذية.
باستشارة المراجع ذات العلاقة ومنها نصوص «الجاينية/ Jainism» والبراهمية المقدسة، فهي تتحدث عن اضطهاد البوذيين الهنود، والنصوص البوذية ذات العلاقة تتحدث عن اضطهاد الهنود للبوذيين.
أما البوذية، وفق النصوص التاريخية، لم تكن يوماً مسالمة ولا منفتحة. فالكاهن البوذي الصيني فاكينغ، الذي عاش في القرن السادس، وعد أتباعه (عددهم كان على ما يقال خمسين ألفاً) بأن كل من يقتل فرداً من أعدائهم سينال مرتبة أعلى في درب «البوديسفاتا».
وفي العصور الحديثة، دعم الكنهة البوذيون من فرقة «الرِّنزاي»، حملة اليابان العسكرية على روسيا في عام 1904. كما أيد الكهنة البوذيون غزو اليابان للأراضي الصينية والكورية وسنغافورة في الحرب العالمية الثانية. بل إنهم وضعوا أرضية فكرية للجوء إلى العنف والقتل بالقول إن البوذية في حاجة إلى استخدام العنف كي تطهر نفسها وتستعيد هويتها!
لنتذكر أن البوذية شنّت حملات عنيفة تجاه الآخر غير البوذيين، في سيام وسريلانكا وبوتان، قبل انتشارها إلى بورما/ ميانمار في هذه الأيام.
والآن، يقوم البوذيون في ميانمار بقتل الرجال والنساء والأطفال المسلمين. يحرقون بيوتهم وقراهم، ويرتكبون بحقهم مختلف الجرائم البشعة، ويطردونهم من قراهم ويمارسون بحقهم وحشية التطهير العرقي.
ما موقف العالم الغربي؟ لا شيء، بيان خجول هنا، ومقال أكثر خجلاً هناك. فرأي حضارة المركزية - الأوروبية، المسلمون ليسوا ببشر، ولا يستحقون أي اهتمام. ترى ماذا كان موقفهم لو أن هذه المذابح الوحشية ارتكبت بحق مسيحيين أو يهود! نعلم موقفهم عندما ثاروا لتدمير طالبان تمثال بوذا؛ ولا ننسى لهاث مفتي الناتو الذين شاركوا في الصراخ. أما «حماة» الديار المقدسة والمسلمون فلاهون بتكديس الأموال والحريم والغلمان، والتآمر على بعضهم سراً وعلانية، وصراع الأشقاء على عروش قصبية والأخوة على من يحتل المرتبة الأولى في العمالة لواشنطن.
أمر مؤسف أن كافة تصرفات الغرب الاستعماري تؤكد أن لا مكان للوثوق به وأن لا مكان للضعيف في هذا العالم.