عدن | تنبئ عودة التفجيرات في جنوبي اليمن، تحديداً مدينة عدن، بعاصفة صراع بين فرقاء العمل السياسي، خاصة المتحالفين مع السعودية، لكنها تؤكد ضلوع جميع هذه التحالفات، التي تقود حروبها عبر أدواتها في الداخل، لإعادة إنتاج الموت، بما يتخطى قواعد الاشتباك المعقولة.
منذ ﺳﻴﻄﺮﺓ دول التحالف على جنوب اليمن، في تموز 2015، ازداد نشاط عناصر تنظيمي «ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ» ﻭ«ﺩﺍﻋﺶ» في مختلف مدنه الرئيسية، وعمد الاثنان إلى تصفية ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺍﺕ ﺍﻷ‌ﻣﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ ﺍﻟﺒﺎﺭﺯﺓ، إما بإطلاق الرﺻﺎﺹ من على متن ﺍﻟﺪﺭاﺟﺎﺕ ﺍﻟﻨﺎﺭﻳﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍت، وإما بعشرات الجرائم ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺔ التي ﺷﻤﻠﺖ عمليات الإعدام الجماعي، وليس أخيراً تنفيذ الهجمات ﺍﻻ‌ﻧﺘﺤﺎﺭﻳﺔ ﺑﺎﻷ‌ﺣﺰﻣﺔ ﺍﻟﻨﺎﺳﻔﺔ وباﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﻔﺨﺨﺔ.
لا يزال أبناء الجنوب يسلمون رقابهم إلى السعودية، رغم أن المخطط الاستعماري الجديد/القديم الهادف إلى ﺇﻓﺮﺍﻍ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ ﻣﻦ ﻛﻮﺍﺩﺭﻩ ﻭﻗﻴﺎﺩﺍﺗﻪ الفعالة، واضح للعيان. حالياً، صارت محافظات الجنوب ومدنه مثل جزر معزولة عن كتلة المساحة الجنوبية الموحدة، فضلاً على أن ممرات الجنوب المائية اﻻ‌ﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ تحت سيطرة التحالفات الدولية وأدواتها المختلفة.

صارت محافظات الجنوب
ومدنه مثل جزر معزولة
عن الكتلة الموحدة

لا مشكلة حتى لدى قوى العدوان في إرسال رسائل إلى كل من يحاول تهديد مصالحها، حتى لو كان من حلفائها، وذلك لتأكيد رضوخه المستمر له. والآن، يدرك الرأي العام في الجنوب أن «القاعدة» ليس من يقف خلف التفجيرات والاغتيالات، ولا «دولة داعش» حتى لو أصدرت بيانات باسمها، وكذلك لم يعد يسير الحال بالاتهام المتكرر لـ«خلايا صالح والحوثيين»، الذي يفقد أي دليل، بل تشير التفجيرات الأخيرة ونوعها وتوقيتها إلى أن وراء الأكمة ما وراءها، خاصة أنها طاولت جنوداً جنوبيين رفضوا الذهاب للقتال في الشمال. تقول مصادر مقربة من قيادات جنوبية إن هذا الفعل سيتكرر، ونحن ندفع اليوم ضريبة قبولنا التحالف مع تحالف أخطأ في تقديرات في حربه على اليمن. لا أحد ينكر هنا خلاف قوى «الحراك الجنوبي» مع السعودية وخلافهم أيضاً مع عبد ربه منصور هادي وحكومته، وكلها خلافات تطفو على السطح بصورة ابتزازات وتهديدات يتبادلها الجانبان من حين إلى آخر.
حتى اللحظة، الشرط الجنوبي للمشاركة في معارك الشمال هو اعتراف سعودي بهم وبقواتهم كقوى مشاركة ضمن «التحالف» ومستقلة عن هادي، بالإضافة إلى مطالبتهم الرياض بتأهيل عناصرهم العسكرية، وغيرها من المطالب التي لا يزال السعوديون يسامون عليها ويماطلون، فضلاً عن رفض هادي هذا الاعتراف.
أمام هذا الابتزاز السعودي حيناً، والمساومة حيناً آخر، اكتفى الحراكيون بحضور قواتهم العسكرية، المشكّلة عبر دعم إماراتي، في رتب دنيا داخل القوات المسماة «المقاومة الشعبية»، وهم بذلك يرون أن هذا هو الطريق لحل القضية الجنوبية في إطار ما ستفرزه الحرب من متغيرات كبيرة.
هذه الآمال تتبخر مع ضعف حضور هذه القوى عسكرياً وسياسياً في جنوب اليمن وشماله، كما يرى بعض الجنوبيين أن العمليات الانتحارية الأخيرة تأتي بإيعاز سعودي واضح، وفي ظل تواطؤ فاضح لحكومة هادي من أجل إحباط المشروعين الاستعماري الإماراتي والانفصالي الجنوبي في آن واحد.