الحرب على سوريا، أكبر من طموحات المجموعات السورية المعارضة، وأبعد عنها، على تنوع مشارب هذه المجموعات. لبعضها في البداية، مطالب مشروعة بالإصلاح لم ينكرها حتى النظام، وبعضها الآخر كان يتوق إلى المشاركة في السلطة.
ولأن اللعبة أكبر، وأكثر خطورة، فلنذهب إلى الجد، ونقرأ في كتاب هذه الحرب، في مطالعة، أعدها الدكتور روبرت ساتلوف المدير التنفيذي، في معهد واشنطن للسياسة في الشرق الأدنى ـ في 23 حزيران لسنة 2011، وأمام لجنة الشؤون الخارجية، في مجلس نواب الولايات المتحدة يقول:
أشكركم على إتاحتكم هذه الفرصة، للمثول أمام هذه اللجنة، لمناقشة سياسة الولايات المتحدة، تجاه دولتين في الشرق الأوسط، إيران وسوريا.

«إنه من المناسب أن ترسم اللجنة، سياسة الولايات المتحدة، نحو هاتين الدولتين، معاً، باعتبارهما القطبين المناهضين للغرب، وأميركا، ولمحور السلام في المنطقة».
«إزاء الوضع الضاغط، منذ أربعة أشهر، والذي يتيح فرصة التغيير في سوريا، تم انتدابي لأقدم إلى هذه اللجنة خلاصة اختبار ما يجري». «المسألة، هي في الفرصة السانحة لتوجيه ضربة مؤلمة، وربما حاسمة، للمحور المعادي للسلام، والذي ينطلق من إيران، ويمر عبر دمشق، ومن ثم إلى بيروت، وغزة، مع تطلعات الى التوسع نحو بغداد، والخليج، وما بعده».
ويقترح، ما رأينا من ترجمة لقوله على الأرض إن عربياً، وإن إقليمياً، ودولياً:
1) رفع مستوى المشاورات الثنائية مع اللاعبين الإقليميين «تركيا، العراق، السعودية، الأردن، وإسرائيل».
2) إنشاء مجموعة اتصال دولية معنية بسوريا، وعملانياً تنظيم دعم اللاجئين.
3) النظر في إنشاء «مناطق للإغاثة الإنسانية» على طول الحدود السورية مع جيرانها، للتأكد على أن المجتمع الدولي، يعترف بأن التغيير قد بدأ في الأطراف، وأنه يتحرك بلا هوادة في اتجاه وسط البلاد».
هذه هي الخطوط العريضة للخطة، بل لأمر العمليات.
ما جرى من تنفيذ، كشفته جريدة الأخبار، الأربعاء 10 آب 2017، بعرض مع خريطة تحت عنوان «وقائع ليست للنسيان» يتناول الأحداث الميدانية على الحدود السورية.
الحدود الغربية مع لبنان:
«فعلياً بدأت المجموعات المسلحة في الاستفادة من طرق التهريب، بدءاً من ريف حمص، وصولاً إلى السيطرة على القصير، وتل كلخ، وفي نيسان 2012 كانت أجزاء واسعة من ريف حمص المتاخم للحدود اللبنانية، قد تحولت إلى قبضة المجموعات المسلحة».
الحدود الشرقية مع العراق:
من محيط البوكمال بدأت الحكاية، في تموز 2011، مع ظهور مسلحين على شكل عصابات، في النصف الثاني من عام 2012، سيطرت المجموعات المسلحة على المعبر، وفي 2013 خرج معظم الشريط الحدودي عن سيطرة الجيش السوري.
وبدءاً من آذار 2014، تم ابتلاع المنطقة الحدودية وصولاً إلى إعلان «الخلافة».
الحدود الجنوبية مع الأردن:
لعبت الحدود الجنوبية مع الأردن دوراً مؤثراً لمصلحة المجموعات المسلحة، بداية عن طرقات التهريب ثم مع خروج المناطق الحدودية في ريف درعا عن سيطرة الدولة مع أواخر عام 2011.
الحدود الشمالية مع تركيا:
بين أيلول وتشرين الأول، بدأ مسلحو الريف الإدلبي بالظهور، بشكل جماعات، مستفيدة من طرق التهريب، على الحدود التركية، وبدأت هيمنة هذه الجموعات تتسع فشملت ريف إدلب الشمالي، وريف اللاذقية الشمالي، وريف حلب الشمالي، وبعدها معابر باب الهوى، وباب السلامة إلخ.
وكما رسم الدكتور ساتلوف، بدأت هذه المجموعات من الأطراف «التحرك بلا هوادة في اتجاه وسط البلاد».
وأخذت مدن وسط البلاد تتهاوى، حمص، درعا، تدمر، الرقة، ودير الزور، ونصف حلب، والغوطة الغربية، والشرقية وصولاً إلى تهديد العاصمة.
نحن هنا أمام سؤال، وأمام جواب في الوقت نفسه.
السؤال، لماذا طلب ساتلوف بدء الضغوط من الأطراف من أجل التغيير، الأمر الذي نفذته مجموعات مسلحة، مدعومة من قوى كبرى، ودول نفطية، لم تبخل لا بالسلاح، ولا بالمال، وتجنيد أكبر حملة إعلامية، في عصرنا الحديث؟
الجواب، في غاية البساطة، لقد كان ساتلوف يدرك قوة النظام، واستحالة ضرب النظام من الداخل، نظراً لتمتعه بثقة شعبه وجيشه، ولأن الشعب السوري، وكذلك الجيش، مدركان لأهداف أميركا، وإسرائيل، والأدوات الإقليمية، بضرب ليس محور المقاومة فحسب، بل لإجهاض أي توجه مستقل، أو سيادي. وصدقت توقعات ساتلوف حول قوة النظام وخابت حين راهن على تحرك الأطراف، والحرب عبر الحدود.
فأثبتت القيادة السورية صلابة بلا حدود، وإيماناً بقضيتها تجاوز كل توقع، وصحة رهانها على شعبها، وعلى جيشها.
ولم يتوانَ الحلفاء عن تقديم كل دعم بدءاً من الشريك الأقرب «حزب الله»، مروراً بالحليف الإيراني، وصولاً الى الصديق الروسي.
مع هذا الدعم تعزز الصمود، وأخذ يميل إلى أخذ المبادرة العسكرية في أكثر من مكان، وصولاً إلى معارك الحدود مجدداً.
على الحدود الأردنية تتوسع سيطرة الجيش السوري، وعلى الحدود العراقية تنقلب المشاهد، أما على الحدود اللبنانية، حيث سُجل أول انتصار حاسم، وكامل، على المجموعات الإرهابية، وبالتالي، وانطلاقاً من انتصار الجرود، ترتسم نهاية المجموعات الإرهابية، وسقوط مشروع «ساتلوف»، وشركائه الإقليميين، وأصدقائه الدوليين.
لقد بدأوا حربهم من الحدود، وها هي هزيمتهم تكتمل على الحدود.
* كاتب لبناني