في الوقت الذي تتنامى فيه مقاطعة الكيان الصهيوني على الصعيد العالمي تتسارع الخطوات السعودية العلنية (بعد سنوات طويلة من العلاقة الخفية) لإقامة علاقات مع هذا الكيان! نعم، أصبح لدى السعودية استعداد عملي علني لترسيم العلاقات مع إسرائيل. بالطبع فإن مترتبات ذلك ستنعكس سلباً على مجمل الصراع مع العدو، وعلى الحقوق الوطنية الفلسطينية والأخرى العربية، وعلى التطبيع مع العدو. وهو في الوقت ذاته تأييد للاقتراحات الصهيونية للتسوية، ويصب في مجرى الرفض الصهيوني للدولة الفلسطينية العتيدة، ويمثل تهيئة لجميع الدول الخليجية والأخرى ذات العلاقات القوية مع السعودية عربية كانت أم إسلامية، للاعتراف العلني والرسمي بالكيان.
من يتابع الصحف والمواقع الإسرائيلية (وبخاصة موقع «والاه») يدرك المشوار الطويل لهذه العلاقة المتينة، والتي يعتبر جزء منها اللقاءات الأخيرة بين الصهيوني حتى العظم دوري غولد (المتخصص في الشؤون العربية والإسلامية، والمعيّن حديثاً من قبل نتنياهو مديراً عاماً لوزارة الخارجية بعد إقالة نيسيم بن شطريت، والذي كتب مقالات عديدة عن أهمية ضرب المشروع النووي الإيراني وأخرى عن ضرورة التحالف مع السعودية في مجابهة إيران) وبين الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي (اللقاء الأخير هو الخامس بين الاثنين).
من الملاحظ أن حركة المقاطعة للمستوطنات تتنامى بشكل متسارع في الآونة الأخيرة

على صعيد آخر، قال الدكتور أسامة الغزالي حرب، رئيس مجلس أمناء حزب المصريين الأحرار، «إن مصر في حالة تطبيع مع إسرائيل من بعد معاهدة السلام. وأضاف حرب خلال لقائه ببرنامج «الجريء والبريء» المذاع عبر فضائية «سي بي سي إكسترا»، أنه دارس للصراع العربي -الإسرائيلي، مؤكداً القول: «أنا ذهبت لإسرائيل من قبل، ولو حلت مشكلة فلسطين فلا أرى أي سبب لمنع العلاقات بيننا، ولا أرى أن البعد عنهم غنيمة كما يتصور المصريون».
إن أحد الأهداف الأساسية الإسرائيلية هو الحصول على اعتراف جماهيري وشعبي عربي بإسرائيل كدولة من دول المنطقة، والدخول في النسيج الاجتماعي للأمة العربية والقيام بمختلف أشكال التطبيع معها. لم يكن الهدف الوحيد لإسرائيل الاعتراف الرسمي العربي بها فقط، وإنما الأهم هو الاعتراف الشعبي الجماهيري بها، ولذلك حاولت وبكل ما أوتيت من قوة وإمكانيات التطبيع مع الشعب المصري بعد معاهدة كامب ديفيد، ولكن وعي الجماهير المصرية وأحزابها ونقاباتها ومؤسساتها ومنظماتها غير الحكومية تمكنت من إفشال المخططات الإسرائيلية. يدخل في باب التطبيع السماح لإسرائيل بإقامة مؤسسات تصنيعية ومكاتب تمثيلية وغيرها على أية بقعة في الأرض العربية، وكذلك استضافة إسرائيليين في الفضائيات العربية. وكل تلك الأشكال من التبادل بمختلف الأسماء والمسميات من زيارات لإسرائيل أو العكس بالعكس.
على صعيد المقاطعة، لعلنا نورد اهم خطوات إسرائيل لمحاربة المقاطعة التي أصبحت تؤثر فعلياً على الكيان: نتنياهو قارن بين حملة المقاطعة لإسرائيل وبين الحقبة النازية! هو وحكومته يرصدان 100 مليون شيكل لمحاربة حملة المقاطعة. كما يعلن رئيس الوزراء أن «الحملة لنزع الشرعية عن إسرائيل تشكل تحدياً يواجهه الشعب اليهودي والدولة اليهودية»، ويستطرد في خطاب متلفز وجهه لـ «مؤتمر مضاد لحركة مقاطعة إسرائيل BDS» انعقد أخيراً في مدينة لاس فيغاس: «كانت هناك محاولة لإقصاء إسرائيل من «الفيفا»، واتحاد الطلاب الوطني في بريطانيا صوت لمصلحة مقاطعة إسرائيل، والمدير العام لشركة فرانس- تلكوم صرح بأنه يعتزم قطع العلاقات التجارية بين شركته وإسرائيل، وأقواله لاحقاً التي مدحت إسرائيل لا تتماشى مع التصريحات التي أدلى بها في القاهرة والتي كانت معادية بشكل لا لبس فيه». نتنياهو شدد على أهمية الوقوف ضد كل هذه الحملات لأن «الحملة ضد إسرائيل لا ترتبط بسياساتها بل بحقها في الوجود وتمثيلها للشعب اليهودي وبحقها في تقرير مصيرها والدفاع عن مستقبلها... فلا مستقبل يهودي من دون وجود إسرائيل كدولة يهودية». الصهيوني نتنياهو ادعى بأن كيانه «يحارب الإرهاب العربي الوحشي في سبيل السلام». من ناحية ثانية أجمعت الصحف الصهيونية على أن الكيان وضع خطة تفصيلية لإعلان الحرب على «حركة المقاطعة العالمية». نتنياهو قام بتعيين جلعاد أردان مسؤولاً عن الأمن العام للشؤون الاستراتيجية والدبلوماسية. الأخير صرّح بدوره بأن مكافحة المقاطعة ستكون هدفه الرئيسي.
يشي هذا الأمر بأن الكيان أصبح متضرراً بشكل كبير من الحملة الدولية لحركة مقاطعته، وبأن حرباً صهيونية ستشن على الحركة! ووفقاً للكاتبة الصحافية آسا ينستانلي في مقالة نشرتها أخيراً بأن موضوع المقاطعة سيُدرج للمناقشة في الكنيست، وهذا يعني: جدية المخاوف على القائمين على الحملة، وممارسة الإرهاب الأسود ضدهم، وتهديد الحياة الشخصية لكل منهم. من ناحيته اعتبر رئيس الكيان رؤوفين رفلين: «أن المقاطعة تشكل تهديداً استراتيجياً أمنياً لإسرائيل»، كما أن زعيم المعارضة اسحق هيرتسوغ استعمل الوصف ذاته. في السياق نفسه وإضافة إلى بند «أهمية محاربة المقاطعة» جاءت تصريحات أنات بيركن عضو الكنيست عن الليكود، ورئيس الموساد السابق الذي صرّح «بأن الكيان لا يستعمل سوى جزء بسيط من قوته في محاربة المقاطعة». على صعيد ثالث تصدرت قضية شركة أورانج الفرنسية للاتصالات وقرارها وقف تعاملاتها مع إسرائيل عناوين الصحف الصهيونية مؤخراً، وجاء فيها أن «بنيامين نتنياهو تدخل شخصياً في القضية وطالب الحكومة الفرنسية بالتدخل السريع لمنع شركة ورانج» للاتصالات وقف تعاملاتها مع إسرائيل.
وتأتي مطالبة نتنياهو هذه وتدخله المباشر في القضية إثر إعلان الرسمي لشركة «أورانج» وقف تعاملاتها مع إسرائيل. ولقد تدخلت وزارة الخارجية الإسرائيلية كذلك في القضية وطالبت الحكومة الفرنسية والرئيس الفرنسي بالتدخل ضد قرار الشركة... ونتيجة الاتصال تراجعت «أورانج» عن قرارها بمقاطعة الكيان!
التطبيع هو المفتاح لقبول إسرائيل في المنطقة. وهو أيضاً اعتراف بالأضاليل التاريخية والجغرافية التي تروجها الصهيونية عن فلسطين، وتطرحها حالياً بالنسبة ليهودية دولة إسرائيل. لكل ذلك فإن التطبيع وبلا ثمن هو ما تريده إسرائيل. من الملاحظ أن حركة المقاطعة للمستوطنات تتنامى بشكل متسارع مؤخراً، كحصيلة لنشاطات جمعيات ومنظمات أهلية فلسطينية وعربية ودولية. نعم المقاطعة في طريقها للتحول إلى ظاهرة، وقد بدأت تقلق إسرائيل. لقد خسرت المستوطنات العام المنصرم حوالى 30% من تجارتها مع الدول الأوروبية وغيرها. نعم بدأت تتكاثر المؤسسات الأكاديمية والإقليمية والشركات والمؤسسات الأوروبية التي تعلن مقاطعتها لإسرائيل في دول عديدة من الصعب إيرادها كلها في مقالتنا هذه. نعم علينا الاستفادة من هذه الظاهرة، فالحكم العنصري في جنوب أفريقيا حوصر وقوطع من غالبية دول العالم، الأمر الذي ساهم وبفعالية كبيرة في الضغوط عليه للجنوح نحو حل سياسي مع الشعب الجنوب أفريقي.
إسرائيل تكرر وقائع الحكم العنصري في جنوب أفريقيا في تعاملها مع الفلسطينيين: إن من حيث التنكيل المستمر بهم، مروراً باقتراف أشكال العدوان الاحتلالي كافة، وصولاً إلى التنكر لحقوقهم الوطنية وإلى مزيد من فرض الشروط عليهم. إسرائيل بممارساتها هي أكثر عنصرية من الأنظمة العنصرية كافة على مدى التاريخين القديم والحديث. وهي دولة فاشية بامتياز، كما أثبتت الوقائع. نعم إنها قمة المسخرة: بعضُ المُسمّين عرباً يقومون بالتطبيع... والغربيون يجهدون لمقاطعة الكيان.
* كاتب فلسطيني