قبل 11 عاماً، وفي 12 تموز/يوليو 2006 بدأت الحرب الخامسة مع العدو الصهيوني (بعد حروب 1948، 1967، 1973، 1982) إثر إقدام رجال المقاومة على أسر جنديين صهيونيين وقتل ثلاثة آخرين من بلدة عيتا الشعب، وكان الهدف يومها من عملية «الوعد الصادق»، كما أسماها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، هو تحرير أسرى لبنانيين وعرب وفي مقدمهم عميد الأسرى العرب الشهيد القائد سمير القنطار بطل عملية جمال عبد الناصر ضد قوات الاحتلال في 22 نيسان/ أبريل 1979.
يومها ساد نوعان من التحليلات إزاء تلك الحرب، أحدهما روّج له أعداء المقاومة والأمة، ووقع في شركه بعض أصحاب النيات الطيبة، يقوم على أن هذه الحرب مماثلة لحرب 1982 ولن يتوقف الغزو إلا بعد الوصول إلى بيروت و«إخراج» المقاومة اللبنانية من لبنان، كما جرى إخراج المقاومة الفلسطينية والقوات العربية السورية في حرب 88 يوماً، بل وأسر قادتها أو قتلهم إذا تعذر القتل.
أما التحليل الآخر الذي التزم به رئيس الجمهورية، آنذاك، العماد إميل لحود والعديد من القوى والشخصيات الوطنية، وكنا منهم، منذ اليوم الأول وهو أن العدو لن يستطيع تحقيق أهدافه، برغم كل ما سيقوم به من إبادة جماعية وتدمير ممنهج سيطال كل الأرض اللبنانية...

الحرب المستمرة تمثّل استغلالاً لثُغَر كامنة في صميم العلاقات بين الأنظمة والشعوب


ارتكز ذلك التحليل على أن انتصار العدو في تحقيق أهدافه مرتبط بقدرته على تغيير المعادلة السياسية في البلاد، على غرار ما جرى عام 1982، وإن هذا التغيير مستحيل إذا لم يتم احتلال الأرض، وصولاً إلى العامة بيروت وضاحيتها الجنوبية، وهذا الاحتلال متعذر لأنه سيواجه مقاومة يحتضنها شعبها وجيش البلاد، ولهما عمق استراتيجي عربي قاعدته دمشق، وإسلامي قاعدته طهران، وشعبي قاعدته وحدة تيارات الأمة الرئيسية التي وصل تأثيرها إلى درجة أن شبابها رفعوا صورة نصر الله في باحة الأزهر الشريف...
وبرغم الانتصار المبين الذي حققه لبنان المقاوم في تلك الحرب، إلا أن القوى التي ساندت العدو في حربه العدوانية ما زالت مستمرة في حربها على الأمة عبر مخططات إشعال الفتنة المذهبية، وشن حروب التدمير والتفتيت والتوحش الكونية، التي تشهدها العديد من أقطار الأمة، ولا سيما سوريا التي كانت الرئة الاستراتيجية التي تتنفس منها المقاومة، والحاضن الإنساني لعشرات آلاف اللبنانيين النازحين من ديارهم، والذين احتضنتهم أيضاً كل المناطق اللبنانية، وكل ألوان الطيف السياسي والاجتماعي اللبناني.
والحرب المستمرة التي ما زالت الأمة تعاني منها، لم تكن تعبيراً عن مشاريع ومخططات الأعداء فحسب، بل كانت استغلالاً لثغرات كامنة في صميم العلاقات بين الأنظمة والشعوب، وبين المكونات المتعددة لمجتمعاتنا العربية.
واحتفالنا اليوم كلبنانيين وعرب ومسلمين بنصر تموز 2006 التاريخي والمبين، والذي حقق للبنان عموماً، وجنوبه خصوصاً أمناً وسلاماً واستقراراً، لا يكتمل إلا بالانتصار على تلك الحرب الفتنوية الدائرة حولنا، وبإغلاق كل الثغرات التي نفذت منها تلك المخططات والمشاريع المشبوهة، وبالحرص على أن تسود قيم الوحدة والمشاركة والعدالة والحرية والمصالحة بين أبناء مجتمعاتنا.
الرحمة للشهداء والحرية للأسرى، والشفاء للجرحى، والنصر للمقاومة في لبنان وعلى امتداد الأمة.
*سياسي لبناني