في ظلّ الضبابية على مستوى المسارات الجيوسياسية وبالتوازي مع انخفاض مستوى القوّة لدى الولايات المتحدة الأميركية، تستمر الحرب الإقليمية الكبرى التي تستهدف إسقاط الدولة السورية من أجل التأسيس لمرحلة إعادة النفوذ ورفع منسوب القوة التي تُعيد الهيمنة على المنطقة والعالم، وذلك بالاعتماد على الدول الإقليمية الوكيلة وعلى تناقضات الدين السياسي، وحرب الأفكار، وتستخدم بوضوح التنظيمات التي أسّست أصلاً لهذا الغرض أي التنظيمات المرتبطة بالقاعدة (داعش والنصرة، جيش الفتح... الخ).
تكمن خطورة هذه المرحلة الضبابية بكون الدول الإقليمية تتصرف وكأنها صاحبة القرار في المنطقة، مع غياب للقوى العظمي التي تستطيع ضبط المسارات الجيوسياسية لهذه الدول، وهذا يحمل مخاطر الانزلاق في حرب إقليمية كبرى، إذا ما حدثت أخطاء كنتائج لحسابات غير مدروسة لأي من الأطراف.
إلا أن الحسابات الجيواستراتيجية والتجارب التاريخية للصراعات والحروب خلال القرن الماضي، إضافة الى المتغيرات التي تشهدها المنطقة، تشير الى أن محور المقاومة يجمع النقاط التي تؤسس لانتصاره، والذي سيؤدي الى ارتدادات على مستوى العالم قد ينتج منها عالم متعدد الاقطاب.
الفشل في مشروع الهيمنة وإسقاط الدولة السورية خلال أربع سنوات من الحرب دفع الى مراجعة الخطط من قبل جميع الأطراف، بهدف إغلاق الفصل الأخير من هذه الحرب، واستثمار ذلك في تحقيق مكاسب جيوساسية على مستوى الإقليم.
الولايات المتحدة
تخطط لإطالة أمد الحرب علينا بالتوازي مع العودة الى العراق

الولايات المتحدة الاميركية تدير الحرب على سورية ومحور المقاومة (سورية وايران وروسيا وحزب الله)، وعينها على الصين التي تعتبرها الخطر الأكبر على المدى المتوسط والبعيد.

حيث تعتمد لتحقيق هذه الاستراتيجية على أهداف عدة:

1- في سوريا: الوصول الى تسوية بالمفهوم الأميركي أي الوصاية على سورية بشكل مشابه لواقع لبنان او العراق، بالتوازي مع إرغام الدول الحليفة إيران وروسيا على الرضوخ وتقديم تنازلات بما يخص سورية والاقليم.
2- محاربة الفكر القومي العربي الذي تتبناه سورية والذي يعتبر الخطر الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة والغرب المتحالف معها.
على المستوى الاقليمي والدولي:
1- السيطرة على خطوط نقل الطاقة في المنطقة والعالم من خلال استخدام كافة الوسائل والتحالفات عبر «الدول الاقليمة الوكيلة» واساليب «القوة الناعمة والذكية».
2- تحجيم دور روسيا ودول بريكس والتحضير لمواجهة الصين في المرحلة المقبلة.
3- ضمان استمرار التدفق النقدي والهيمنة الاقتصادية والمالية، وإنعاش دورة حياة شركات الأسلحة العالمية من خلال استمرار الحروب والفوضى في المنطقة.
4- ترسيخ الكيان الصهيوني كقوة وحيدة في المنطقة، من أجل تحقيق الهيمنة الكاملة في المنطقة.

محددات اساسية في الاستراتيجية الاميركية في الحرب على سورية:

1- الاستثمار في الدبلوماسية العامة والحرب الناعمة والذكية بالتوازي مع الترويج للحلول السلمية والاتفاق النووي مع ايران (الذي لن يوقع وإنما ستمدد المفاوضات بشكل مستمر) من أجل إدارة الحرب ضمن حسابات دقيقة لخدمة المشروع الاميركي في المنطقة.
2- إطالة أمد الحرب لتحقيق أهداف في المنطقة وأخرى على مستوى الحسابات الداخلية في ظل دخول مرحلة الانتخابات الاميركية.
3- الاستثمار في التنظيمات الارهابية المرتبطة بالقاعدة من أجل تعميم فكرة الصراع المذهبي والطائفي.
4- الاستثمار في حرب الأفكار وإدارة التوحش على مستوى الجغرافيا السياسية.
5- استثمار داعش في سوريا والعراق لإحداث تغيرات في البنى المجتمعية من أجل قطع الطريق أمام الامتداد الطبيعي لمحور ايران – العراق – سورية – حزب الله، وصولاً في مرحلة قادمة الى تعميم الفوضى لدول آسيا الوسطى وإيران (أطراف معاهدة شنغهاي).
6- الدفع بالدول الاقليمية الوكيلة الى تشكيل حلف بغداد الجديد على أساس مذهبي لمواجهة إيران ومحور المقاومة.
7- دعم التوجه القومي الكردي لاستثماره في المرحلة المقبلة خدمة للمشروع الغربي في اعادة رسم المسارات الجيوسياسية.
8- استخدام الدول الاقليمية الوكيلة (السعودية – تركيا – قطر) في الانخراط المباشر في الحرب من خلال التأثير المباشر وغير المباشر (القوه الناعمة) من لملء الفراغ الناتج عن انخفاض مستوى القوى الاميركية، واستثمار ذلك في تأمين المصالح الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة والغرب.

الخلاصة

في هذه المرحلة الحاسمة من الحرب المركبة والتي تتشابك فيها المشاريع والقوى الإقليمية والدولية، وبنتائجها سيتم ضبط المسارات الجيوسياسية في المنطقة والعالم لا بدّ من ضبط إيقاع ادارة الحرب وفق حسابات دقيقة من حيث إبراز القوة وتوجيه النشاط الدبلوماسي «الجيواستراتجية» مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الديناميكية في المنطقة وتاريخ الحروب والصراعات المختلفة.
المرحلة تؤكد حتمية انتصار المشروع الوطني الذي يقوده الرئيس الاسد، وأن الجيش والقيادة السورية بدأت تحدث تغيراً استراتيجياً في المنطقة من خلال الصمود، وإبطال مفاعيل المشاريع والسيناريوهات التي تستهدف الهيمنة على سورية.
الولايات المتحدة تخطط لإطالة أمد الحرب علينا، بالتوازي مع العودة الى العراق بحجة مكافحة داعش (الاستثمار في داعش مستمر) والهدف هو قطع مسار محور المقاومة من خلال العراق، واللعب على الوتر الطائفي بالتوازي مع تشكيل الحلف الجديد من السعودية وصولاً الى باكستان.
المتغيرات في المنطقة وفي تركيا وتداعيات الجبهة الجنوبية، يشير الى أن التصعيد سوف يزداد في جبهة الجنوب، مع محاولات دائمة في الشمال، إلا أن مسار الحرب في القلمون، وربح القيادة السورية ومحور المقاومة في السياسة على مستوى الإقليم، يؤسس لتركيز الجهود على الارض لقلب المعطيات على جبهات عدة في الأسابيع المقبلة، وستكون لذلك نتائج وتداعيات داخلية واقليمية تؤدي الى إجهاض المشروع الاميركي «اطالة امد الحرب»، وهذا متوقع ومرتقب نظراً للمعطيات الموضوعية وأداء الجيش خلال المرحلة السابقة.
التحدي الأكبر هو مواجهة حرب الأفكار والحرب النفسية والإعلامية، التي لا تؤثر في مجرى الأحداث الحالي فقط وإنما لها أثر في مستقبل الأجيال والصراعات والحروب المستقبلية، وهذا يستدعي مراجعة الاستراتيجيات الاعلامية الحالية وبشكل سريع والبدء ببرنامج عمل إعلامي متكامل للمواجهة على المدى القريب والمتوسط.
الرهانات على الاتفاق مع إيران حول الملف النووي، أو حصول تغير دراماتيكي في تركيا على المدى القريب غير دقيق، والأمر نفسه بالنسبة إلى مبادرة دي ميستورا أو الحوار مع المعارضات كون ذلك يصبّ في اطار الاستثمار وتعبئة الوقت الضائع بحسب مقتضيات العلاقات الدولية.
تغير الواقع على الارض في سورية من خلال أداء الجيش السوري ومحور المقاومة، بالتوازي مع العمل الإعلامي والسياسي هو الأساس في إغلاق الفصل الأخير للحرب على سورية.
*باحث سوري